شهدت بغداد أمس الجمعة، ما يمكن اعتباره تلاشيا لآخر فرص ولادة “الكتلة العابرة للطائفية”، والتي تحوّلت أخيراً إلى مطلب شعبي عراقي واسع من مختلف الأطياف، بهدف تشكيل حكومة بعيداً عن المحاصصة الطائفية التي عرفها العراقيون بعد الاحتلال الأميركي لبلادهم بواقع 11 وزيراً شيعياً و10 للسنة و7 للأكراد ووزارة لكل من الأقليات العراقية.
في هذا الصدد، أُعلن عن انضمام كتلتين شيعيتين جديدتين إلى تحالف الفتح، الجناح السياسي لمليشيا “الحشد الشعبي” المتحالفة أصلاً مع التيار الصدري ضمن كتلة سائرون. وتبقى ثلاث كتل فقط تجري المشاورات في بغداد بشكل متسارع لإعلان عودتها رسمياً لما يعرف “البيت الشيعي” لتشكيل الحكومة العراقية تحت رعاية ثلاث شخصيات إيرانية رئيسية متواجدة في العاصمة العراقية بغداد، منذ قرابة أسبوع، وهم قائد فيلق القدس قاسم سليماني، ومجتبى خامنئي النجل الأوسط للمرشد الإيراني علي خامنئي، ورجل الدين الإيراني المقرب من حزب الدعوة محمود الشاهرودي، إضافة إلى السفير الإيراني في بغداد إيرج مسجدي ومعاونه السياسي بالسفارة كريم رضائي، بينما يتداول في أوساط سياسية ببغداد عن وصول محمد كوثراني الذي عادة ما يتم تعريفه بعنوان مسؤول ملف العراق بحزب الله اللبناني.
وفقاً لوزير عراقي بارز في بغداد، تحدث عبر الهاتف لـ”العربي الجديد”، فإن “الفريق الإيراني الضاغط يعمل الآن على تحقيق اتفاق نهائي مع الكتل المتبقية للانضمام إلى التحالف وهم كتلة دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وكتلة الحكمة بزعامة عمار الحكيم وكتلة النصر بزعامة حيدر العبادي”. وبيّن أن “الجهود تنصب حالياً على إذابة الخلافات بين الكتل الشيعية وعودتها ضمن تشكيل سياسي واحد كما كانت منذ عام 2003″، مرجّحاً أن “أيا من القوائم الثلاث التي ستتأخر في قرار الانضمام سيتم تفكيكها، وأول تلك الكتل تحالف النصر بزعامة حيدر العبادي، إذ يُرتقب انسحاب حزب الفضيلة من التحالف ولحاقه بالتحالف الأول الصدر ــ العامري الرئيسي الآن”. وأضاف أن “إيران تستعجل جميع الأطراف الشيعية للتوحد مجدداً ضمن ائتلاف واحد، ومن المرجح أن تكون الخطوة اللاحقة هي التحرك للعمل على بعض الكتل السنية والكردية لضمها إلى التحالف، للإيحاء بعدم طائفية التحالف الجديد”.
وأيضاً تمّ الإعلان أمس عن التحاق كتلة إرادة بزعامة حنان الفتلاوي (3 مقاعد) وكتلة كفاءات بزعامة هيثم الجبوري (3 مقاعد) إلى تحالف الفتح بزعامة هادي العامري، الذي أعلن عن تحالفه هو الآخر مع الصدر يوم الأربعاء الماضي ليرتفع عدد مقاعد التحالف الجديد إلى 107 مقاعد انتخابية. وتعد كتلتا إرادة وكفاءات من أبرز الكتل الشيعية الجديدة التي ولدت من خلال ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وعُرف عنها الطروحات الطائفية الحادة.
وفي السياق، اعتبر عضو البرلمان العراقي السابق وائل عبد اللطيف، أن “التحالف بين سائرون والفتح خطوة لإعادة لملمة التحالف الوطني الحاكم”، مبيناً في تصريح صحافي أن “هذا التحالف قد يتمكن من جمع 187 مقعداً تمثل جميع الأحزاب والتشكيلات الشيعية”. وأضاف أن “هذا التحالف سيتمكن من تشكيل الكتلة الأكبر بـ 187 مقعداً بأريحية كبيرة”، مشيراً إلى “وجود تحركات أخرى تهدف إلى لملمة البيت السني، وأخرى للملمة البيت الكردي، وهذا يدل على أن العراق غير قادر على الخروج من المحاصصة”.
في المقابل ينظر عدد من الكتل والقوى العربية السنية والتركمان والأقليات الدينية، إلى أنهم “وقعوا ضحية شعارات سبقت الانتخابات حول الكتل الوطنية العابرة للطائفية وتشتت جهودهم وأصواتهم داخل كتل عدة، وسائرون والنصر والفتح انخرطوا معها، وتحاول اليوم أن تجمع شتاتها من خلال سلسلة مباحثات مكثفة انطلقت الجمعة وجرت عل هامش الزيارات الروتينية بين الزعماء السنة بمناسبة عيد الفطر”.
ووفقاً لمصادر سياسية عراقية في بغداد، فإن “مساعي حقيقية يقودها أسامة النجيفي وخميس الخنجر وسليم الجبوري وأحمد المساري وصالح المطلك وقيادات سنية أخرى لتشكيل تحالف يتجاوز عدد مقاعده الـ70 مقعداً برلمانياً”.
وقال قيادي بارز في تحالف القرار لـ”العربي الجديد”، إن “حراكاً جدياً بدأ لإعادة تشكيلتحالف القوى العراقية مجدداً بنسخة أخرى تجمع كل القوى السنية ضمن ميثاق شرف وقائمة مطالب موحدة”. وبيّن أن “أسامة النجيفي وسليم الجبوري وأحمد المساري وصالح المطلك وخميس الخنجر وقيادات سنية تتباحث في هذا الإطار”، مشيراً إلى أن “التحالف يريد أن تكون له قائمة مطالب وشروط تمثل محافظات شمال وغرب العراق والعاصمة بغداد، وغير ذلك ستكون مثالية لا وجود لها على الساحة السياسية العراقية”.
وهو ما أكده النائب عن ائتلاف الوطنية رعد الدهلكي، في تصريح لوسائل إعلام عراقية محلية قال فيه إن “تكتلا سنيا جديدا سيعلن فور مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات”. وبيّن أن “القوى السنية الوطنية اتفقت وبشكل نهائي على تشكيل التحالف النيابي السني الأكبر لإجراء المباحثات السياسية لتشكيل الحكومة”، لافتاً إلى أن “الإعلان عن التحالف السني سيكون فور مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على نتائج الانتخابات”. وأضاف أن “التحالف وضع ورقة عمل للمناطق المحررة تتضمن إعمار المناطق المحررة وإعادة النازحين إلى مناطقهم ضمن البرنامج الحكومي المقبل”.
كردياً، قال القيادي في التحالف الكردستاني حمة أمين لـ”العربي الجديد”، إن “نبرة الذهاب في وفد موحّد إلى بغداد ارتفعت بين القيادات الكردية المختلفة، وهناك حاجة فعلاً لمثل هذا الشيء فالتفرق الحالي يخدم أطرافا سياسية أخرى”. واعتبر أن “قيادات قبلية كردية دخلت على الخط وتحاول أن تعيد إحياء شعار خلافاتنا داخل بيتنا وبالخارج نحن موحدون”. وأضاف أن “مسعود البارزاني دعا لاجتماع أخوي بين القيادات الكردية للاتفاق على صيغة جبهة سياسية كردية واحدة ووضع خارطة طريق لحل الخلافات الداخلية في كردستان”.
أما النائبة عن الحزب الديمقراطي بزعامة البارزاني، أشواق الجاف، فقالت في تصريحات لمحطة تلفزيون عراقية محلية، إن “الحزب الديمقراطي الكردستاني يسعى لإعادة إحياء التحالف الكردستاني من جديد”. وأشارت إلى أن “الكتل الكردية لم يحصل بينها خلاف، ولكن هناك اعتراضا من بعضها على نتائج الانتخابات والإجراءات المتخذة بشأن ذلك”.
وأضافت الجاف، أن “حزب البارزاني سيدعو جميع الكتل الكردية إلى الجلوس على طاولة حوار واحدة لإعادة إحياء التحالف الكردستاني من جديد للمشاركة بالعملية السياسية، وقد يكون الانضمام للكتلة الأكبر التي ستشكل الحكومة”.
من جانبه، أكد عضو البرلمان العراقي عن المكون التركماني حسن توران، أنه “يخشى من تعرض حقوق التركمان للمساومات السياسية”، معبّراً عن “تخوفه من أن تكون المناطق التركمانية التي تحررت من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي عرضة للصفقات السياسية”. ولفت إلى أن “التفاهمات السياسية يجب ألا تقتصر على السنة والشيعة والأكراد فقط، بل يجب إشراك المكوّنات الأخرى”، مبيناً أن “الحوارات تتركز الآن داخل البيت الشيعي ولم يتم إشراك المكونات الأخرى”. ونقلت وسائل إعلام محلية عن توران قوله “إنه من المبكر إعلان تحالفات إذ لا يوجد نتائج انتخابات حقيقية، وبعد التعديل الذي أجريناه في البرلمان، فإن النتائج سوف تعلن بعد العد والفرز اليدوي ومصادقة المحكمة الاتحادية”.
عثمان المختار
العربي الجديد