ورأت صحيفة “جوان” المحافظة أن إشارات محاولة قطع الصادرات النفطية الإيرانية من قبل الإدارة الأميركية قوية، وأن روحاني استغل فرصة وجوده في أوروبا ليتحدث عن التهديد الأميركي الذي يستهدف السوق النفطية لبلاده. وكتبت الصحيفة أن كثراً في الداخل والخارج كانوا ينتظرون سماع هذه الرسالة من إيران، ومفادها بأن منعها من ضخ النفط للعالم يعني عدم خروج نفط المنطقة ككل، مؤكدة أن طهران تستطيع أن تخرب مؤشرات سوق النفط العالمية إن أرادت ذلك. ويعبر من مضيق هرمز 30 في المائة من النفط المتجه نحو العالم. وأي تغيّر، أو توتر، في تلك المنطقة الواقعة جنوبي إيران يعني تبعات ثقيلة ستنعكس على أسعار النفط. وخلال المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيسان السويسري، آلان بيرسي، والإيراني، ردّ روحاني على سؤال واضح حول إمكانية أن تغلق بلاده مضيق هرمز، فذكر أن “عدداً من المسؤولين الأميركيين يحاولون خفض صادرات نفط إيران، وإيصالها إلى معدل صفري، هذه مبالغة أميركية، وهذه تصريحات تأتي من جانب واحد، وتعني أن واشنطن تحاول فرض إملاءاتها على الآخرين، وتنتهك كل الاتفاقيات الخاصة بقطاعي التجارة والطاقة”. وعدم تأكيد روحاني على ذلك حرفياً يعني أنه خيار مطروح، لكنه سيكون في نهاية الخط.
وعن هذا الأمر، قال المحلل السياسي، حسين رويوران، إن التصريح يحمل العديد من الأبعاد بين طياته، وهو ليس حديث العهد، فقد هدّد مسؤولون رفيعو المستوى مراراً بالقيام بالخطوة ذاتها إذا ما استهدف الآخرون نفط طهران. واعتبر أنه لا يمكن لأميركا أن تصفّر عداد الصادرات النفطية الإيرانية عملياً، لكن إن استطاعت ترك تأثير سلبي عليها فسيكون لدى طهران العديد من الخيارات حينها. وعما إذا كان سيناريو إغلاق مضيق هرمز واقعياً، أوضح رويوران، لـ”العربي الجديد”، أن لدى القوات البحرية الإيرانية أسلحة وتجهيزات متقدمة، ما يعني إمكانية محاصرة ناقلات النفط التي تعبر من هرمز، لكن هذا السيناريو سيكون آخر الخيارات، ولن تتخذه طهران إلا إن وصلت إلى طريق مسدود، حسب وصفه. واعتبر أن اللجوء إلى هذا الخيار يعني تأثر دول تصدر النفط والغاز إلى جانب إيران، كالسعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين وحتى العراق، وإذا ما حصل توتر في المضيق فهذا يعني مشكلة ستواجه إمدادات النفط العالمية، مستبعداً حصول ذلك إلا أن تمت محاصرة طهران من جميع الجهات. وهي ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها إيران ورقة مضيق هرمز ضد أميركا أو منافسيها النفطيين. فقبل التوصل إلى الاتفاق النووي، وحين كانت تخضع لعقوبات مشددة، منها ما يرتبط بالنفط، لوحت بذلك مرات عدة على لسان مسؤولين من الساسة والعسكر. وعقب الاتفاق النووي، هدّد نائب قائد “الحرس الثوري”، حسين سلامي، بإمكانية منع مرور السفن الأميركية من تلك المنطقة. كذلك أجرى “الحرس الثوري” مناورات عدة هناك، وكل ذلك بهدف رفع قوة الردع الإيرانية.
من الواضح أن جهود روحاني في هذا الخط تحظى بتأييد، حتى إن قائد “فيلق القدس”، الجنرال قاسم سليماني، بعث إلى الرئيس برسالة، أمس الأربعاء، نشرها موقع “سباه نيوز” التابع لـ”الحرس الثوري”، أشاد خلالها بتصريحات الرئيس حول النفط وحول عدم اعتراف طهران بالكيان الصهيوني. واعتبر أنها تبعث على الفخر. وقال “هذا هو روحاني الذي عرفناه ونعرفه”، واصفاً كلامه بالحكيم والقيم. وأضاف أن “ما نقلته وسائل الإعلام من تصريحاتك، بأنه في حال عدم تمكن إيران من تصدير النفط فليس هناك ضمان لتصدير النفط من المنطقة برمتها، وحديثك عن موقف إيران تجاه الكيان الصهيوني، يبعث على الفخر والاعتزاز”. وتابع “إنني كجندي أقول لك بكل اعتزاز إنك روحاني الذي عرفناه ونعرفه، والذي يجب أن يكون، وإن خطابك القيم مصدر فخر واعتزاز القائد العزيز والشعب الإيراني الكبير والمسلمين في العالم. أقبل يديك على هذا الخطاب المناسب والصحيح وأعلن استعدادي للعمل بكل ما يمكن أن يصب في مصلحة النظام الإسلامي”. ونقل موقع وزارة النفط على الإنترنت (شانا)، عن محافظ إيران لدى “أوبك”، حسين كاظم بور أردبيلي، إنه يجب عدم استخدام النفط سلاحاً لتحقيق مكاسب سياسية. وأضاف أن “مطالبة ترامب بعدم شراء النفط الإيراني، وضغوطه على الشركات الأوروبية في وقت تشهد فيه نيجيريا وليبيا أزمة، وانخفضت فيه صادرات النفط الفنزويلية بسبب العقوبات الأميركية، وزاد فيه الاستهلاك المحلي بالسعودية في الصيف، ما هي إلا إيذاء للنفس”. وتابع “سيرفع ذلك أسعار النفط في الأسواق العالمية. وفي النهاية، فإن المستهلك الأميركي هو الذي سيدفع ثمن سياسة ترامب”.
وتركّز وسائل إعلام الداخل على الجهد الذي يبذله روحاني في الوقت المستقطع. وكتبت صحيفة “قانون” المستقلة، تحت عنوان “دبلوماسية بطعم توابل الغضب”، أن ما يفعله الرئيس يغضب أميركا وإسرائيل والسعودية، فترامب كان يتوقع أن تتصرف طهران بانفعالية، لكنها ما زالت تحاول حصد مكتسباتها حتى النفس الأخير، كما تناور للحصول على دعم ضد العقوبات الأميركية العائدة إليها. واعتبرت أن روحاني أرسل إلى البيت الأبيض رسالة مفادها بأن إيران ليست فنزويلا. من ناحية أخرى، بدا واضحاً تركيز روحاني والوفد المرافق على مسألة أن العقوبات الأميركية تستهدف المدنيين لا السلطة ولا النظام في إيران. وكتبت صحيفة “اعتماد” الإصلاحية أن روحاني يتعامل مع الشرق والغرب معاً في الوقت الراهن، وأكد خلال جولته الأوروبية أن منطق التهديد والضغط والاحتقار لن يصل إلى نتيجة. وذكرت أنه ركز في تصريحاته على أن العقوبات الأميركية ستمنع الشارع الإيراني من الحصول على الدواء وعلى السلع الرئيسية، وحتى الضغوط المالية والنفطية لن تكون بالنتيجة لصالح الإيرانيين أنفسهم، وهي رسالة موجهة إلى الداخل وإلى الإيرانيين المقيمين في الخارج.
وتتزامن هذه الجولة والتحضير لاجتماع مهم للغاية سيعقد غداً الجمعة بين وزراء خارجية إيران ودول 4+1 الباقية في الاتفاق في فيينا. وذكرت وكالة “إيسنا”، نقلاً عن مسؤول إيراني، أن حزمة المقترحات المتعلقة بالضمانات الاقتصادية ستقدم لطهران خلال هذا الاجتماع الذي ستحضره كذلك وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغيريني. ونشرت مصادر إعلامية أنباء تفيد بأن الأوروبيين سيضمنون شراء مليون برميل من النفط الإيراني، على أن تتسلم البلاد عائداتها من النفط عبر قناة مخصصة لذلك، فضلاً عن موافقة الأطراف الأوروبية على الاستثمار في إيران بقيمة 10 مليارات دولار، وكلها أنباء تبدو متفائلة بعض الشيء. وقد كتبت صحيفة “اعتماد” الإصلاحية، في افتتاحيتها بقلم داوود أقايي، أن كل ما صدر حول حزمة المقترحات ما زال غير مؤكد، لكن ذلك لا يعني أن زيارة روحاني إلى سويسرا والنمسا لا تؤثر على القرار الأوروبي. ورأى الكاتب أنه من الواضح أن المقترحات الأوروبية المرتقبة ستأخذ بعين الاعتبار مسألة دعم خيار استمرار إيران في الاتفاق.
لكن صحيفة “كيهان” المحسوبة على الخط المحافظ المتشدد لم تغرد على ذات اللحن، وما زالت متخوفة من الغرب، وحتى إنها تبدي قلقاً من الجهود الحكومية. ووصفت حزمة المقترحات الأوروبية بالكاذبة، قائلة “كيف يمكن ادعاء دعم إيران ومصارف فرنسا ما زالت تضيق على طلاب إيرانيين هناك”. ورفضت “كيهان” أن توصف هذه الحزمة بالداعمة لضمانات إيران، فالبلاد لا تحتاج لا إلى دعم ولا إلى تشجيع، وعلى أوروبا أن تقوم بما عليها في الاتفاق من خلال ضمان الوقوف بوجه عقوبات أميركا. وانتقدت “كيهان” في قطعة ثانية، دخول مفتشين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى جامعة “علم وصنعت للعلوم التقنية والهندسية”، في طهران، وأخذهم عينات من أحد مختبراتها. وطالبت بعدم فتح الأماكن العلمية بوجه الغرباء، حسب وصفها. وفي ظل كل ذلك، تحاول طهران جاهدة الحفاظ على اتفاقها النووي، لا لأنها ترغب في استمرار القيود على نشاطها، وإنما لحصد المكتسبات الاقتصادية، التي صغر قطر دائرتها كثيراً وستصبح مقيدة أكثر بعودة العقوبات الأميركية إليها قريباً. وظهر هذا الأمر في تصريح روحاني خلال اجتماعه مع نظيره النمساوي، ألكسندر فان دير بيلين، في فيينا، إذ كرر أن طهران ستبقى في الاتفاق النووي فقط إذا ضمنت بقية الدول الموقعة عليه مصالحها بعد انسحاب الولايات المتحدة. وقال إن انسحاب واشنطن من الاتفاق المبرم في عام 2015 “غير قانوني”. وأضاف “لن تستفيد الولايات المتحدة ولا أي بلد آخر من قرار الانسحاب من الاتفاق”.
فرح الزمان شوقي
العربي الجديد