وسرّعت المحاولة الانقلابية من سعي الحكومة في تغيير النظام السياسي، وهو ما تم في استفتاء نُظم عام 2017، شهد تعديلات دستورية، ليتم التحول إلى النظام الرئاسي بدلاً عن النظام البرلماني، مع انتهاء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة التي جرت في 24 حزيران/يونيو الماضي، وتولي الرئيس رجب طيب أردوغان الحكم بداية الأسبوع الماضي.
ومن المنتظر أن تشهد تركيا فعاليات عديدة رسمية وشعبية، ففي الوقت الذي أعلن فيه يوم 15 يوليو من كل عام عطلةً رسميةً، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يزور بدايةً مقابر الضحايا الذين سقطوا خلال مواجهة الانقلابيين في العاصمة أنقرة، ثم يلتقي عائلاتهم، كما يزور المصابين، لينتقل عقب ذلك إلى إسطنبول، لزيارة النصب التذكاري لشهداء المحاولة الانقلابية الواقع قرب جسر “شهداء 15 تموز” الذي كان يحمل اسم “جسر البوسفور”، ويحتوي على أقسام تعريفية بتاريخ الانقلابات والاستعمار وأسبابها حول العالم، ثم يلقي أردوغان خطابا أمام المشاركين في المسيرة التي دعت الرئاسة التركية المواطنين إلى المشاركة فيها، وهي المسيرة المركزية التي ستشهدها إسطنبول، وتجري في ساعات المساء بمشاركة أردوغان.
والهدف من هذه المسيرة هو استذكار كيف عطّل الانقلابيون حركة المرور على الجسر في الساعات الأولى من المحاولة الانقلابية الفاشلة، ولاحقا احتشد المواطنون عليه في مواجهتهم، مما أدى إلى مقتل عدد منهم، وهو ما جعل له رمزية كبيرة.
يأتي ذلك في وقت قال فيه والي إسطنبول، واصب شاهين، إنه تم اتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة لتأمين فعاليات الاحتفال، اليوم، مبينا أنه جرى تخصيص 21 ألفا و780 رجل شرطة لتأمين فعاليات إحياء المناسبة، واتخاذ جميع التدابير الأمنية اللازمة، حيث يتم إغلاق الجسر الرابط بين القارتين الآسيوية والأوروبية، أمام حركة المرور، من بعد الظهر إلى وقت يحدد لاحقا.
وتشهد مختلف الولايات التركية فعاليات متنوعة من حملات تشجير، وتجمعات ميدانية، وزيارات لأضرحة الشهداء، والأهم هو التجمع في الميادين العامة، كما جرت العادة في فترة ما بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، حيث تواصلت التجمعات الميدانية أياما عديدة بطلب من أردوغان، من أجل إفشال أي محاولة انقلابية ثانية يمكن أن تقوم بها جماعة الخدمة، بحسب رواية الحكومة. كما نشر حساب رئاسة الجمهورية مقاطع فيديو تُظهر مقاومة الشعب التركي للمحاولة الانقلابية.
وساهم قانون الطوارئ الذي فرضته الحكومة في تسريع عمليات الاعتقال والمحاكمات وتجميد منسوبي الجماعة في مختلف مؤسسات الدولة وملاحقتهم، وهو الأمر الذي أجمع عليه مختلف أطياف الشعب التركي بداية، ولكن مع مرور الوقت تعالت الأصوات، خاصة من المعارضة، منتقدة الإجراءات المتبعة، وبشكل خاص في ظل ارتفاعأعداد المعتقلين والموقوفين والمبعدين من الوظائف الحكومية، بحجة مكافحة جماعة الخدمة والانقلابيين.
وتشير الأرقام إلى أنه جرى اعتقال أكثر من 150 ألفا، تم الإفراج عن أكثر من نصفهم بعد انتهاء التحقيقات، في حين جرى إخراج وتجميد نحو 150 ألفا أغلبهم من الجيش والشرطة والقضاء والتعليم، وهي المؤسسات التي تغلغل فيها عناصر جماعة الخدمة على مدار عقود، جرى إعادة الآلاف منهم إلى وظائفهم بعد تبرئتهم، كما جرى اعتقال كل من ثبت أنه تورط في تنزيل برنامج محادثات استخدمتها الجماعة، فجرى استدعاؤهم والتحقيق معهم.
وعرّضت هذه الأرقام أردوغان وحكومة العدالة والتنمية لانتقادات واسعة محلية ودولية، بممارسة القمع والتعسف في اعتقال المواطنين، واستغلال حالة الطوارئ، الأمر الذي دفع المعارضة إلى التعهد خلال الحملات الانتخابية السابقة برفع حالة الطوارئ مباشرة في حال فوزها بالانتخابات، فاضطر أردوغان تحت الطلب الشعبي إلى التعهد برفع حالة الطوارئ، عبر عدم التمديد له في 18 من الشهر الجاري.
ويقيم زعيم جماعة الخدمة، فتح الله غولن، في الولايات المتحدة منذ عام 1999، وتطالب أنقرة واشنطن بتسليمه، من أجل المثول أمام العدالة، فيما تطالب واشنطن بأدلة قاطعة على تورطه في المحاولة الانقلابية، الأمر الذي ساهم في تعميق الخلاف التركي الأميركي. وعمل عناصر الجماعة على التوغل منذ أعوام طويلة داخل أجهزة الدولة، ولا سيما في الشرطة والقضاء والجيش والمؤسسات التعليمية؛ بهدف السيطرة على مفاصل الدولة، الأمر الذي برز بشكل واضح من خلال محاولة الانقلاب الفاشلة.
جابر عمر
العربي الجديد