د. سليم محمد الزعنون*
تلقى تنظيم “داعش” خلال السنوات الأخيرة ضربات متتالية أدت إلى هزيمته وخروجه من أكثر من 98% من الأراضي الخاضعة لسيطرته في سوريا والعراق(Wilson Center, March 5, 2018)، ولم تقتصر الهزائم على معاقله الرئيسية بل امتدت إلى بعض فروعه مثل ليبيا، ومصر، وافغانستان، بيدّ أن هزيمته لا تعني نهايته.
فعلى الرغم من الهزيمة والانحسار لا زال مستمراً في نشاطاته في المناطق التي تعرض فيها للهزيمة، إن تفسير ذلك يكمن في قدرته على التأقلم والتّكيف مع الضغوط الحالية من خلال اعتماد آليات ووسائل جديدة للعمل، وتؤشر الممارسة العملية للتنظيم إلى استخدام 5 آليات جديدة تتعاطى مع تداعيات الهزيمة التي تعرض لها.
- حرب العصابات.
استبدال سياسة السيطرة على الأرض والحرب النظامية باستراتيجية حرب العصابات، فلم تَعّد السيطرة على الأرض تحظى بالأهمية باعتبارها تساهم بشكل أساسي في عملية استهداف التنظيم، وليس له قدرة على الحرب النظامية التي أثبتت هزيمته، لذلك استبدلها بحرب العصابات، بحيث يتواجد في مناطق محددة كالمناطق الصحراوية وأطراف المُدن؛ دون السيطرة عليها، وينفذ ضربات خاطفة، مع استهداف البنية التحتية كالمحاصيل الزراعية ومحطات الكهرباء في العراق، واستخدام شبكة انفاق في المناطق الصحراوية إلى الشمال الغربي من الأنبار وإلى الجنوب من الموصل العراقية.
- توظيف البنية الاجتماعية، والنساء.
يعمل التنظيم على توظيف العلاقات العائلية والقبلية والعشائرية بشكل فردي، كل فرد من أعضاء التنظيم عليه العودة الى القبيلة والعشيرة والعائلة، للحصول على قدر من المساعدة والدعم والاسناد من أقاربه، بما يساعده في الاستمرار والبقاء، واعادة احياء نشاطاته.
وشكلت النساء عنصر فعال في استمرار عمل وبقاء التنظيم، لما تتمتع به من خصوصية؛ إذ ارتفعت خلال الشهور الأخيرة نسبة تجنيد النساء لصالح العمل في التنظيم، حيث اكتشفت المؤسسة الأمنية التونسية شبكة لتجنيد وتهريب الفتيات إلى صفوف النظيم في سوريا وليبيا، 40 % منهن ذوات ثقافة أكاديمية، وقدمت الحكومة العراقية عشرات النساء بتهمة تقديم المساعدة اللوجستية للتنظيم والمساعدة في تنفيذ عمليات للتنظيم.
- إعادة انتشار القوات.
عمل التنظيم بعد الهزائم المتتالية على اعادة توزيع القوات ونشرها في المناطق النائية، وعلى الدول غير المستقرة، ويبرز ذلك في نشر القوات في الصحراء جنوب شرق سوريا، والمناطق الصحراوية إلى الشمال الغربي من الأنبار وإلى الجنوب من الموصل في العراق، وجنوب ليبيا بعد الخروج من درنة وبني غازي، وعلى صعيد الدول الانتشار في اليمن محافظة عدن، وافغانستان، والأقاليم المحاذية لطاجكستان وتركمنستان في محاولة للتمدد لدول آسيا الوسطى، وتشير الاحصائيات إلى وجود حوالي 2000 روسي وحوالي 4500 مواطن من دول آسيا الوسطى يقاتلون في صفوف “داعش” في سوريا.
- ابتكار مصادر جديدة للتمويل.
عمل التنظيم على ايجاد بدائل لمصادر التمويل السابقة القائمة على النفط، والضرائب على السكان المحليين، والاتجار بالنساء، وترتكز مصادر التمويل الجديدة على تهريب البشر والسلع والبضائع والمشتقات النفطية، والتكيز على انتاج وتجار المخدرات عبر الحدود، وفي هذا الإطار دعت روسيا إلى خلال قمة شنغهاي في يونيو الماضي إلى محاربة التهديد الإرهابي في أفغانستان بطريقة منسقة من خلال صد إنتاج وتجارة المخدرات.
- تفعيل الخلايا النائمة.
خرج التنظيم من بعض المناطق، ولكن ترك خلفه مجموعات من الخلايا النائمة للمحافظة على فكر التنظيم، واستغلالها عند الحاجة، فبعد خروج التنظيم من بنغازي في ليبيا، فجر التنظيم بتاريخ 10 مارس سيارة مفخخة على حاجز لقوات حفتر في جنوب مدينة أجدابيا على مقربة من بنغازي، وكذلك سيارة ملغمة في جنوب مدينة كركوك بتاريخ 1 يوليو، وتم تفكيك خلايا نائمة تابعة للتنظيم في تونس والمغرب ولبنان.
لقد تعرض التنظيم لهزائم متتالية وانتهاء السيطرة على الأرض، بيدّ أن التنظيم لا زال قادراً على العمل من خلال اتباع آليات ومنهجيات التكيّف ما بعد الهزيمة، بما يفرض ابتكار الدول آليات جديدة في المواجهة لا تقتصر على العمل العسكري، بل تمتد للتعاون الاستخباري في مواجهة مصادر التمويل الجديدة، والمواجهة الفكرية والدينية، وصياغة برامج توعوية شاملة مشتركة بين الدول.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية