حماس وإسرائيل عالقتان في دورة محفوفة بالمخاطر.. هل الحرب على بُعد خطأ في التقدير؟

حماس وإسرائيل عالقتان في دورة محفوفة بالمخاطر.. هل الحرب على بُعد خطأ في التقدير؟

يطلق عليها الجيش الإسرائيلي اسم “الحملة بين الحروب” –وهي عمليات قصيرة، وإنما متزايدة القسوة، يشنها ضد حُكام غزة من حماس، والتي يُقصد منها أن ترسل تحذيرا إلى الجماعة الإسلامية المتشددة، وأن تؤجل -إن لم تمنع- نشوب الحريق الكبير القادم.
لكن المشكلة هي أن كل جولة من العنف المتصاعد ربما تجعل الحرب القادمة أقرب بدلا من تأجيلها.
للمرة الثانية خلال أسبوع، اشتبكت إسرائيل وحماس عبر حدود غزة يوم الجمعة الماضي. وقصفت طائرات حربية إسرائيلية بشراسة نحو 60 موقعا عسكريا لحماس بعد أن أطلق مسلحون فلسطينيون من غزة النار على جندي إسرائيلي وأصابوه إصابة قاتلة. لكن الجانبين تراجعا بعد ذلك بسرعة عن حافة الهاوية.
ويوم السبت، قالت حماس، التي فقدت ثلاثة من أعضائها، أنها ستستأنف وقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب الأخيرة مع إسرائيل في العام 2014 بعد وساطة مكثفة من مصر والأمم المتحدة. وقد تمت استعادة الهدوء في الغالب، ولكن مرة أخرى، لم يتم حل أي من القضايا الأساسية التي تثير التوترات، تاركة الجانبين في حالة شلل خطيرة.
كانت إسرائيل وحماس قد خاضتا ثلاث حروب في العقد الأخير، ويعتقد كثيرون من الجانبين أن نشوب حرب رابعة هو أمر لا مفر منه. ومع كل مخاطر سوء التقدير، يمكن لأي عدد من الحوادث غير المحسوبة أن تتحول إلى حرب لا خيار، والتي لا يريدها أي من الطرفين في الحقيقة.
في أحدث تكرار لهذا الصراع غير المتكافئ، قامت القوة الجوية الإسرائيلية ذات التقنية العالية بقصف البنية التحتية العسكرية لحماس، لإيصال رسالة بأن على المجموعة أن توقف تكتيكها الجديد غير المكلف، وإنما المدمر، من إرسال الطائرات الورقية والبالونات الحارقة عبر الحدود إلى جنوب إسرائيل. وقد أضرمت الطائرات الورقية المشتعلة المئات من حرائق الغابات وفي المجتمعات المدنية الإسرائيلية القلقة القريبة من غزة.
وفي هذا الشهر، فرضت إسرائيل أيضا عقوبات اقتصادية إضافية على الأراضي الساحلية الفلسطينية المعزولة والمُعدمة مسبقاً.
وقال ناثان ثرول، مدير المشروع الإسرائيلي-الفلسطيني في مجموعة الأزمات الدولية ومؤلف كتاب “تفادي الحرب في غزة”، وهي دراسة جديدة أجرتها المجموعة: “المشكلة هي أن الرأي العام الإسرائيلي يطالب بفعل شيء ما بشأن الطائرات الورقية”.
وأضاف السيد ثرول: “تم اقتراح أنه إذا أوقفت حماس إرسال الطائرات الورقية، فإن الوضع يمكن أن يعود إلى ما كان عليه قبل نصف عام. لكن المشكلة هي أن حماس لا تريد العودة إلى ما كان عليه الوضع قبل نصف عام، أو قبل عام أو عامين”.
يأتي تدهور الوضع في غزة على خلفية سنوات من الجمود في مفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية. وقد تحولت الحكومة الإسرائيلية إلى اليمين، وازدادت قوة بصعود إدارة ترامب، التي تمارس ضغوطاً أقل بكثير على إسرائيل من سابقاتها لتقديم أي تنازلات للقيادة الفلسطينية التي تزداد انقساما باطراد، والتي يقول البعض إنها غير فعالة.
وفي ما اعتبره الفلسطينيون ضربة مريرة أخرى هذا العام، قامت إدارة ترامب بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى مدينة القدس المقدسة المتنازع عليها.
وبدأت الأعمال العدائية في التصاعد مرة أخرى يوم الخميس، عندما تعهدت حماس بالانتقام لمقتل أحد النشطاء الذي قتل جراء القصف الإسرائيلي في مدينة رفح بجنوب غزة.
ثم تم قتل الجندي الإسرائيلي يوم الجمعة، وهو أول جندي يقتل في المواجهة في منطقة الحدود مع غزة منذ انتهاء الحرب الأخيرة قبل أربع سنوات. وكان القصف الإسرائيلي الليلي ضد حماس هو الحملة الأكثر كثافة خلال الفترة نفسها.
ويقول ثرول: “كانت حماس قلقة من أنها تواجه وضعاً جديداً، وأن قواعد اللعبة قد تغيرت وأن إسرائيل يمكن أن تقصف غزة مع إفلات من العقاب. ولذلك أرادت حماس إيضاح أن ذلك غير مقبول وأنها سوف ترد”. وأضاف أن ذلك كان الدينامية الأساسية ومصدر الدورة الحالية من المواجهة.
وهناك عنصر آخر حاسم في مستنقع غزة، هو الفشل المتكرر لجهود المصالحة بين حماس التي تسيطر على غزة منذ 11 عاماً، والسلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب، وهي حركة أكثر اعتدالاً تمارس سلطة محدودة على أجزاء من الضفة الغربية.
وتقول مجموعة الأزمات الدولية أن السبيل الوحيد للخروج من احتمال نشوب حرب كاملة أخرى هو اتفاق مصالحة يسمح للسلطة الفلسطينية بتولي الحكم في غزة. لكن ما يسمى “اتفاق الوحدة”، الذي تم التوصل إليه في الخريف الماضي، تعثر.
لا يبدو أن أحداً يريد تحمل المسؤولية عن إدارة الجيب الذي يقطنه مليونا فلسطيني، والذين يعيش أكثر من نصفهم تحت خط الفقر ويواجهون نسبة بطالة عالية جدا تصل إلى نحو 50 %.
من المرجح أن حماس ترغب في التخلي عن عبء الحكم في القطاع، وإنما من دون التخلي عن أسلحتها. ويبدو أن السلطة الفلسطينية، بقيادة خصوم حماس الرئيسيين، لا تريد الاضطلاع بهذه الوظيفة. كما لا تريدها إسرائيل ولا مصر، الدولتان المجاورتان اللتان تفرضان قيوداً مشددة على حركة الأشخاص والبضائع من وإلى المنطقة، وتستشهدان بمقتضيات أمنية مثل منع تهريب المزيد من الأسلحة إلى غزة.
كانت التوترات تتصاعد على مدى الأشهر الثلاثة الماضية منذ أن بدأت حماس في تنظيم احتجاجات حاشدة –وعنيفة في كثير من الأحيان- على طول السياج الذي يقسم إسرائيل عن غزة. وقد قتل القناصة الإسرائيليون أكثر من 140 فلسطينياً معظمهم غير مسلحين، وفقا لمسؤولين صحيين في غزة، في حين يقول الجيش إنه كان يتصرف لمنع حدوث اختراقات في الجدار ولصد الهجمات التي يشنها مسلحون من غزة مثل ذلك الذي وقع يوم الجمعة.
وقد تحول هذا الاحتكاك إلى تصاعد في تبادل إطلاق قذائف الهاون والصواريخ الفلسطينية ضد المواقع العسكرية الإسرائيلية والمجتمعات الحدودية المدنية، وموجات من الضربات الجوية الإسرائيلية. وحاول كل جانب أن يناور لمحاولة استعادة توازن للردع ضد الجانب الآخر.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، أثناء زيارة إلى منطقة الحدود مع غزة يوم الجمعة: “لقد رأينا جميعا في الصحف بأنك لا تذهب إلى الحرب بسبب الطائرات الورقية والحرائق. نحن نعمل بمسؤولية وبضبط للنفس، على الرغم من أن المشكلة الحقيقية هي تآكل الردع، وتغيير في المعادلة، وبطبيعة الحال في الشعور بالأمن، وهو أمر لا يقل أهمية عن الأمن نفسه”.
قبل فترة وجيزة من سريان مفعول وقف إطلاق النار الأخير، أصر فوزي برهوم، المتحدث باسم حماس، على حق جماعته في مواصلة المقاومة، على حد تعبيره، “للدفاع عن شعب غزة”.
وقال: “إنه من واجب المقاومة الوطني أن تردع الاحتلال الإسرائيلي عن فرض قواعد الاشتباك الخاصة به على المدنيين الأبرياء”.
وقال غسان الخطيب، أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني في جامعة بيرزيت في الضفة الغربية: “أعتقد أن الفكرة التي يجب التقاطها هنا هي أن الوضع في غزة غير قابل للاستمرار. يجب أن ينفجر بطريقة أو بأخرى. حماس تحاول أن تدير الوضع بطرق مختلفة، بما في ذلك محاولة توجيه الغضب إلى الخارج”.
وهناك تعقيد آخر أيضاً، هو الجدل الدائر بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية وحماس ومصر ومجتمع المانحين الدوليين حول كيفية جلب مساعدات ضخمة ومشاريع إنمائية إلى غزة.
وتريد إسرائيل أن تمر جميع المساعدات من خلال السلطة الفلسطينية. وكانت السلطة تفرض، في هذه الأثناء، عقوباتها الخاصة على حماس ولا تبدو حريصة على تزويدها بشريان حياة. ويشعر المانحون بالقلق من تسليم المساعدات مباشرة إلى حماس، والتي يمكن أن تقوم بتحويلها لأغراض عسكرية.
في مقال نشر في صحيفة “الواشنطن بوست” يوم الخميس، قال كوشنر وجيسون غرينبلات وديفيد فريدمان -فريق إدارة ترامب الأرفع الذي يتعامل مع النزاع- أن الوضع بالنسبة للغزيين سيتحسن بشكل كبير إذا قامت حماس بتغيير مسارها بشكل جوهري.
وكتبوا في المقال: “إلى أن تتغير الحوكمة أو تعترف حماس بدولة إسرائيل وتلتزم بالاتفاقيات الدبلوماسية السابقة وتنبذ العنف، فإنه لا يوجد خيار جيد”.
ورفض سامي أبو زهري، وهو متحدث آخر باسم حماس، ما قاله الثلاثة باعتبار أنهم تبنوا الرواية الإسرائيلية، ووصف الإدارة الأميركية بأنها “سخيفة”.
كما أن إسرائيل، من جانبها، تفتقر إلى هدف استراتيجي واضح لغزة.
وقال غابي سيبوني، مدير برنامج الشؤون العسكرية والاستراتيجية في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب: “معضلة إسرائيل هي: ما الذي يمكن أن يحدث في غزة من دون حماس؟ إذا قامت إسرائيل بدفع نظام حماس إلى الانهيار، فما الذي سيحدث بعد ذلك؟ كل بديل سيكون فظيعا”.
ومع ذلك، هناك خيط آخر في “عقدة غورديان” الغزية، هو مصير رهينتين مدنيين إسرائيليين بالإضافة إلى رفات جنديين إسرائيليين، والذين يُعتقد بأن حماس تحتجزهم في الجيب. وتقول إسرائيل أنها لن تسمح بأي تنازلات إنسانية كبيرة لغزة ما لم تقم حماس بإعادة رفات جنودها وتحرير الرهائن.
وتقول حماس أنها لن تتخلى عن أوراق المساومة التي تملكها إلا في مقابل إطلاق أسرى فلسطينيين في السجون الإسرائيلية. وليس لدى الإسرائيليين شهية كبيرة لإجراء عملية تبادل كبيرة للسجناء، في ضوء استمرار الأعمال العدائية.
ويقول السيد سيبوني: “إن حماس تكافح من أجل تحقيق أهدافها، لكن أهدافها عالية جداً ولن تتمكن من تحقيقها أبداً. إنهم يريدون مراكمة أسلحتهم والسماح لهم بجلب ما يريدون إلى غزة. وهذا ضرب من الخيال”.

إيزابيل كيرشنر

الغد