لا يراود القلق الشارع الباكستاني وحده بشأن ما ستفرزه الحالة الضبابية للانتخابات “المصيرية” التي جرت الأربعاء بقدر ما تترقبه عواصم الدول الكبرى، خاصة حلفاء باكستان السابقين في واشنطن والحلفاء الحاليين في بكين.
وشهدت باكستان الأربعاء انتخابات عامة وُصفت بالمصيرية، وأفادت مؤشرات أولية بتقدم مهم لحزب الإنصاف بزعامة عمران خان، مما يشير إلى إمكانية أن يقود الحكومة المقبلة.
ويعود الموسم الانتخابي بعد سنوات خمس توطدت فيها العلاقات مع بكين، وتراجعت العلاقات مع واشنطن إلى أسوأ أحوالها، لتجد الأحزاب السياسية الكبيرة نفسها في وضع لا تحسد عليه.
فهذا نواز شريف زعيم حزب الرابطة الإسلامية، أكبر الأحزاب السياسية في باكستان، يقبع في السجن، هو ومن يُفترض أن تكون وريثته السياسية ابنته مريم نواز.
فقد حكم عليهما مطلع الشهر الجاري بالسجن مع الغرامة المالية جراء إدانتهما بالفساد وشراء عقارات فاخرة في لندن من مصادر غير مبررة، وعادا قبل أسبوعين تقريبا من موعد الانتخابات العامة وسلما نفسيهما للسلطات القضائية طوعيا.
أما عمران خان، زعيم حزب الإنصاف والمعارض الأبرز لعائلة شريف، فيطمع في أن يشكل الحكومة هذه المرة بنفسه دون التحالف مع أي حزب آخر.
فقد تلقى ضربة موجعة ليست أقل إيلاما مما تعرض له شريف، حين أصدرت طليقته السابقة رهام خان كتاب سيرتها الذاتية، والذي تتهم فيه زوجها، لا عب الكريكت السابق، بفضائح أخلاقية وتتهمه بتعاطي الكوكايين والمخدرات.
تغيير جذري
وقال الأكاديمي الناشط في حزب الإنصاف عبد الكريم شاه صالح إن السياسة الخارجية لباكستان ستتغير جذريا بعد أن يصل حزب الإنصاف إلى السلطة، رافضا فكرة أن التحالف الصيني الباكستاني كان قائما على أساس العلاقات الشخصية والتجارية لعائلة شريف مع الصين.
أما في ما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة، فقد أكد شاه أن الحزب لديه سياسة خارجية متبلورة تجاه الولايات المتحدة تقوم على أساس الندية، واصفا سياسة حكومة شريف السابقة بأنها كانت “غير ناضجة” وقائمة على أساس ردود الفعل.
”
بصرف النظر عن نتائج الانتخابات، فإن العلاقات الصينية الباكستانية علاقات إستراتيجية يستبعد أن تشهد تراجعا، في حين أن العلاقات مع الولايات المتحدة قد تخضع لمزاج الحكومة الجديدة
”
وقال شاه إن أبرز أولويات الحزب إنهاء الحرب الأميركية في أفغانستان، بما يضمن مصالح الشعب الأفغاني واستعادة المواطنين الباكستانيين المحتجزين في الولايات المتحدة، وعلى رأسهم العالمة الدكتورة عافية صديقي، ومنع التدخلات الأميركية في الأراضي الباكستانية وهجمات الطائرات المسيرة، واعتماد إستراتيجية استباقية ثابتة تحفظ مصالح البلاد.
أما الالتزام لدى الحزب بشأن الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، فهو ينطلق من المصلحة العليا للبلاد، ولكن يجب أن يتم على أساس التنافسية الشريفة والشفافية، “لا أن يتم بيع البلاد للصين بصفقات سرية”، على حد وصفه.
المتحدثة باسم حزب الشعب، السيناتورة سحر كامران أشارت بدورها إلى ضعف حزبها الذي تحول إلى حزب إقليمي محصور في ريف إقليم السند.
وقالت إنه في حال حصل الحزب على مقاعد تسمح له بتشكيل حكومة ائتلافية مع الأحزاب الصغيرة الأخرى فسيصيغ السياسة الخارجية، خاصة تجاه الولايات المتحدة، بالتشاور مع بقية القوى الوطنية والعسكرية والبرلمان.
وأضافت أن حزبها يولي أهمية كبيرة للسياسة الخارجية القائمة على المصالح المتوازنة، حيث إنه لا يسعى لاستعداء الولايات المتحدة، ويتطلع -في المقابل- لاستمرار التعاون مع الصين، ولن تكون علاقات باكستان بالصين على أساس المصالح الشخصية، في إشارة منها إلى حكومة نواز شريف.
سياسة صلبة
في الإطار نفسه، قال الصحفي مسعود أحمد علوي الناشط في مجلس العمل المتحد (الذي يضم أحزابا وجماعات دينية) إن المجلس يتخذ سياسة صلبة تجاه الولايات المتحدة “تدافع عن مقدرات المسلمين في باكستان وأفغانستان وبقية أنحاء العالم الإسلامي”.
وبصرف النظر عن نتائج الانتخابات، فإن العلاقات الصينية الباكستانية علاقات إستراتيجية يستبعد أن تشهد تراجعا.
أما العلاقات مع الولايات المتحدة فستخضع في ما يبدو للمزاج الجديد للحكومة المقبلة والظروف الدولية المحيطة.
المصدر : الجزيرة