شهدت طهران ومدن إيرانية أخرى تظاهرات أمس، احتجاجاً على انهيار الريال وتدهور الوضع المعيشي. في الوقت ذاته، شكّك معظم المسؤولين الإيرانيين بدعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى محادثات مباشرة مع نظيره الإيراني حسن روحاني، لكن قياديين دعوا إلى مناقشة الأمر على أعلى مستوى، فيما طالب نائب بارز بـ «خط ساخن» بين طهران وواشنطن لتجنّب «أزمة» بين الجانبين.
وواصل الريال هبوطه السريع في مقابل الدولار في السوق السوداء، علماً انه خسر 18 في المئة من قيمته خلال يومين، ونحو ثلثيها منذ مطلع السنة. تزامن ذلك مع نشر السلطات تعزيزات أمنية، ومع معلومات عن تطويقها البازار في طهران، لفضّ تجمعّات وتظاهرات في العاصمة ومدن أخرى، بينها أصفهان وكرج ورشت وشيراز وتبريز وزنجان.
وأفادت تسجيلات مصوّرة بُثت على مواقع للتواصل الاجتماعي بأن المتظاهرين يحتجون على انهيار الريال وارتفاع أسعار الأغذية والسلع الأساسية وانقطاع للتيار الكهربائي. وهتف متظاهرون في أصفهان «لا غزة ولا لبنان، حياتي فداء لإيران» و»الموت للديكتاتور» و»الموت للأسعار المرتفعة» و»الموت للبطالة» و»أيها الإصلاحيون والأصوليون، اللعبة انتهت». وفي كرج طالب محتجون برحيل قادة البلاد، وهتفوا «البطالة والتضخم يقتلان الشعب» و»العدو هنا، يكذبون حين يقولون إنه أميركا».
وفي محاولة لكبح النقمة الشعبية، حضّ قائد «الحرس الثوري» الإيراني الجنرال محمد علي جعفري، روحاني على ضبط الأسعار واتخاذ تدابير «ثورية» لوقف انهيار الريال، ومواجهة «خمول مديرين (حكوميين) وانعدام كفاءتهم».
في غضون ذلك، انشغل المسؤولون الإيرانيون أمس بالتعليق على إعلان ترامب استعداده للقاء روحاني «في أي وقت ومن دون شروط»، واستدرك: «أنهيتُ الاتفاق (النووي) مع إيران، كان سخيفاً. إذا استطعنا فعل شيء بنّاء، لا ورقة نفايات مثل الاتفاق (النووي)، فإنني بالتأكيد مستعد للاجتماع» مع الرئيس الإيراني.
لكن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو اشترط لعقد اللقاء «إظهار الإيرانيين انهم مستعدون لتغييرات جوهرية في طريقة معاملة شعبهم، وتغييرهم سلوكهم الخبيث وإقرارهم بأهمية (إبرام) اتفاق نووي يمنع حقاً الانتشار الذري». وشدد ناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي على أن «العقوبات ستُشَدد إذا لم يغيّر النظام مساره». وأعلن مسؤول بارز في الخارجية الأميركية أن «لا خطط» لعقد اجتماع بين بومبيو ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف، خلال منتدى لدول جنوب شرقي آسيا في سنغافورة الأسبوع المقبل.
في طهران لم يعلّق روحاني على تصريحات ترامب، معتبراً أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي (المُبرم عام 2015) «ليس قانونياً». ورأى أن «الكرة في ملعب أوروبا»، وزاد أن طهران «لم تسعَ إلى إثارة توترات في المنطقة ولا تريد أي مشكلة في الممرات المائية العالمية، لكنها لن تتخلّى بسهولة عن حقها في تصدير نفط».
ورأى وزير الداخلية الإيراني عبدالرضا رحماني فضلي أن واشنطن «ليست جديرة بالثقة»، فيما اشترط حميد أبوطالبي، وهو مستشار لروحاني، لعقد قمة مع ترامب أن تحترم الولايات المتحدة «الشعب الإيراني وتخفّض سلوكها العدائي وتعود إلى الاتفاق النووي».
أما علي مطهري، نائب رئيس مجلس الشورى (البرلمان) الإيراني، فشدد على أن «فكرة التفاوض لا يمكن تصوّرها، وستكون مذلة»، فيما اعتبر كمال خرازي، رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية في إيران، أن «لا قيمة» لعرض ترامب.
ورأى الناطق باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسي أن «العقوبات والضغوط هي النقيض التام للحوار»، وسأل: «كيف يمكن ترامب أن يثبت للشعب الإيراني أن تصريحاته تعكس نية جدية للتفاوض، وأنه لم يدلِ بها لتحقيق مكاسب شعبوية»؟
في المقابل، نبّه رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الدولية في البرلمان حشمت الله فلاحت بيشه إلى أن «المفاوضات مع الولايات المتحدة يجب ألا تكون من المحرمات»، وزاد: «يعلم ترامب أن ليست لديه القدرات الكافية لشنّ حرب على ايران، لكن انعدام الثقة تاريخياً أدى إلى تدمير العلاقات الديبلوماسية» بين طهران وواشنطن. وتابع أن طهران وواشنطن «قوتان رئيستان في المنطقة والعالم، وعليهما أن يحافظا على خط ساخن للاتصالات، يمنع تصاعد الأزمة بينهما».
ودعا علي أكبر ناطق نوري، وهو عضو في مجلس تشخيص مصلحة النظام، إلى «مناقشة» عرض ترامب في «المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني»، معتبراً أن الأمر قد يشكّل «اختباراً» بالنسبة إلى النظام.