خلال لقاء مع القناة العاشرة الإسرائيلية، أطلق السفير الروسي لدى دولة الاحتلال الإسرائيلي أناتولي فكتوروف سلسلة تصريحات بالغة الدلالة حول الموقف الروسي من الوجود العسكري الإيراني على الأراضي السورية، وحدود الضغط الذي يمكن أن تمارسه موسكو على طهران في هذا الصدد. وبذلك استكمل السفير إيضاح التفاهمات التي توصل إليها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ورئيس الأركان العامة الروسية فاليري غيراسيموف، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال اجتماعهما به مؤخراً في القدس المحتلة، وهي التفاهمات التي رُسمت خطوطها العريضة خلال لقاء نتنياهو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 11 تموز/ يوليو الماضي.
وكان الأبرز في تلك التصريحات تأكيد السفير فكتوروف على أن روسيا «تمنح الأولوية لضمان أمن إسرائيل، وهذه ليست كلمات جوفاء»، كذلك ألمح السفير إلى أنّ موسكو لن تتدخل للحيلولة دون شن المزيد من الغارات الإسرائيلية ضدّ أهداف إيرانية في العمق السوري، قائلاً بوضوح: «لا نستطيع أن نملي على إسرائيل كيفية التصرف، وليس من شأن روسيا أن تمنح إسرائيل حرية القيام بأي شيء أو منعها من القيام بأي شيء». وإذا كانت السياسة الروسية خلال عهد بوتين لم تخرج عن هذا المبدأ، الخاص بأمن إسرائيل أو السكوت عن غاراتها المتواصلة في سوريا، فإن تأكيدها على هذا النحو الصريح بلسان السفير الروسي ليس تطوراً عابراً.
وثمة أسباب كثيرة تدفع الكرملين إلى منح أمن إسرائيل هذه الأولوية، لعل أبرزها في المرحلة الراهنة أن موسكو تحرص على تفادي أي تشويش يمكن أن يلحق بمشروعها الشامل في سوريا جراء مواجهة عسكرية مفتوحة بين إيران ودولة الاحتلال. ورغم الإعلان بأن روسيا تعتبر الوجود العسكري الإيراني ضرورياً لدعم نظام بشار الأسد، فإن الكرملين لا يخالف دولة الاحتلال في المطالبة بتحجيم هذا الوجود أو ضبطه على الأقل. وبهذا المعنى يُفهم المقترح الروسي الذي عُرض على نتنياهو، وجرى تسريبه إلى الصحافة الإسرائيلية عن سابق قصد، حول إمكانية سحب الميليشيات الإيرانية إلى مسافة لا تقل عن 100 كيلومتر بعيداً عن خطوط الاحتلال الإسرائيلي في هضبة الجولان.
ولأن موسكو لا تعارض استمرار الغارات الإسرائيلية، خاصة تلك التي تستهدف قوافل شحن الأسلحة إلى «حزب الله» عبر الأراضي السورية، وطهران لا ترد بالمثل على تلك الغارات، وأي تجاوز من جانب النظام السوري سوف يلقى ردعاً مباشراً من جيش الاحتلال بدليل إسقاط مقاتلة من طراز سوخوي فوق الجولان المحتل قبل أيام، فإن هذا التوازن يخدم المطلب الإسرائيلي على أكمل وجه، مثلما يخدم موسكو، في إطار التوازنات الراهنة على الأرض.
وإلى جانب الحظوة الخاصة التي تتمتع بها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضمن النهج السياسي العام الذي يعتمده الكرملين في الشرق الأوسط، فإن نتنياهو شخصياً يتمتع بمكانة خاصة لدى بوتين باعتباره رئيس الوزراء الإسرائيلي الأكثر قدرة على التوفيق بين واشنطن وموسكو منذ تأسيس الكيان الصهيوني. ولا عجب إذن أن يشدد السفير فكتوروف على أن الموقف الروسي، في هذا الصدد، ليس كلمات جوفاء، بل هو واقع فعلي على الأرض.
القدس العربي