يدفع المتشددون وفي مقدمتهم الحرس الثوري في إيران باتجاه تحميل الرئيس حسن روحاني فشل سياسة الانفتاح على الغرب، واعتبار الأزمة الحالية التي تعيشها البلاد نتاج فشل خياره الإصلاحي، وذلك بهدف امتصاص غضب الشارع، ومنع تحوّل الاحتجاجات شبه اليومية إلى ثورة على نظام الحكم الذي جاء بعد ثورة الخميني في 1979.
وذكرت وسائل إعلام رسمية الأربعاء أن النواب الإيرانيين أمهلوا روحاني شهرا للمثول أمام البرلمان والإجابة على أسئلة تتعلق بتعامل حكومته مع المشكلات الاقتصادية التي تواجهها البلاد.
وهذه أول مرة يستدعي فيها البرلمان روحاني الذي يتعرض لضغوط من خصومه المحافظين لتغيير حكومته في ضوء تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة وتنامي مصاعب إيران الاقتصادية.
وقالت وكالة الطلبة شبه الرسمية للأنباء إن النواب يريدون استجواب روحاني في قضايا من بينها تراجع الريال الذي فقد أكثر من نصف قيمته منذ أبريل وضعف النمو الاقتصادي وارتفاع البطالة.
ويرى محللون سياسيون أن صعود روحاني كان الهدف منه مغازلة الغرب وإيهامه بأن إيران تتغير وتسير نحو الانفتاح في حين أن مؤسسات الدولة المختلفة، والقطاعات الحساسة وبينها الجيش والحرس الثوري والاقتصاد كلها بيد المرشد علي خامنئي ومساعديه من المحافظين المتشددين.
وأعطى المحافظون هامشا من المناورة لروحاني لإذابة الجليد مع واشنطن والدخول في مفاوضات برعاية سلطنة عمان في 2013 ما أفضى إلى توقيع الاتفاق النووي مع دول 5 + 1.
ومع تراجع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن استراتيجية الاحتواء التي اعتمدها سلفه باراك أوباما والتلويح بعقوبات مشددة خاصة على قطاع النفط في إيران، يتحرك المحافظون لتحميل روحاني مسؤولية فشل الانفتاح على الغرب وتحقيق اختراق في موقف الدول المعنية بالملف النووي.
ويتصدر المتشددون في الردّ على الولايات المتحدة بعد تهديدات قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بحرب طويلة في المنطقة.
وأخذ سليماني المبادرة من الرئيس روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف بالرد على تهديدات ترامب الأسبوع الماضي.
وطلب سليماني من ترامب عدم مخاطبة الرئيس الإيراني، حسن روحاني، وإنما توجيه الكلام له شخصيا، معتبرا أن ترامب ليس ندا لروحاني.
ويعتقد قائد فيلق القدس أن بإمكان ترامب بدء الحرب متى شاء، لكن من يحدد نهايتها ليس ترامب، وإنما إيران.
وأبدى الحرس الثوري أيضا معارضته لإجراء محادثات مع إدارة الرئيس ترامب.
وقال قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري في رسالة مفتوحة نشرت في وسائل إعلام محلية إن “الشعب الإيراني لا يسمح لمسؤوليه بلقاء الشيطان الأكبر.. سيد ترامب، إيران ليست كوريا الشمالية”.
وهددت إيران أيضا، على لسان القيادي في الحرس الثوري اللواء أمين رضائي، أرواح “أكثر من 50 ألف عسكري أميركي في مرمى نيران إيران”.
ويشير المحللون إلى أن التصعيد بين إيران والولايات المتحدة ليس فقط بسبب الاتفاق النووي، ولكن وبالأساس بسبب تهديد إيران لأمن الشرق الأوسط ومصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة عبر التدخل في شؤون دول الإقليم ودعمها ماليا وعسكريا لميليشيات في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهو خيار يقف وراءه التيار المحافظ وعلى رأسه المرشد في سياق “تصدير الثورة” الذي ورثه عن الخميني، ولا يقدر روحاني على التراجع عنه أو تعديله.
لكن قيادات في الجيش أو في الحرس الثوري الإيراني تدرك أن أي مواجهة عسكرية مفتوحة مع الولايات المتحدة لن تكون حربا تقليدية ذات أهداف محدودة، إذ ستستخدم واشنطن قدراتها غير التقليدية في تدمير برنامجي إيران النووي والصاروخي بعيد المدى.
وستكون لهذه الحرب انعكاسات على الاقتصاد الإيراني المتداعي وعلى وجود نظام الجمهورية الإسلامية بالكامل.
بالمقابل تدرك مراكز صنع القرار الأميركي خطورة الدخول في مواجهات مع إيران، إذ يمكنها توظيف ما لديها من قوى محلية حليفة في العراق وسوريا لتهديد القوات الأميركية والقوات الحليفة في البلدين.
وسواء بقي روحاني أو ذهب فإن تمسك إيران برعاية أذرعها في المنطقة وتسويق خطاب تصعيدي لن ينقذ البلاد من العقوبات الأميركية المشددة المقررة في جزئها الأول في السادس من أغسطس الجاري، والجزء الثاني والأهم في نوفمبر القادم. ولا تملك إيران من خيارات سوى تقديم تنازلات مؤلمة لإرضاء إدارة ترامب أو مجاراتها وربح الوقت، أو تبني خيار التصعيد، وهذه خيارات بيد المرشد والمؤسسات السياسية والعسكرية والأمنية التي يسيطر عليها المتشددون ويديرها فريق خامنئي بعيدا عن روحاني.
ويأتي استدعاء روحاني للمساءلة أمام البرلمان وسط تزايد الاستياء العام في الشارع لتبدو العملية وكأنها تضحية بالرئيس الإصلاحي وتقديمه كبش فداء لاستعادة الثقة بين السلطات المتشددة والجماهير. لكن المتابعين للشأن الإيراني يرون أن الأزمة أكبر من روحاني وأنها تمس النظام ككل، مشيرين إلى أن الشعارات التي تم رفعها خلال المظاهرات المختلفة لم تركز على روحاني وإنما استهدفت بالأساس اتهام “الثورة” بتبديد المال الإيراني في حروب خارجية لا مصلحة للبلاد فيها، وافتعال صدام مع الغرب لا تقدر طهران على تحمّل نتائجه، فضلا عن إشاعة أجواء من عدم الثقة مع المحيط الإقليمي.
وخرجت مظاهرات في إيران منذ بداية العام احتجاجا على ارتفاع الأسعار ونقص المياه وانقطاع الكهرباء ومزاعم الفساد. وتظاهر المئات، الثلاثاء، في مدن إيرانية مختلفة مثل إصفهان وكرج وشيراز والأهواز احتجاجا على ارتفاع التضخم لأسباب من بينها ضعف الريال.
ونسب التلفزيون الرسمي إلى علي لاريجاني رئيس البرلمان قوله إن روحاني أمامه شهر لحضور جلسة برلمانية والردّ على هذه القضايا. وألغى روحاني حديثا مع التلفزيون الرسمي، الأسبوع الماضي، في خطوة بدا أنها شجعت العديد من النواب على طلب استجوابه بشأن سجله الاقتصادي أمام البرلمان.
وتمكنت الحكومة في السنوات الماضية من إلغاء طلبات استجواب لروحاني في البرلمان عن طريق إقناع النواب بسحب طلباتهم. ولكن يبدو أن جهودها لم تفلح هذه المرة.
ورغم أن 80 نائبا رفعوا أسئلتهم لروحاني قال نائب الرئيس لشؤون البرلمان حسين علي أميري إن العملية “غير دستورية”. ونقلت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء عن أميري قوله “بعض النواب، الذين اقتنعوا بسحب أسئلتهم، شجعهم أعضاء آخرون بالبرلمان على إعادة تقديم الأسئلة”.
قال ترامب، الاثنين، إنه مستعد للقاء روحاني دون شروط مسبقة لمناقشة سبل تحسين العلاقات لكن مسؤولين وقادة عسكريين بارزين في إيران رفضوا العرض باعتباره “حلما” بلا قيمة.
وقال حسام الدين أشنا مستشار روحاني على تويتر مخاطبا واشنطن “أشعلتم حربا اقتصادية ضدنا بفرض عقوبات. أوقفوا هذه الحرب أولا ثم اطلبوا إجراء محادثات. دون شروط مسبقة تعني دون عقوبات”.
العرب