في أعقاب إلقاء القبض على أحد الدبلوماسيين الإيرانيين في ألمانيا في تموز/يوليو على خلفية ضلوعه في مؤامرة مزعومة لتفجير تجمّع للمعارضين الإيرانيين في باريس، دعا مسؤولون أمريكيون الحلفاء إلى توخي الحذر من مخطط إرهابي إيراني آخر يُحاك في مناطق أخرى. وفي الواقع، هناك سوابق كثيرة تدعو إلى هذا القلق. فطوال عقود، كانت طهران ترسل عملائها إلى أوروبا لتنفيذ عمليات اغتيال والقيام بأعمال إرهابية أخرى.
وعلى الرغم من أن الحدث كان يتمتع بكل المواصفات ليكون قصة تجسّس مشوّقة، إلا أنه لم يكن سوى قصةً خيالية. فقد اعتُقل دبلوماسي إيراني معتمد لدى سفارة طهران في العاصمة النمساوية فيينا، في ألمانيا واتُهم بالتآمر لارتكاب جريمة قتل وبالعمالة الأجنبية. وتشتبه السلطات في أنّ الدبلوماسي المدعو أسد الله أسدي قد كلّف زوجين إيرانيين يعيشان في بلجيكا بتنفيذ مخطط تفجير يستهدف تجمّعاً يضم حوالي ٤ آلاف معارض إيراني في “مركز فيلبينت للمؤتمرات” بالقرب من باريس، وأعطاهم ٥٠٠ جرام من من نوع “ترياسيتون تريبيروكسايد” أو TATP في لقاء في لوكسمبورج في أواخر حزيران/يونيو ٢٠١٨. وكان هدف العمل الإرهابي هو الاجتماع السنوي لـ”المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية” في باريس، الذي هو منظمة سياسية جامعة تضم “حركة مجاهدي خلق”، المعروفة أيضاً باسم “منظمة مجاهدي الشعب الإيراني”، وهي جماعة كانت مدرجة في قائمة التنظيمات الإرهابية الخاصة بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ومن بين الشخصيات المهمة التي حضرت الاجتماع في ٣٠ حزيران/يونيو، كان عمدة مدينة نيويورك السابق ومحامي الرئيس ترامب، رودولف جولياني، ورئيس مجلس النواب الأمريكي السابق نيوت غينغريتش، من ضمن شخصيات أخرى. وعندما تم توقيف الزوجين في اليوم نفسه في ضاحية وارفة الظل لمدينة بروكسل في بلجيكا، أفادت السلطات بأنها عثرت على متفجرات قوية وجهاز تفجير في سيارتهما وتم القبض عليهما “في الوقت المناسب”. وفي وقتٍ لاحق، تم اعتقال ثلاثة أشخاص في فرنسا، كما أن السلطات الألمانية وأخذت عملية اعتقال الأسدي وثلاثة آخرين في نقطة استراحة على أحد الطرقات السريعة على محمل الجد لدرجة أنها قطعت الطريق السريع طوال الفترة التي استغرقتها عملية الاعتقال.
ووفقاً للمدعين العامين في ألمانيا، لم يكن الأسدي دبلوماسياً عادياً، بل ضابطاً استخباراتياً إيرانياً يعمل تحت غطاء دبلوماسي. وفي إحدى البيانات، ربط المدّعون العامون الأسدي بـ “وزارة الاستخبارات والأمن الوطني” الإيرانية التي “تشمل مهامها بصورة أساسية المراقبة المكثفة ومكافحة جماعات المعارضة داخل إيران وخارجها”.
ويسلّط المسؤولون الأمريكيون الضوء على هذه القضية الأخيرة سعياً منهم إلى تعبئة الحلفاء للتصدي لدعم إيران للإرهاب حول العالم. وفي هذا الإطار، تحدّث أحد المسؤولين البارزين في وزارة الخارجية الأمريكية إلى بعض الصحفيين وهم في طريقهم من المملكة العربية السعودية إلى بلجيكا، وأوضح مخاوف واشنطن قائلاً:
“آخر مثال على ذلك هو المؤامرة التي أحبطتها بلجيكا، وكان هناك دبلوماسي إيراني معتمد لدى السفارة في النمسا الذي أدّى دوراً في المؤامرة لتفجير اجتماع لقادة المعارضة الإيرانية في باريس. إن الولايات المتحدة تحثّ كافة الدول على إجراء تحقيقات دقيقة حول الدبلوماسيين داخل السفارات الإيرانية لضمان أمن بلادهم. فإذا كانت إيران قادرةً على التخطيط لشنّ هجمات تفجيرية في باريس، فيمكنها أن تدبّر هجمات في أي مكان آخر في العالم. لذا نحثّ جميع الدول على توخي اليقظة فيما يتعلق باستخدام إيران للسفارات كغطاء دبلوماسي للتخطيط لهجمات إرهابية”.
وفي الواقع، هذا ليس سوى أحدث مثال على مدى نشاط عملاء المخابرات الإيرانية في أوروبا في الآونة الأخيرة. ففي حزيران/يونيو ٢٠١٨، أدى التحقيق الذي أجرته المخابرات الهولندية إلى طرد دبلوماسيَيْن إيرانيَيْن من هولندا كانا يعملان في مقر السفارة الإيرانية في أمستردام. وجاء ذلك بعد اغتيال ناشط عربي-إيراني رمياً بالرصاص في العاصمة الهولندية قبل ذلك بعدة أشهر. وفي آذار/مارس ٢٠١٨، ألقت السلطات الألبانية القبض على ناشطَيْن إيرانيَيْن بتهم تتعلق بالإرهاب، حيث زُعِم أنهما ضُبطا يراقبان موقع احتفالات رأس السنة الإيرانية (عيد النوروز) التي كانت على وشك الانطلاق. وفي كانون الثاني/يناير ٢٠١٨، وبعد أسابيع من المراقبة، داهمت السلطات الألمانية عدّة منازل مرتبطة بعملاء إيرانيين كانوا يقومون بجمع معلومات عن أهداف إسرائيلية ويهودية محتملة في ألمانيا، من بينها السفارة الإسرائيلية وروضة أطفال يهودية. وصدرت مذكرات توقيف بحق ١٠ عملاء إيرانيين، لكن لم يتم القبض على أي منهم. وقبل شهر من ذلك، قدّمت الحكومة الألمانية احتجاجاً رسمياً للسفير الإيراني بعد إدانة عميل إيراني بتهمة التجسس داخل ألمانيا. وفي هذا الشأن، قام العميل في عام ٢٠١٦ بمراقبة أهداف شملت رئيس “الجمعية الألمانية -الإسرائيلية”.
وفي قضايا أخرى، تم اعتقال دبلوماسيين إيرانيين متورطين في أعمال إرهابية أو في مراقبة أهداف محتملة للهجمات وتم ترحيلهم بهدوء. وفي نيسان/أبريل ٢٠١٣، على سبيل المثال، تم طرد ضابطَيْن في المخابرات الإيرانية من البلاد كانا معتمَديْن كدبلوماسيَيْن لدى البوسنة والهرسك بعد تورّطهما في عمليات تجسس و”صِلاتهما بالإرهاب”، وفقاً لمعلومات أعدّها “المركز الوطني لمكافحة الإرهاب”. وفي عام ٢٠١٢، عُثر على أربعة من عناصر «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني وهم يحاولون مهاجمة أهداف إسرائيلية داخل تركيا، وأُلقي القبض على شخص آخر في صوفيا، بلغاريا، حيث كان يراقب كنيس محلي. ووفقاً لتقييم مجتمع الاستخبارات الأمريكية الذي صدر عام ١٩٨٧، يشارك عدد كبير من المنظمات داخل الحكومة الإيرانية في الأعمال الإرهابية، ويبدو أن هذا هو الحال اليوم. ويقدم تقرير المخابرات لعام ١٩٨٧ بعض الأمثلة المحددة:
“يعمل القسم ٢١٠ التابع لوزارة الخارجية [الإيرانية] كمركز رئيسي لعمليات التنسيق مع ضباط المخابرات الإيرانية الذين يعملون في الخارج، وغالباً ما يُستخدم لتوجيه ضباط المخابرات حول العمليات الإرهابية. أمّا «الحرس الثوري»، الذي يشكّل الأداة الرئيسية للإرهاب الإيراني في لبنان، فيستخدم موارده الخاصة، بالإضافة إلى المنظمات الدبلوماسية والاستخباراتية، لدعم أعمال الإرهاب ورعايتها وتنفيذها”.
وبالتالي، فإن اعتقال الأسدي هو أحدث مثال مزعوم على الإرهاب الإيراني الذي ترعاه الدولة، والذي تستخدم فيه طهران مسؤولين حكوميين زائرين أو دبلوماسيين معتمدين للتخطيط لشن هجمات إرهابية. وفي هذا الإطار، تورّط دبلوماسيون إيرانيون بشكل كبير في تفجيرات عامي ١٩٩٢ و١٩٩٤ التي استهدفت السفارة الإسرائيلية ومركز “الجمعية التعاضدية اليهودية الأرجنتينية” (AMIA) على التوالي في بوينس آيرس. يشار إلى أنهم يمتلكون سجلاً حافلاً من هذا النوع من النشاط في شتى أنحاء أوروبا.
استعراض قائمة اغتيال المنشقين الإيرانيين
فور تأسيس الجمهورية الإسلامية، شرعت القيادة الإيرانية في حملة اغتيالات استهدفت أفراداً اعتبرت أنهم يعملون ضد مصالح النظام. فبين عامي ١٩٧٩ و١٩٩٤، أفادت “وكالة المخابرات المركزية” الأمريكية بأن إيران “قتلت إيرانيين هاربين معارضين ومنشقين في ألمانيا الغربية والمملكة المتحدة وسويسرا وتركيا”. وبشكل عام، تم استهداف أكثر من ٦٠ شخصاً في محاولات اغتيال. وفي العديد من الحالات، عمل أعضاء «حزب الله» كخبراء لوجستيين أو مسلحين في هذه المخططات.
ووقعت عملية الاغتيال الناجحة الأولى لمُعارض إيراني في أوروبا الغربية عام ١٩٨٤. ففي ٧ شباط/فبراير من ذلك العام، أصيب اللواء “غلام علي أويسي” وأخوه بطلقات نارية أودت بحياتهما في أحد شوارع باريس على يد “قتلة محترفين”، وفقاً للشرطة الفرنسية. وفي هذا الصدد، أفادت الشرطة بأن “رجلين أو ثلاثة تورطوا [في الحادثة]، وأن واحداً أو اثنين منهم أطلق النار على الضحيتين من مسدس عيار ٩ ملم بينما كانا يسيران في شارع دي باسي”. يُشار إلى أنّ أويسي، الحاكم العسكري السابق لطهران أثناء حكم الشاه وكان يُعرف بـ “جزّار طهران”، كان يتميز بالردّ على الاحتجاجات باستخدام الدبابات. وقبل وفاته بقليل، ادّعى أويسي أنه قام بجمع جيش صغير مناهض للثورة للسيطرة على إيران. وفي هذا السياق، اعترفت “منظمة الجهاد الإسلامي” التابعة لـ«حزب الله» و”المنظمة الثورية للتحرير والإصلاح” بأنهما أقدمتا على عملية القتل هذه. وفي اليوم الذي تلى الهجوم، وصفت الحكومة الإيرانية الحدث بأنه “إعدام ثوري”.
لقد نذرت عملية اغتيال أويسي ببدء مرحلة محفوفة بالمخاطر بالنسبة للمعارضين الإيرانيين في أوروبا. ففي ١٩ تموز/يوليو ١٩٨٧، على سبيل المثال، أصيب أمير بارفيز، عضو سابق في الحكومة الإيرانية ورئيس “الحركة الوطنية للمقاومة الإيرانية” (“نهضت مقاومت ملی ایران “) في بريطانيا، بكسر في الساق وبجروح وحروق عندما انفجرت سيارة مفخخة أثناء مروره أمام فندق “رويال كنسينغتون” في لندن. وبعد عدّة أشهر، في ٣ تشرين الأول/أكتوبر ١٩٨٧، تم العثور على جثة علي توكّلي وابنه نادر، وكلاهما من المنفيين الإيرانيين، مصابَين بطلق ناري في الرأس في شقتهما في لندن. وأعلنت جماعة غير معروفة آنذاك حملت اسم “حراس الثورة الإسلامية” مسؤوليتها عن العمليتين. وأفادت صحيفة “تايمز أوف لندن” في عددها الصادر في ٣ آذار/مارس ١٩٨٩ بأنه “يُعتقد بأن الجماعة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمتطرفي «حزب الله» في جنوب بيروت، ولكن جميع أعضائها المقيمين في لندن هم إيرانيون”.
وفي ١٣ تموز/يوليو ١٩٨٩، تم اغتيال الدكتور عبد الرحمن قاسملو، الأمين العام لـ”الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني”، وعبدالله قادری آذر ممثل “الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني” في أوروبا، وفاضل رسول، كردي عراقي يعمل كوسيط، في شقة في فيينا أثناء اجتماعهم مع وفد من الحكومة الإيرانية. وعلى الرغم من اضطرار قاسملو إلى التخفي والعمل بسرية بعد ثورة عام ١٩٧٩، تم إبلاغه و”الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني” بعد الحرب الإيرانية -العراقية بأن الحكومة الإيرانية مستعدة للتفاوض. وفي ٣٠ و٣١ كانون الأول/ديسمبر ١٩٨٨، التقى قاسملو بوفد إيراني برئاسة محمد جعفري السهروردي، رئيس قسم الشؤون الكردية بوزارة الاستخبارات الإيرانية. والتقى الاثنان بانتظام لغاية ١٣ تموز/يوليو من العام التالي، عندما عُقد اجتماع ضم كل من السهروردي وحاكم إقليم كردستان الايراني مصطفى أجودي، وعميل إيراني سري يُدعى أمير منصور بوزرجيان، والضحايا. وفي مرحلة ما خلال الاجتماع، اقترح رسول وقاسملو أخذ قسط من الراحة واستئناف المفاوضات في اليوم التالي. وبعد فترة وجيزة، سُمعت طلقات نارية، قُتل خلالها الأكراد الثلاثة وأصيب السهروردي بجروح. ووجد المحققون قبعة بيسبول زرقاء في حضن قاسملو، وهي العلامة نفسها التي تُركت في مسرح جريمة قتل كل من الطيار الإيراني أحمد مرادي طالبي في عام ١٩٨٧، وزعيم المقاومة كاظم رجوي في عام ١٩٩٠. وتم اعتقال بوزرجيان، بيد، أخلي سبيله فيما بعد وفرّ من البلاد إلى جانب عدد آخر من المشتبه بهم.
وبعد مرور شهر واحد فقط على عملية الاغتيال في فيينا، توفي في ٣ آب/أغسطس ١٩٨٩ أحد عناصر «حزب الله» يُدعى مصطفى محمود مازح عندما انفجرت عبوة ناسفة كان يعدّها، قبل أوانها، داخل “فندق بادينغتون” في لندن. وكان هدفه سلمان رشدي الذي أدّت روايته “آيات شيطانية” عام ١٩٨٨ إلى دفع آية الله الخميني إلى إصدار فتوى تبيح قتل الكاتب ومحرري الكتاب وناشريه، ووضع جائزةً ماليةً قدرها 2.5 مليون دولار لمن يقتله. [وفي هذا الصدد]، انضم المواطن اللبناني مازح، المولود في العاصمة الغينية كوناكري، إلى خلية محلية لـ«حزب الله» وهو في سن المراهقة. وعلى الرغم من أنه كان يخضع لمراقبة الأجهزة الأمنية، إلا أنه نجح في الحصول على جواز سفر فرنسي من أبيدجان في ساحل العاج من مسؤول اعتقلته السلطات الفرنسية في مدينة تولوز في وقت لاحق. وذهب مازح على ما يبدو إلى لبنان وبقي في قرية والديه قبل أن يسافر إلى لندن عبر هولندا.
وفي وقت لاحق، وفي حديث عن فتوى الخميني ضد الكاتب سلمان رشدي، قال زعيم في «حزب الله» إلى أحد المحاورين إن “أحد أعضاء «المقاومة الإسلامية» يدعى مصطفى مازح قد استشهد في لندن”. ووفقاً لـ “وكالة المخابرات المركزية”، تشير الهجمات التي استهدفت مترجمي الكتاب إلى اللغات الإيطالية والنرويجية واليابانية في تموز/يوليو ١٩٩١ إلى أنّ “إيران تحوّلت من مهاجمة المنظمات المرتبطة بالرواية – أي دور النشر والمكتبات – إلى الأفراد الذين شاركوا في نشرها، كما دعت إلى ذلك الفتوى الأصلية”. واليوم، لا يزال هناك ضريح مخصص لمازح في طهران، في مقبرة “بهشت زهرا” وعليه الكلمات المنقوشة: “أول شهيد يموت في مهمة لقتل سلمان رشدي”.
وبعد أقل من عام واحد على اغتيالات فيينا والمحاولة الفاشلة لقتل رشدي في لندن، تم اغتيال السفير الإيراني السابق لدى الأمم المتحدة وشقيق زعيم جماعة المعارضة الإيرانية “حركة مجاهدي خلق” كاظم رجوي. ففي ٢٤ نيسان/أبريل ١٩٩٠، أجبرت مركبتان على انحراف سيارته عن الطريق في مدينة كوبيه في سويسرا. وبعد ذلك، خرج رجلان مسلحان من إحدى المركبتين وفتحا النار. وكما حصل سابقاً، تُركت قبعة بيسبول زرقاء في مكان الحادث، مما أشار إلى الاستخدام الثالث للعلامة نفسها في موقع اغتيال يُشتبه بأنه عمل قامت به عناصر إيرانية.
ووفقاً لتقرير قاضي التحقيق السويسري، أشارت الأدلة إلى تورّط مباشر لهيئة إيرانية رسمية أو أكثر في جريمة القتل. وبشكل عام، كان هناك ١٣ مشتبهاً بهم – جميعهم كانوا قد سافروا إلى سويسرا مستخدمين جوازات سفر إيرانية رسمية. وأشار أحد التقارير إلى أن “جميع المشتبه بهم الذين بلغ عددهم ١٣ فرداً قد وصلوا إلى سويسرا باستخدامهم جوازات سفر حكومية جديدة، حيث تم إصدار العديد منها في طهران وفي التاريخ نفسه. كما وأدرج معظمهم العنوان الشخصي نفسه، كريم خان ٤٠، وقد تبيّن لاحقاً أنه مبنى تابع لوزارة الاستخبارات. ووصل جميع الـ ١٣ شخصاً المشتبه بهم على متن رحلات «الخطوط الجوية الإيرانية»، مستخدمين تذاكر صدرت في التاريخ نفسه وتحمل أرقاماً متسلسلة”. وفي هذا الصدد، صدرت مذكرات دولية بالقبض على الـ ١٣شخص المشتبه بهم في ١٥ حزيران/يونيو ١٩٩٠.
بيد، إن أي عملية اغتيال لم تهزّ الجالية الإيرانية أكثر من تلك التي ذهب ضحيتها رئيس الوزراء الإيراني السابق والأمين العام لـ”حركة المقاومة الوطنية الإيرانية” شابور بختيار. ففي ٦ آب/أغسطس ١٩٩١، قام عملاء إيرانيون بطعن بختيار ومعاونه حتى الموت في شقة بختيار في باريس. وقبل ذلك، في تموز/ يوليو ١٩٨٠، استُهدف بختيار في محاولة اغتيال أخرى قادها أنيس النقاش وأدّت إلى مقتل شرطي وجارة بختيار. وكان أحد أسباب قيام «حزب الله» بخطف مواطنين فرنسيين في لبنان هو ضمان إطلاق سراح أنيس النقاش الذي سُجن في فرنسا لقيامه بمحاولة القتل.
وفي مقابلة أجريت عام ١٩٩١، قال النقاش: “لم يكن لدي أي مشاعر شخصية ضد بختيار…كان الدافع سياسياً بحتاً. فقد كان قد حُكم عليه بالإعدام من قِبل «المحكمة الثورية الإيرانية». وأرسلوا خمسةّ منّا لإعدامه”. ومن جانبه، مارس «حزب الله» ضغوطاً كبيرة من أجل إطلاق سراح النقاش. وفي ٢٨ تموز/يوليو ١٩٩٠، حصل الحزب أخيراً على مبتغاه. وتم إطلاق سراح النقاش وترحيله إلى طهران في محاولة لتحسين العلاقات مع طهران بهدف إطلاق سراح الرهائن الفرنسيين المحتجزين في لبنان.
اغتيالات في مطعم “ميكونوس“
وقعت أكثر الاغتيالات جرأةً وعلنيةً التي نفذها «حزب الله» بناءً على طلب أسياده الإيرانيين في ١٧ أيلول/سبتمبر ١٩٩٢، عندما قام عملاء الحزب بإطلاق النار على الدكتور صادق شرفكندي، الأمين العام لـ”الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني” – أكبر حركة كردية إيرانية معارضة لطهران – وثلاثة من زملائه في مطعم “ميكونوس” في برلين. وشملت تلك العملية أيضاً دبلوماسيين إيرانيين.
ووفقاً للنتائج التي تم التوصّل إليها، خلُصت إحدى المحاكم في برلين إلى أنّه تم تنفيذ الهجوم على يد خلية تابعة لـ «حزب الله» بأمر من الحكومة الإيرانية. واعتبر رئيس المحكمة فريتيوف كوبش أنّ القضاة صُدموا بشكل خاص بتصريحات القادة الإيرانيين بأنّه بإمكانهم “إسكات الأصوات المزعجة” بأي طريقة تحلو لهم. ومن أجل تعزيز وجهة نظره، استشهد بمقابلة تلفزيونية أجراها وزير الاستخبارات الإيراني علي فلاحيان قبل شهر واحد من اعتداء “ميكونوس”، حيث تفاخر فلاحيان بأنّ إيران قد تشنّ “ضربات حاسمة” ضد معارضيها في الخارج. علاوةً على ذلك، اعترف فلاحيان في ٣٠ آب/أغسطس ١٩٩٢، خلال مقابلة مع أحد مراسلي التلفزيون الإيراني بأنّ إيران كانت تراقب المنشقين الإيرانيين داخل البلاد وخارجها، وقال: “إننا نتعقبهم خارج البلاد أيضاً. ونضعهم تحت المراقبة… وقد نجحنا العام الماضي في توجيه ضربات أساسية على كبار أعضائهم”.
وتم نقل جزء كبير من المعلومات المحيطة بمؤامرة “ميكونوس” من قبل منشق إيراني يدعى أبو القاسم مصباحي الذي ادعى أنّه عضو مؤسّس في “جهاز الأمن الإيراني”. ووفقاً لما قاله، صدر قرار تنفيذ الهجوم من قبل لجنة العمليات الخاصة، التي شملت الرئيس رفسنجاني ووزير المخابرات فلاحيان ووزير الخارجية علي أكبر ولايتي وممثلين عن جهاز الأمن، وعلى الأخص المرشد الأعلى علي خامنئي.
وفي ٧ أيلول/سبتمبر ١٩٩٢، وصلت “مجموعة الهجوم” التي نظّمها فلاحيان إلى برلين من إيران. وقد ترأّسها عبد الرحيم بني هاشمي (المعروف أيضاً باسم أبو شريف، عميل لدى وزارة الاستخبارات والأمن الذي حصل على تدريبه في لبنان)، الذي كان أحد المسلّحَين في الهجوم والمتورّط في اغتيال الطيّار الإيراني السابق لطائرة “أف ١٤” في جنيف في آب/أغسطس ١٩٨٧. أما رئيس الشؤون اللوجستية للعملية، فقد كان كاظم دارابي الذي هو أحد الأعضاء السابقين في «الحرس الثوري» و«حزب الله»، وكان يسكن في ألمانيا منذ عام ١٩٨٠ وينتمي إلى رابطة الطلاب الإيرانيين في أوروبا. ووفقاً للمدعين العامين الأرجنتينيين، فإنّ “«رابطة الطلاب المسلمين في أوروبا» والجمعيات التي كانت تابعة لها عملت بشكل وثيق مع الجماعات الإسلامية المتطرفة، ولا سيما «حزب الله» والجهات الحكومية الإيرانية مثل السفارة والقنصلية. وشكّلت «رابطة الطلاب المسلمين في أوروبا» المنظمة الرئيسية التي قامت المخابرات الإيرانية بتجنيد متعاونين منها للقيام بأنشطة دعائية واستخباراتية في إيران.”
وفي تصريح للمدعين العامين الألمان، أوضح أحد مجنّدي دارابي، عطا الله أياد، أنّ دارابي كان “رئيس «حزب الله» في برلين”. بالإضافة إلى ذلك، ستكون لدارابي أيضاً صلة بهجوم “مهرجان إيران الثقافي” في دوسلدورف عام ١٩٩١. فقبل المهرجان، أفادت التقارير بأنّ الاستخبارات الألمانية اعترضت مكالمةً هاتفيةً تلقى فيها دارابي تعليمات من قبل أحد الأشخاص في “المركز الثقافي الإيراني” في كولونيا كان على صلة وثيقة بوزارة الاستخبارات الإيرانية، لتجنيد بعض “الأصدقاء العرب” من برلين والتوجّه إلى دوسلدورف. وباستخدامهم المسدسات والغاز والبنادق والعصي، اعتدى دارابي وشركاؤه على أفراد من جماعة المعارضة الإيرانية “حركة مجاهدي خلق” الذين كانوا يعرضون كتب وصور في “المهرجان”. وأصيب العديد من أعضاء “مجاهدي خلق” بجروح خطيرة. ووفقاً لشهادات أدلى بها شهود عيان في وقت لاحق كان دارابي يقود الهجوم على ما يبدو.
وفي حين كان القلق يسود حول أنشطة دارابي في ألمانيا، حاول مسؤولون ألمان ترحيل دارابي في حزيران/يونيو ١٩٩٢. غير أنّ الحكومة الإيرانية تدخّلت وطلبت من ألمانيا السماح لدارابي بالبقاء في البلاد. أما المسلّح الثاني عباس رحيل، وأحد المتآمرين يوسف أمين، فوفقاً للمدّعين العامين الأرجنتينيين كانا هؤلاء “عضوين في «حزب الله»” وتلقّيا تدريباً في مركز «الحرس الثوري» الإيراني بالقرب من مدينة رشت في إيران. ووفقاً للمدعين العامين الألمان، عندما وصل “فريق الأغتيال” إلى برلين وانتقلت القيادة من دارابي إلى بني هاشمي، “تم استبعاد” اثنين من المتآمرين “عن المشاركة المباشرة في العملية”، لأنهما لم يكونا أعضاءً في «حزب الله».
وفي صباح ١٦ أيلول/سبتمبر ١٩٩٢، انطلقت مرحلة التنفيذ لهجوم “ميكونوس” عندما حصل رحيل وفرج الله حيدر، عضو آخر في «حزب الله» لبناني الأصل، على بندقية آلية من نوع “عوزي” ومسدس وكاتمَي صوت. ولم يتم تحديد مصدر هذه الأسلحة إطلاقاً، ولكن يُشتبه بأنّها مرتبطة بالمخابرات الإيرانية. وفي وقت لاحق، قام محققون ألمان بتعقّب كلّ من المسدس وكاتم الصوت إلى إيران. وفي صباح اليوم التالي، ١٧ أيلول/سبتمبر، اشترى رحيل وحيدر الحقائب التي سيستخدمونها لإخفاء الأسلحة أثناء دخولهما مطعم “ميكونوس”.
وفي ليلة ١٧ أيلول/سبتمبر ١٩٩٢، دخل بني هاشمي ورحيل إلى المطعم في الساعة ١٠:٥٠ مساءً، بينما انتظر أمين خارج المبنى لإغلاق الباب [ومنع الدخول منه]. أما حيدر وشخص إيراني يُعرف فقط باسم محمد، الذي كان قد كُلّف سابقاً بمراقبة الأهداف، فقد انتظرا على بُعد عدة مباني داخل سيارة الهروب. وقد تم شراء السيارة قبل ذلك بعدّة أيام من قِبَل علي دخيل صبرا الذي خدم مع أمين ورحيل في لبنان ثم جاء معهما إلى ألمانيا. وحين ظهر المستهدَفون، صرخ بني هاشمي بالفارسية “يا أبناء العاهرات” وقام بإطلاق النار. ثم تبع رحيل بني هاشمي إلى داخل المطعم وأطلق النار على شرفكندي وهومايون أردالان، ممثل “الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني” في ألمانيا. وأطلق القاتلان ٣٠ طلقة، ثم فرّا سيراً على الأقدام باتجاه سيارة الهروب.
وسرعان ما كشف تحقيق الشرطة عن تورط إيران في الهجوم. وفي ٢٢ أيلول/سبتمبر ١٩٩٢، تم اكتشاف الحقيبة التي احتوت على الأسلحة وكواتم الصوت، وكشفت الاختبارات وجود تشابه كبير بين هذه الأسلحة وتلك المستخدمة في اغتيال المنشقَيْن الإيرانيَيْن أكبر محمدي في هامبورغ في عام ١٩٨٧ وبهمان جوادي في قبرص في عام ١٩٨٩. كما طابقت الشرطة الرقم التسلسلي للمسدس الذي استخدمه رحيل مع شحنة سلّمها تاجر إسباني إلى الجيش الإيراني في عام ١٩٧٢. وتم اكتشاف بصمة راحة يد رحيل على أحد مخازن المسدس، كما تم التعرف على دم أحد الضحايا على المسدس نفسه، ووُجدت بصمات أمين على كيس تسوّق من البلاستيك داخل سيارة الهروب.
ووفقاً للمدعين العامين الألمان، “غادر عبد الرحيم بني هاشمي المدينة بالطائرة بعد الجريمة وذهب إلى إيران عبر تركيا. وهناك، تمت مكافأته على دوره في الهجوم بسيارة “مرسيدس ٢٣٠” ومن خلال إشراكه في معاملات تجارية مربحة”. أمّا الآخرون فلم يحالفهم الحظ مثله. فقد حُكم على دارابي ورحيل بالسجن مدى الحياة في ألمانيا في نيسان/أبريل ١٩٩٧، في حين حُكم على أمين ومحمد أتريس، وهو مزوّر وثائق قام بمساعدة المهاجمين، بالسجن لمدة ١١ سنة وحوالي خمس سنوات، على التوالي. وفي حين كان أمين وعتريس يقضيان مدة حكمهما الأقصر فترة، أُطلق سراح درابي ورحيل وعادا إلى إيران في كانون الأول/ديسمبر ٢٠٠٧. وذكرت المجلة الإخبارية “دير شبيغل” أنه تم إطلاق سراحهما مقابل سائح ألماني كان قد اعتُقل في إيران في تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٠٥. ويبدو أن ألمانيا لم تكن البلد الوحيد الذي سعى للحصول على ضمانات مقابل إطلاق سراح دارابي ورحيل. فقد كانت إسرائيل تأمل في المساومة على إفراج مبكر مقابل معلومات عن رون أراد، طيار إسرائيلي أُسقطت طائرته في لبنان عام ١٩٨٦.
وفي رأي المحكمة الجنائية العليا في ألمانيا، يشير الاغتيال السافر والعلني لأربعة من المعارضين الإيرانيين في مطعم “ميكونوس” إلى أن القيادة العليا في الجمهورية الإسلامية مسؤولة عن الإرهاب. ورفض حكم المحكمة الافتراض القائل بأن الهجوم نُفذ من قبل “عناصر فردية”، وخلصت إلى أن “الاغتيال [كان] قد خرج إلى حيز التنفيذ من خلال [جهود] بُذلت بصورة أكبر من قبل السلطات في إيران”. ومن خلال تحديد الرئيس رفسنجاني والمرشد الأعلى نفسه كطرفين مدبّرين لعملية الاغتيال، فقد وجد قرار الحكم أن “القوى الإيرانية لا تسمح بالهجمات الإرهابية في الخارج فحسب… بل تقوم بنفسها بمثل هذه الهجمات”. وتوصلت المحكمة إلى أنه عندما واجه نظام طهران معارضةً سياسية، تمثل حله بكل ببساطة بـ “تصفية” المعارضين.
مجابهة الإرهاب الإيراني
ورغم ذلك، لم يترجَم حكم المحكمة الألمانية في قضية هجوم “ميكونوس” إلى إجراءات دائمة وملموسة ضد إيران أو «حزب الله». وردّت إيران على وضع لوحة تذكارية لإحياء ذكرى ضحايا هجوم “ميكونوس” بعرض لوحة مماثلة قرب السفارة الألمانية في طهران، تدين ألمانيا لقيامها بإمداد الأسلحة الكيميائية لصدام حسين خلال الحرب الإيرانية-العراقية. وخوفاً من التداعيات الدبلوماسية، نأى السفير الألماني في إيران بحكومته عن اللوحة الأصلية التي تؤكد مسؤولية إيران عن هجوم “ميكونوس”. وفي حين سحبت دول أوروبية عديدة سفراءها من إيران بعد صدور قرار الحكم، استمرت هذه المقاطعة الدبلوماسية لبضعة أشهر فقط. وإلى جانب الإفراج عن الجناة دارابي ورحيل، لم يُحاسَب إطلاقاً أي من القادة الإيرانيين الذين تم تحديدهم في حكم المحكمة – أي رافسنجاني، فلاحيان، ولايتي أو خامنئي – على ضلوعهم في الهجوم.
وبالفعل، شارك العديد من هؤلاء المسؤولين – ولا سيّما ولايتي – في عدد من المؤامرات الإرهابية الدولية. وقد طالب المسؤولون الأرجنتينيون باعتقال ولايتي وتسليمه إليهم عدة مرات أثناء سفره حول العالم كمسؤول إيراني بارز. وتم تقديم آخر طلب إلى روسيا، حيث استضاف بوتين ولايتي في ١٢ تموز/يوليو ٢٠١٨، بعد يوم واحد فقط من إدانة الأسدي – الدبلوماسي الإيراني المعتقل – بشكل رسمي في ألمانيا. كما تم تجاهل طلبات مماثلة لإلقاء القبض عليه من حكومتَي سنغافورة وماليزيا. وعلى غرار تقييم السلطات الأمريكية منذ وقت طويل، فمن دون إجراءٍ دولي منسق، من غير المحتمل أن يتم ردع إيران عن تنفيذ مثل هذه العمليات ثانية في المستقبل. وفي أعقاب المؤامرات الإرهابية الإيرانية في الخارج في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، خلُص مجتمع الاستخبارات الأمريكية إلى أنه “على المدى الطويل، من المحتمل أن لا يتم ردع إيران عن الإرهاب إلا إذا أسفر الدليل على ذنبها إلى اتخاذ إجراءات صارمة وموحّدة من قبل المجتمع الدولي، من بينها الرغبة في فرض العقوبات. وقد يشمل ذلك قطع العلاقات أو استدعاء السفراء”. لكن حتى الآن، لم يحدث أي من ذلك.
واليوم، تتعاون وكالات إنفاذ القانون في جميع أنحاء العالم – لا سيما في أوروبا – بشكل أوثق للتعامل مع الأنشطة الإرهابية والإجرامية العالمية التي يقوم بها كل من إيران و«حزب الله». فعلى سبيل المثال، اجتمعت “مجموعة تنسيق إنفاذ القانون” (LECG) بقيادة الولايات المتحدة ستّ مرات في مواقع مختلفة حول العالم لمعالجة أنشطة «حزب الله» الإرهابية والإجرامية في جميع أنحاء العالم. أمّا آخر اجتماع لها، فعقدته الولايات المتحدة ومنظمة “اليوروبول” في كيتو، عاصمة الإكوادور، تحت رعاية منظمة “الأميريبول” (دوائر الشرطة في الأمريكتين). كما ستلتقي “مجموعة تنسيق إنفاذ القانون” ثانية في أوروبا في أواخر عام ٢٠١٨، حيث ستجتمع أكثر من ٣٠ حكومة – جنباً إلى جنب مع مسؤولين من منظمتَي “اليوروبول” و”الإنتربول” – لمقارنة الملاحظات حول أنشطة «حزب الله» في ولاياتهم القضائية المترامية الأطراف، ولوضع استراتيجية حول أفضل السبل للتعاون لمواجهة العمليات الإرهابية والإجرامية التي يقوم بها «حزب الله».
ونتيجة تورط إيران المباشر في هذا المخطط الأخير – وفي ضوء فهم طبيعة الأحداث والأنشطة التي قادتها إيران في أوروبا لفترة طويلة – من المرجح أن ينظر مسؤولو “مجموعة تنسيق إنفاذ القانون” في توسيع نطاق تركيزهم ليشمل المجموعة الكاملة من العملاء والوكلاء الإيرانيين الذين أُرسلوا من قبل طهران لتنفيذ هجمات في الخارج، ومن بينهم الدبلوماسيين الإيرانيين والمرافق الدبلوماسية. وسيكون من المفيد القيام بذلك، ليس بسبب خطط إيران الهجومية فحسب، بل بسبب الدعم الذي تقدمه إيران مرةً تلو الأخرى لمؤامرات «حزب الله» أيضاً. فلنأخذ على سبيل المثال سلسلة التفجيرات التي وقعت في باريس عام ١٩٨٥ أو عملية اختطاف طائرة TWA في الرحلة رقم ٨٤٧، التي نفذها «حزب الله» بدعم لوجستي من عملاء إيرانيين، وفقاً لـ “المركز الوطني لمكافحة الإرهاب”.
يجب ألا يقتصر الرد الدولي على النشاط الإرهابي الدولي الإيراني على إجراءات إنفاذ القانون وحدها. فقد تكون الإجراءات التنظيمية مفيدةً أيضاً. ومن الجدير بالذكر أنه لم تتم دعوة الاتحاد الأوروبي لإدراج الجناح العسكري لـ «حزب الله» ضمن لائحة المنظمات الإرهابية فحسب، بل لشمل المنظمة برمتها، فضلاً عن فرض عقوبات مالية ودبلوماسية موسّعة. ينبغي على الدول الأوروبية أن تنظر في إدراج المزيد من المؤسسات الإيرانية والأفراد المتورطين في سلوك طهران غير المشروع، لكن عليها أيضاً أن تفكّر في العمل على عزل إيران دبلوماسياً طالما استمرت طهران في استغلال الامتيازات الدبلوماسية واستخدام ممثليها في الخارج لاغتيال الناس على أراض أجنبية.
وتحقيقاً لهذه الغاية، وفي أعقاب قضية الأسدي، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية جداول زمنية وخرائط تصوّر حوادث مختارة من الأنشطة التنفيذية التي ترعاها إيران في أوروبا منذ عام ١٩٧٩ ولغاية عام ٢٠١٨، من بينها الحادثان اللذان ضلع بهما «حزب الله»، وكيل إيران، وتلك التي نُفّذت من قبل العملاء الإيرانيين أنفسهم. ومن المهم إدراك مدى انتشار العمليات الإيرانية في أوروبا على مر السنين، وليس كنوع من التمارين الأكاديمية فقط. وفي حين تتعمق السلطات في النمسا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا في قضية الأسدي، فمن المرجح أن تجد في وقت معقول، كما فعل المحققون دوماً في المؤامرات الإيرانية السابقة، أن هذه ليست أعمالاً مارقة، بل تصرفات نظام مارق.
ماثيو ليفيت
معهد واشنطن