بغداد – نجح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في إخماد “تمرد سياسي”، حركته إيران، كاد يفكك كتلته النيابية المكونة من 42 عضوا، في وقت تلقى رسالة دعم أميركية عبر المتحدث باسم التحالف الدولي بتأكيده على أن القوات الأميركية ستبقى في العراق “طالما اقتضت الحاجة” للمساعدة في تحقيق الاستقرار في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم داعش.
وقال الكولونيل شون رايان في مؤتمر صحافي بأبوظبي “سنبقي القوات في العراق طالما رأينا أن هناك حاجة لذلك.. وبعد هزيمة داعش عسكريا فإن السبب الرئيسي هو جهود تحقيق الاستقرار وستظل هناك حاجة للبقاء لهذا السبب. لذلك فهذا أحد الأسباب التي ستجعلنا نبقى”.
ويراهن العبادي على دعم أميركي لا محدود للبقاء في منصبه لولاية ثانية، وهو ما بدأت معظم الأطراف العراقية في إدراكه، وفقا لقيادات سياسية بارزة تحدثت إلى “العرب”.
واستقبل العبادي في بغداد بريت مغورك، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي، الذي قام عقب اللقاء، رفقة السفير الأميركي في العراق دوغلاس سيليمان، بجولة بين قيادات مؤثرة في كتلة النصر، بينها حزب الفضيلة، لضمان ولائها للعبادي.
ويعتمد ائتلاف النصر بزعامة العبادي، على هذه الرسائل الأميركية المستمرة بالضغط على إيران، التي تؤكد دعم الولايات المتحدة بقاء العبادي لولاية أخرى في منصبه، وهو ما يعد ورقة تفاوضية كبيرة حاليا، بالنظر للنفوذ الكبير الذي تملكه واشنطن في بغداد على مستويات السياسة والأمن والاقتصاد.
وتدفع إيران باتجاه تجميع الكتل والأحزاب الشيعية المدعومة من قبلها لتشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان لاستبعاد العبادي والاستحواذ على منصب رئيس الوزراء.
وكشفت مصادر سياسية لـ”العرب”، أن “العبادي طرد مستشار الأمن الوطني السابق فالح الفياض، الذي يشغل منصب رئيس هيئة الحشد الشعبي، من كتلة النصر التي يتزعمها، بعدما حاول إقناع عدد من أعضائها الالتحاق بائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه نوري المالكي”.
وحاول الفياض الضغط على العبادي لتعديل موقف العراق المعلن بشأن التزامه بعدم التعامل بالدولار الأميركي مع إيران، استجابة للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على طهران.
وتقول المصادر إن “خلاف العبادي والفياض، تفجر بشكل علني خلال الأيام القليلة الماضية، مصحوبا بأنباء عن انشقاق 28 من أعضاء كتلة النصر، وتوجههم نحو الانخراط في ائتلاف المالكي”.
وحضر الفياض اجتماعات في منزل هادي العامري، زعيم قائمة الفتح المدعومة من إيران شارك فيها المالكي، للتباحث بشأن اختيار رئيس وزراء جديد خلفا للعبادي. كما زار الفياض المالكي في مكتبه، ولم ينف معلومات تسربت بشأن دعمه ترشيح زعيم ائتلاف دولة القانون لمنصب رئيس الوزراء خلفا للعبادي.
وراهن الفياض على مواقف عدد من أطراف كتلة النصر، بينها المؤتمر الوطني الذي يقوده آراس حبيب، الذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع قائد فيلق القدس قاسم سليماني، وحزب الفضيلة، المحسوب على الخط الإيراني في العراق.
وقال المالكي عقب لقاء مع مغورك إن “القوى الوطنية اقتربت كثيرا من مسألة تشكيل الكتلة الأكبر خصوصا بعد المصادقة على نتائج الانتخابات من قبل المحكمة الاتحادية”.
وقال علي العلاق، وهو قيادي بارز في ائتلاف العبادي، إن الساحة السياسية الشيعية أفرزت، عقب الانتخابات العامة التي جرت في مايو، محورين متقابلين؛ يضم الأول العامري والمالكي ويضم الثاني مقتدى الصدر وعمار الحكيم.
ويقر العلاق بأن كتلة النصر ما زالت في موقف وسط بين المحورين، وتتباحث للتقريب بينهما. ويلمح العلاق إلى إمكانية اجتذاب بعض أطراف كتلة الفتح، ولا سيما منظمة بدر بزعامة هادي العامري، التي يقال إن قيادتها السياسية تخوض جدلا حادا بشأن السبيل السياسي الذي تسلكه، وجدوى الالتزام بالخط الإيراني إلى النهاية.
ويلمح قياديون في كتلة الحكمة، التي يقودها عمار الحكيم، إلى اقترابهم مع الكتلة المدعومة من الصدر وتحالف العبادي، إلى إمكانية الإعلان قريبا عن تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر، التي تتولى تسمية رئيس وأعضاء الحكومة الجديدة.
ويمكن أن تلتحق بهذا الثالوث الشيعي، معظم القوى الكردية الفائزة في الانتخابات، فضلا عن عدم ممانعة غالبية الأطراف السنية العمل مع هذا الخط.
وتترقب الأوساط الصحافية العراقية اجتماعا رفيعا من المنتظر أن ينعقد، وربما يحضره العبادي والصدر والحكيم في بغداد.
وتقوم معادلة الحكومة الجديدة في العراق على محاولة الجمع بين المصالح الأميركية والإيرانية، أو عدم إغضاب أي من الطرفين قدر الإمكان.
ووفقا لمراقبين، فإن العبادي يتمتع بأفضل المزايا حاليا لتحقيق هذه المعادلة.
وتقول مصادر سياسية في بغداد إن العبادي يحاول أن يرسل إلى الإيرانيين رسائل تتعلق بقدرته على حماية مصالحهم في العراق، من دون الحاجة إلى صدام مع الولايات المتحدة.
ويقول مراقبون إن إيران ربما لن تجد بديلا ملائما للعبادي في المرحلة المقبلة، التي قد تشهد المزيد من التوتر في علاقاتها بالولايات المتحدة.
ويرى هؤلاء أن إيران قد تقتنع بأن مصلحتها تكمن في ضمان قدر مقبول من الاستقرار السياسي في العراق، الذي يمكن أن يمثل لها رئة اقتصادية نادرة، عندما تخنقها العقوبات الأميركية، فيما ينذر الركون إلى اتباع استراتيجيات تصعيدية في العراق من قبل إيران، بإمكانية خسارتها منفذا حيويا على مناطق نفوذها، ولا سيما سوريا.
ويتداول ساسيون في بغداد تقديرات تتعلق بإمكانية لجوء الولايات المتحدة إلى فرض سياسة متشددة على العراق، في حال تحدى عقوباتها المفروضة على إيران.
مراقبون: إيران ربما لن تجد بديلا ملائما للعبادي في المرحلة المقبلة، التي قد تشهد المزيد من التوتر في علاقاتها بالولايات المتحدة
ويقول هؤلاء إنه بدلا من ذلك، يمكن للعراق أن يلعب دورا محوريا في تخفيف الضغط الاقتصادي على إيران، بتنفيذ بضع مناورات، لا تثير غضب الأميركيين.
ويتفق هؤلاء حول قدرة العبادي على تنفيذ هذا النوع من المناورات خلال المرحلة المقبلة، إذا ما حصل على دعم إيراني لبقائه في منصبه خلال الأعوام الأربعة القادمة.
واعتبر مراقب سياسي عراقي أن العبادي أخطأ حين لم يحسم موقفه بشأن مسألة التحالفات معتمدا على رهانه على أن يلعب دورا ترجيحيا في نهاية الأمر، وهو ما دفع بكتلته إلى أن تتعرض للتصدع وسط تسارع الأنباء عن إمكانية عزله بعد أن دخلت إيران على الخط المناوئ لرغبته في البقاء لولاية ثانية، وهي الرغبة التي قوبلت بالرفض من قبل جميع الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات.
وقال المراقب في تصريح لـ”العرب” إن “ما يشفع للعبادي أنه استطاع برغم شخصيته المترددة أن يواجه إيران والموالين لها على الساحة العراقية بموقف متوازن في ما يتعلق بالعقوبات الأميركية المفروضة على إيران. ذلك الموقف وإن كان فيه شيء من المحاباة لإيران فإنه لم يغضب الولايات المتحدة، بل على العكس تماما”.
وأضاف “هذا هيأ للعبادي الشعور بأن فرصته في ولاية ثانية لم تفت بعد وأنه في نهاية المطاف قد يكون الرجل الذي في إمكانه أن ينجو بالعراق من مطحنة الصراع الإيراني ــ الأميركي، من خلال لعب دور مناسب لكلا الطرفين. وهو ما يحتاجه الطرفان اللذان لا يميلان إلى الصدام بالرغم من التصعيد الإعلامي”.
وبالرغم من أنه لم يدخل في صراع مكشوف مع زعيم حزبه نوري المالكي فإن العبادي سيكون مضطرا في الأيام المقبلة إلى حسم موقفه من خلال التحالف مع مقتدى الصدر، الذي بعكس كل التوقعات لا يفضل الذهاب إلى المعارضة، لأنه يعرف أنها لن تجديه نفعا.
وقال المراقب العراقي لـ”العرب”، “في تلك الحالة سيكون على العبادي أن يتخلى عن مطلبه في ولاية ثانية، بشرط أن يضمن بقاءه في الساحة السياسية لاعبا أساسيا. وهو ما يمكن أن يحرج المالكي وأنصاره ممن راهنوا على بقاء العبادي وحيدا”.
العرب