في مؤشر إلى توافق روسي – تركي على خطة مشتركة لإنهاء ملف إدلب السورية في أسرع وقت، اجتمع وزراء الخارجية والدفاع الروس والأتراك ورئيسا الاستخبارات من البلدين، مع الرئيس فلاديمير بوتين الذي أشاد بنتائج التعاون الثنائي المكثف في حل القضية السورية. وفي حين بدا الجانب الروسي أكثر تفهماً للموقف التركي من أجل حل موضوع إدلب «المعقد» و»تجنيب المدنيين الخطر عند التخلص من الإرهابيين»، وفق وزير الخارجية سيرغي لافروف، قالت وزارة الدفاع الروسية أنها عرضت على الجانب التركي اقتراحات محددة لتسوية الأوضاع في إدلب. وتزامناً مع الاجتماع، أعلنت «الجبهة الوطنية للتحرير» المدعومة تركياً، النفير العام، مشددة في بيان على أن «الدفاع عن الأرض والعرض» هو الخيار الوحيد لفصائل المنطقة في ظل التحركات والتصريحات الداخلية والخارجية. في الوقت ذاته، أكدت باريس أنها لا تنوي إعادة الاتصالات المباشرة مع دمشق.
ورجحت أوساط مطلعة في موسكو لـ «الحياة» أن الخطة المتوافق عليها بين أنقرة وموسكو «تتضمن تجنيب إدلب معركة واسعة، وتقديم بعض التنازلات (التركية) للنظام والروس، مع التركيز على معالجة قضية التنظيمات الإرهابية على أكثر من مستوى، سياسياً وعسكرياً، عبر تنسيق مشترك بين الجيشين وأجهزة الاستخبارات».
وبحث وزيرا الخارجية الروسي والتركي مولود جاويش أوغلو الموضوع السوري بالتفصيل، وبالتزامن كانت إدلب حاضرة بتفصيلاتها العسكرية على طاولة وزيري الدفاع الروسي سيرغي شويغو والتركي خلوصي آكار، وحضر اللقاء وهو الثاني في أسبوع رئيسا الاستخبارات في البلدين.
وقال بوتين أثناء استقبال المسؤولين الروس والأتراك: «بفضل جهود دولتينا مع إشراك دول معنية أخرى، بما فيها إيران ودول أوروبية والولايات المتحدة، إضافة إلى تعاوننا مع الأمم المتحدة، نجحنا في المضي قدماً في شكل ملموس في تسوية الأزمة السورية».
وأكد جاويش أوغلو خلال مؤتمر صحافي مع لافروف أن «تحييد المجموعات الإرهابية المتطرفة في إدلب يشكل أهمية كبيرة بالنسبة إلى تركيا وروسيا والمنطقة برمتها، وأنه يجب ألا تشكل هذه المجموعات تهديداً على تركيا والوجود الروسي في سورية»، مشدداً على أن من المهم «تبديد قلق روسيا، وعدم تهديد قواعدها العسكرية في سورية». لكن الوزير التركي حذر من أن العمل العسكري سيسبب «كارثة»، و «الهجوم على محافظة إدلب برمتها من أجل القضاء على المجموعات الإرهابية المتطرفة يعني التسبب في مقتل ملايين الناس ونزوح حوالى 3 ملايين سوري، بالتالي حدوث كارثة إنسانية مجدداً». وخلص إلى أن «علينا العمل سوياً من أجل تبديد القلق وحماية الاستقرار في المنطقة بدلاً من شن الهجوم على إدلب». من جهة أخرى، أشار لافروف إلى صعوبة الوضع في إدلب وتعقيده، مشدداً على ضرورة تجنيب المدنيين الخطر لدى تطهير إدلب من الإرهابيين، وضرورة فصلهم عن المعارضة المعتدلة.
وتزامناً مع دعوة المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي مستورا ممثلي البلدان الضامنة لاتفاق آستانة، إلى اجتماع في جنيف للبحث في اللجنة الدستورية والانتهاء من هذا الملف قبل الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية الشهر المقبل، أكد الجانبان الروسي والتركي عدم وجود خلافات بينهما على القوائم التي سلمت إلى المبعوث الأممي، وأن قادة ضامني آستانة سيعقدون اجتماعهم الثالث قي طهران في موعد قال لافروف أنه سيعلن قريباً.
وذكرت أوساط روسية متابعة المحادثات الروسية – التركية لحل «عقدة إدلب» في اتصال أجرته معها «الحياة»، أن «الحل يجب أن يتضمن إنهاء موضوع جبهة النصرة… وتجنب خسائر كبيرة في الأرواح، أو حركة نزوح كبيرة تعطل المخطط الروسي لعودة اللاجئين، مع تقديم تنازلات بعضها مادي وآخر معنوي للحكومة السورية».
على صلة، أكدت باريس أن عودة الاتصالات المباشرة مع نظام بشار الأسد غير واردة. وأوضح مسؤول في الرئاسة الفرنسية رداً على سؤال لـ «الحياة»، إن كان تعيين السفير فرنسوا سينيمو مبعوثاً خاصاً للرئيس إيمانويل ماكرون حول سورية، يعني أن باريس عازمة على إعادة العلاقة مع النظام السوري، قائلاً أن سينيمو مكلف متابعة التطورات السياسية المرتبطة بمجمل الملف السوري، والتنسيق مع الشركاء في ما تقوم به فرنسا من أعمال لمكافحة المجموعة الإرهابية، والمساعدات الإنسانية، ومكافحة استخدام الأسلحة الكيماوية، ومتابعة الأعمال لإطلاق المسار السياسي الذي تتمنى فرنسا أن ينطلق في أسرع وقت، مشدداً على أن إعادة الاتصالات المباشرة مع النظام السوري غير مطروحة.
وأشار إلى تأجيل عقد قمة حول سورية تضم المستشارة الألمانية أنغيلا مركل وماكرون وبوتين، معتبراً أن من المبكر عقد هذا الاجتماع على مستوى الرؤساء. لكنه أضاف أن اجتماعاً سيعقد في إسطنبول الشهر المقبل بين المستشارين الديبلوماسيين للرؤساء لمناقشة الملف السوري والإعداد لقمة محتملة. وأضاف أن باريس تطلب ضمانات لكي يكون هذا الإطار مفيداً، تتمثل في اتفاق على جدول أعمال مثل هذه القمة، موضحاً أن «باريس تركز على أن يكون هناك وقف للنار في سورية، كما أن هناك حالياً تهديداً خطيراً جداً في إدلب، حيث نريد تجنب هجوم عسكري وكارثة إنسانية». وتابع: «باريس وألمانيا تركزان على إحراز تقدم في شأن اللجنة الدستورية المستقبلية، وطالما ليس هناك اتفاق على ذلك، فلا جدوى في عقد قمة». وقال: «هناك موعد آخر مهم على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 25 أيلول (سبتمبر) حين يحضر الرئيس الفرنسي ويبحث مع الرؤساء التحركات المستقبلية لدفع المفاوضات السياسية».
وفي الشأن اللبناني، سألت «الحياة» المسؤول الفرنسي ما إذا كان ماكرون سيرسل السفير بيير دوكين، المسوؤل عن برنامج سيدر، إلى بيروت مع رسالة منه لتنبيه اللبنانيين إلى ضرورة تشكيل الحكومة، فأجاب أن «الرئيس الفرنسي يطالب، كما الأسرة الدولية، بأن يسفر مؤتمر سيدر الذي نظمه في نيسان (أبريل)، عن نتائج جيدة مع برامج استثمارية مرتبطة بإصلاحات، وطالما ليست هناك حكومة في لبنان، فكل ذلك معلق». لكنه أردف: «ليس مطروحاً أن ينقل دوكين مثل هذه الرسالة لأن لدى فرنسا سفارة في لبنان لديها اتصالات، وتعطي الرسائل الودية بهذا المعنى، وتمارس الضغوط الودية لدفع ذلك».