خريطة جديدة ومستقبل مجهول ينتظر العراق بعد السقوط المدوي لأكبر محافظاته، والذي جاءت نتائجه بعد فترة ليست بالقليلة ضمن القياسات التعبوية والميدانية التي كان يخطط لها تنظيم الدولة الاسلامية في العراق، ولعل عامل الوقت كان معد له سلفا ليعيد الذكرى السنوية التي انتجت احتلال مدينة الموصل ثاني اكبر محافظة عراقية بيد هذا التنظيم .
لم يكن التخطيط والتوقيت مبهما ، بل جاء مدروسا وديناميكيا خصوصا بعد حالة الغلو التي اتبعتها المليشيات المدعومة من ايران في طريقة تعاملها مع اكبر شريحة مناطقية تنتمي الى ما يسمى بالجغرافية السنية وفق نظرية الفعل السيئ ورد الفعل الذي اعتبره المكون السني حالة واقعية لمستقبل يمكن ان يحفظ للمواطن السني بعضا من الكرامة على حساب سياسة القتل والتهميش والاذلال ليجعل قادم الايام اقل سوءا تيمناً بمقولة الفارس العربي عنترة بن شداد ” لا تسقني ماء الحياة بذلة .., بل فاسقني بالعز كأس الحنظل ” .
عندما يفقد الانسان القيم والمبادئ والرجولة معا ، يصبح كمن فقد القلب والعقل والبصر في آن واحد، وهذا هو حال الوضع القائم في العراق اليوم والتي تحكم بالحديد والنار ولجم الأفواه وحبس الأنفاس حفاظا على كرسي الحكم المقام فوق جماجم وجثث الابرياء والمحتمي بالأجنبي لحماية عرشه العنكبوتي ما اسهم بشكل مباشر في تدهور الوضع القائم نتيجة سوء ادارة نظام الحكم الذي اصبح اضعف حلقة في المعادلة العراقية،
فصدق فينا قول الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام : (( يوشك الأمم أن تداعى عليكم من كل أفق كما تداعى الأكلة الى قصعتها )) .
لم يكن التفريط بمدينة تكريت سهلاً بالنسبة للتنظيم ، بل جعلها نشوة تتلذذ بها مليشيات الحشد الشعبي وتتفاخر بها امام ضعف المؤسسة العسكرية ووهنها؛ لتكون المليشيات صاحبة الامر والنهي فيها ، بدليل ما حصل من انتهاكات وقتل وحرق وسلب امام الحكومة التي وجدت نفسها مجبرة بان تتشبه بطائر النعام لتضع راسها تحت الرمال ، على ان تواجه ما اسموه تحرير تكريت والحقيقة ان التنظيم لم يخسر مدينة تكريت بل جعلها طعماَ لصيد اثمن هو السيطرة على اكبر محافظة عراقية .
لقد اثبتت الاستراتيجية العسكرية العراقية انها غير مهنية وغير قادرة على مسك الأرض، والتعامل مع عدو يتميز بالمراوغة والمكر والدهاء، ولعل الخطأ الفادح الذي ارتكبته الحكومة انها خسرت الانبار؛ لاعتقادها ان تسليح عشائرها بالأسلحة المتوسطة والثقيلة سوف يهدد بقاءها ويجعل السلاح عرضه للاستحواذ من قبل تنظيم ” داعش ” ولكن الحقيقة المرة ان الحكومة ضحت بالأنبار وبقوات سوات التي تمتلك سلاحا واليات أمريكية متطورة تركتها غنيمة بيد التنظيم ناهيك عن الخسائر البشرية والمادية والمعنوية التي منيت بها القوات العسكرية .
ان خيبة الحكومة والبرلمان الذي صوت بشكل قسري على عدم تسليح العشائر من طرف التحالف الوطني فقط يضاف اليه نكسه أخرى وهي انهم لم يستطيعوا ان يطلقوا سراح السجناء والمعتقلين الأبرياء بقرار عفو عام شجاع ، من الممكن ان يسهم في طي صفحة سوداء ضمن حقبة حكم المالكي ، لكن تنظيم داعش استطاع ان يطلق
سراح جميع السجناء والمعتقلين وحتى من لديه سجل اجرامي دفعة واحدة ليحولهم الى مقاتلين موالين له بعد ان كانوا ضده .
هنيئا لحكومة العبادي على هذه الاضحية التي سبقت العيد وهنيئا للبرلمان الذي صوت بعدم تسليح عشائر الانبار وهنيئا للحشد الشعبي الذي نال موافقة مجلس محافظة الانبار وبعض شيوخها ، بعد ان كان هذا المطلب مرفوضا في ذلك الوقت وهنيئا للرادود قحطان البديري الذي كان يقول: ( دخلناها بفخر تكريت والعوجة ، بحر ثارات فاض وطفح موجه … بعد شمرة عصا وندخل الفلوجة )
ليبقى السؤال الممزوج بالألم ، من هو الخاسر ومن هو الرابح في استمرار إراقة الدم العراقي الطهور ؟؟؟!!!.
إسماعيل الجنابي
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية