البعد الأمني والعسكري الوجه الآخر للعلاقات الأمريكية التركية

البعد الأمني والعسكري الوجه الآخر للعلاقات الأمريكية التركية

تمر العلاقات الأميركية التركية هذه الأيام مرحلة مشوبة بالتوتر، لم نشهد مثلها منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002، وصلت إلى مستوى فرض عقوبات اقتصادية متبادلة بين الدولتين. ولعل هناك عدة  عوامل ساهمت في ذلك،  ثمة أسباب رئيسية لتوتر العلاقات الأمريكية- التركية منذ إدارة الرئيس السابق أوباما، والتي استمرت خلال الإدارة الحالية رغم إبدائها رغبة في تحسينها بعد سنوات من التدهور، كان آخرها أزمة توقف سفارتي الدولتين عن إصدار التأشيرات، التي بدت كاشفة عن عمق توتر العلاقات. التي  وتتعدد أسباب هذا التوتر فى:

الدعم الأمريكي لأكراد سوريا: كانت تركيا تتوقع مع تغيير الإدارة الأمريكية في العشرين من يناير الماضي أن تتراجع إدارة ترامب عن سياسة الإدارة السابقة لتسليح ودعم ميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية المتحالفة، حسب الرؤية التركية، مع حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة والولايات المتحدة على أنه منظمة إرهابية. بالإضافة إلى رفض الأولي مشاركة قوات سوريا الديمقراطية في تحرير مدينة الرقة السورية من قبضة تنظيم داعش. وبالفعل، نجحت تلك القوات في تحرير المدينة في 17 أكتوبر الجاري من قبضة التنظيم، والسيطرة الكاملة على المدينة، بعد أربع عشرة معركة ضد “داعش”.
وأثار استمرار دعم إدارة ترامب لأكراد سوريا الذي تسبب في توتر العلاقات خلال إدارة أوباما غضب أنقرة لكونها ترى أن واشنطن لم تراع المخاوف التركية من أن دعم القوات الكردية وتسليحها يهددان أمنها القومي، وقد يؤديان إلى إقامة حكم ذاتي لهم في الشمال السوري، بمحاذاة الحدود التركية. وتقول أنقرة إن الأسلحة التي تدعم بها الولايات المتحدة وحدات حماية الشعب يستخدمها حزب العمال الكردستاني ضدها.
احتجاز تركيا لمواطنين أمريكيين: تشير الولايات المتحدة إلى أن النظام التركي قبض على عشرة أمريكيين، وبعض الأتراك الذين يعملون في الممثليات الدبلوماسية الأمريكية في تركيا، على خلفية اتهامهم بالعلاقة بالداعية التركي، فتح الله كولن، والذي تزعم أنقرة أنه العقل المدبر للانقلاب الفاشل فى منتصف يوليو من العام الماضى، فضلا عن أن السلطات التركية تمنع نظيرتها الأمريكية من التواصل القانوني مع المواطنين الأمريكيين المحتجزين. وقد يستخدم أردوغان المعتقلين الأمريكيين، كورقة لمساومة الولايات المتحدة لتسليمه كولن. لكن واشنطن ترفض تسليمه لأن تركيا لم تقدم لها القرائن على وقوفه خلف الانقلاب الفاشل.
تداعيات الانقلاب الفاشل: يتهم أردوغان الولايات المتحدة بالتورط في الانقلاب العسكري الفاشل ضد حكمه، رغم النفي الأمريكي المتكرر لتلك المزاعم. وتأتي تلك الاتهامات مع ارتفع نسبة عداء المواطنين الأتراك للولايات المتحدة، حيث تظهر نتائج استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث، وظهرت نتائجه في أغسطس الماضي أن 72٪ من الأتراك ينظرون لواشنطن على أنها تمثل تهديداً أمنياً لدولتهم أكبر من الذي تمثله كل من روسيا والصين. أضف إلى ذلك اعتقال الحكومة التركية القس الأمريكي اندرسون بعد فشل الانقلاب حيث تتهمه الحكومة التركية بالاتصال مع حزب العمال الكردستناني وجماعة جولن.
السياسات التركية المخالفة لرؤية أعضاء حلف شمال الأطلنطي (حلف الناتو): برغم أن الجيش التركي يعد الأكبر من حيث قواته البرية في الحلف بعد الولايات المتحدة، فإن أنقرة بدأت في الآونة الأخيرة في التغريد خارج الإجماع الأوروبي-الأمريكي، بتوطيد علاقاتها مع روسيا وإيران، ودعم التدخل العسكري الروسي في سوريا، الذي لا يلقي قبولاً من القوي الغربية، بالإضافة إلى شراء نظام دفاع جوي روسي “إس 400″، يتنافى مع البنية التحتية الدفاعية للحلف. ناهيك عن سياسات أردوغان المناهضة لقيم الحلف التي تقوم على الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، والدفاع المشترك، الأمر الذي يثير كثيرا من الشكوك حول التزام أنقرة بالحلف.
عدم التزام تركيا في العقوبات الأمريكية على إيران: انتهكت تركيا العقوبات التي يفرضها المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة على طهران بسبب برنامجها النووي بتصدير كميات كبيرة من الذهب إلى إيران، مقابل النفط والغاز الطبيعي، حيث يوجه الإدعاء الفيدرالي الأمريكي إلى مسئولين سابقين مقربين من الرئيس رجب طيب أردوغان تهمة التآمر مع رضا زراب، تاجر الذهب التركي الإيراني الذي قبضت عليه السلطات الأمريكية، في 22 مايو 2016، للتهرب من العقوبات المفروضة على إيران. وعلى الرغم من قضايا التوتر بين الدولتين إلا أن العلاقات الأمنية والعسكرية بين الدولتين لم تتأثر في تلك الأزمة ذات البعد الاقتصادي والدبلوماسي.
الموقف التركي من إسرائيل: نظرًا للعلاقة الفريدة في العلاقات الدولية التي تجمع إسرائيل بالولايات المتحدة الأمريكية، فأنه من غير المقبول التعرض لإسرائيل من قبل أي دولة في الشرق الأوسط وخاصة إذا كانت مسلمة. فقد وصف رجب طيب اردوغان حينما كان رئيسًا  لمجلس الوزراء التركي  عام 2009 للرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز خلال مؤتمر دافوس عندما وصفه بقاتل الأطفال، مرورا بأزمة سفينة مافي مرمرة وما تبعها من سحب للسفراء وتعليق للتعاون العسكري بين البلدين بين عامي 2010 و2013 ووصولا إلى الأزمة الحالية التي نتجت عن قتل الجنود الإسرائيليين للمتظاهرين الفلسطينيين على حدود قطاع غزة والتي أدت إلى طرد السفير الإسرائيلي من أنقرة بطريقة وصفت بالمذلة. ويبدو أن وصف الرئيس التركي مؤخرا لإسرائيل -على إثر اعتماد الكنيست لقانون يهودية الدولة- بأنها “الدولة الأكثر عنصرية وفاشية في العالم”، ورد نتنياهو عليه بأن تركيا تدخل في عهد أردوغان عصر الدكتاتورية المظلمة لهو دليل ذو قيمة على المستوى المتأزم جدا للعلاقات بينهما.
وعلى الرغم من الازمة الاقتصادية والدبلوماسة في العلاقات الأمريكية التركية، فقد يبدو لغاية الآن بأن العلاقات العسكرية والأمنية بينهما في العراق وسوريا لم تتأثر سلبًا في تلك الأزمة.

 فقد نشر موقع “ميدل إيست آي” في لندن تقريرا حصريا، يكشف فيه عن استمرار العلاقات الأمنية والعسكرية بين الولايات المتحدة وتركيا، رغم الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت بسبب استمرار احتجاز القس الأمريكي أندرو برونسون. ويشير التقرير، الذي ترجمته “عربي21″، إلى أنه في الوقت الذي هدد فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تركيا بالعقوبات، فإن الجيش الأمريكي قدم معلومات أستخباراتية ساعدت على استهداف أحد كبار قادة الأكراد العسكريين.ويجد الموقع أن الغارة الجوية هي دليل على استمرار التعاون العسكري، الذي امتد من العراق إلى سوريا، رغم الأزمة التي اشتعلت بسبب التغريدة التي كتبها دونالد ترامب، التي هدد فيها الاقتصاد الأوروبي. ويكشف التقرير عن أن إسماعيل أوزدين قتل في 15 آب/ أغسطس، بعد قيام الطيران التركي بغارتين جويتين ضد وحدات المقاومة في سنجار، وهي جماعة تابعة لحزب العمال الكردستاني، الذي تعده كل من تركيا والولايات المتحدة جماعة إرهابية، مشيرا إلى أن ذلك جاء بعد أن قدم الأمريكيون المعلومات لتركيا، فتم قصف سيارة كان يستقلها أوزدين في منطقة شمال العراق قرب الحدود مع سوريا.

وينقل الموقع عن دبلوماسي تأكيده الدعم الأمريكي لتركيا، حيث لم تنف البنتاغون روايته، وقال المتحدث باسم البنتاغون إريك باهون: “ندعم جهود تركيا في مواجهة (بي كي كي)، ونعترف بالتهديد الحقيقي الذي يمثله حزب العمال الكردستاني على أمن تركيا”. أخبر أربعة دبلوماسيين أتراك موقع “ميدل إيست آي” أن التعاون الأمريكي التركي يمتد من منبج السورية إلى سنجار العراق إلى الحدود العراقية التركية الجديدة، رغم ما يدور من أزمة بين البلدين فيما يتعلق بالقس أندرو برونسون، وقال واحد من الدبلوماسيين: “البنتاغون هي الوزارة التي تهتم بمظاهر القلق التركية، وسنبقي على تعاوننا معهم على الأرض”، فيما أكدت وزارة الدفاع الأمريكية يوم الاثنين أن التعاون العسكري بين البلدين يظل قويا رغم الأزمة الحالية، ويقول مدير الإعلام في البنتاغون العقيد روب مانينغ، قوله: “لا يوجد أي انقطاع في العلاقة مع تركيا”.

وبحسب التقرير، فإن المسؤولين من البلدين أكدوا أن المشروع الذي سيتقدم إلى الأمام هو الدوريات المشتركة في منبج شمال سوريا، التي تبعد 25 كيلومترا عن الحدود التركية السورية، حيث كانت منبج مصدرا للتوتر بين البلدين منذ عام 2016، عندما دخلت قوات سوريا الديمقراطية بقيادة وحدات حماية الشعب البلدة، وسيطرت عليها بدعم من الجيش الأمريكي، مشيرا إلى أن تركيا تتعامل مع وحدات حماية الشعب على أنها امتداد لـ”بي كي كي”، التي تشن حربا عمرها أكثر من 30 عاما على الأرض التركية، فيما تنظر واشنطن لهذه الوحدات على أنها حليف في القتال ضد تنظيم الدولة.ويقول الموقع إن أنقرة وواشنطن توصلتا أثناء زيارة وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو في بداية حزيران/ يونيو لاتفاق، تقوم من خلاله قوات حماية الشعب بالانسحاب من منبج، وتحل محلها دوريات مشتركة تركية وأمريكية للحفاظ على الأمن والاستقرار في المدينة، وقال وزير الدفاع جيمس ماتيس يوم الخميس إن “المحرك جاهز والضباط موجودون وستبدأ قريبا”.

ويورد التقرير نقلا عن القائم بأعمال مسؤول ملف الشرق الأوسط في الخارجية، والمرشح المحتمل لتولي منصب السفير في أنقرة ديفيد ساترفيلد، قوله إن الأزمة بين تركيا والولايات المتحدة لم تؤثر على اتفاق منبج، وأضاف أن “ما اتفقت عليه الأطراف من خريطة طريق في منبج كان جيدا ومشجعا”. ويذكر الموقع أن واحدا من الدبلوماسيين الذين تحدث معهم ردد ما قاله كل من ماتيس وساترفيلد، بأن الصفقة ربما تتقدم ببطء، لكن حتى لو أنها كانت تأخذ أكثر من المتوقع فإن الدوريات المشتركة ستبدأ قريبا، لافتا إلى أنه خلال زيارة قام بها وفد تركي إلى واشنطن بداية هذا الشهر، تحدث عن مبنج بصفتها مثالا على التعاون، في محاولة لحل الأزمة الدبلوماسية الناتجة من اعتقال برونسون. وينقل التقرير عن الدبلوماسي التركي، قوله: “حتى لو كانت تسير ببطء فإن منبج هي مثال على الطريقة التي يمكن أن نعمل فيها معا.. لهذا السبب فإننا قمنا بوضعها على الطاولة عندما كنا في واشنطن، وقلنا لهم لماذا لا تقبلوا صفقة أخرى للعمل معا في موضوع برونسون؟”.

ويلفت الموقع إلى أن الزيارة انتهت دون أي حل، حيث تجاهلت الولايات المتحدة طلبين من تركيا لمبادلة برونسون، مؤكدا أنه “مهما يكن فإن التعاون في موضوع منبج سيمضي كما هو متوقع”.ويقول التقرير إن “منبج ليست الموضوع الوحيد الذي يتم فيه التعاون بين البلدين، بل هناك جبال قنديل في سنجار شمال العراق، فبعد الدعم الأمريكي في عملية سنجار الأسبوع الماضي، فإن تركيا تتوقع الآن من الولايات المتحدة أن تشاركها المعلومات حول جبال قنديل في شمال العراق، حيث تتمركز قوات (بي كي كي)”. ويفيد الموقع بأن الولايات المتحدة وعدت في لقاء تم بين ماتيس ونظيره التركي نورالدين كانكلي في بروكسل، بالتشارك في العمليات الاستخباراتية مع تركيا؛ لدعم عملياتها ضد “بي كي كي” في العراق، مستدركا بأن الدبلوماسيين الأربعة أكدوا محدودية التعاون مع البنتاغون، فلم تنسحب قوات حماية الشعب بعد من منبج، ولا يزال الأكراد يسيطرون على ربع سوريا بدعم أمريكي، أما في سنجار فإن الدعم الأمريكي لتركيا ضد وحدات المقاومة لأنها تستخدم جبال سنجار من أجل نقل الأسلحة والذخيرة لوحدات حماية الشعب. وينقل التقرير عن الدبلوماسيين، قولهم إن أمريكا تعاونت مع تركيا لملاحقة قادة كبار في “بي كي كي” لكنها كانت مترددة في أمور أخرى، مشيرا إلى أن الحشد الشعبي المدعوم من إيران يعمل في شمال العراق، لذلك يفضل الأمريكيون سيطرة وحدات المقاومة في سنجار على المنطقة، بدلا من جماعات موالية لإيران.

وينقل الموقع عن دبلوماسي من الأربعة، وهو متخصص بالعراق، قوله إن أنقرة تعمل على خطة كبيرة لتنظيف المنطقة من وحدات المقاومة في سنجار، وأضاف: “نعلم أن معظمهم من اليزيديين في وحدات المقاومة في سنجار، وبعد خروج تنظيم الدولة منها يشعر هؤلاء اليزيديون بأنهم بحاجة لوحدات المقاومة في سنجار لحمايتهم”، وتابع قائلا: “نحاول العمل والبحث عن الفروق بين اليزيديين ووحدات المقاومة في سنجار، وإنهاء اعتمادهم على هذه الجماعة”. وينوه التقرير إلى أن السبب الرئيسي وراء الجهود التركية هو المعبر الحدودي في قرية أوفاكوي بين الحدود التركية والسورية والعراقية، مشيرا إلى أن المعبر الوحيد يقع في الخابور شرق أوكافوي، وتسيطر عليه حكومة إقليم كردستان، فيما لا يوجد معبر بين تركيا والعراق تسيطر عليه حكومة بغداد.ويستدرك الموقع بأن المعبر الجديد سيكون مباشرا بين تركيا والعراق، ويشمل طريقا سريعا يبدأ من بغداد ويتجنب مناطق الأكراد، لافتا إلى أن تركيا والعراق تناقشان إمكانية فتح المعبر، حيث عبرت أنقرة عن استعدادها لبناء الطريق وإصلاح الأجزاء التي دمرها داعش. ويورد التقرير نقلا عن الدبلوماسي، قوله: “هناك الكثير من الجماعات الإرهابية في جنوب البوابة المخطط لها، وهو ما سيخلق مناخا من الفوضى، وهو مكان مناسب لتحرك الإرهابيين بحرية”، وأضاف: “إن الولايات المتحدة تستخدم هذه الحرية لتجاوز الحدود، ونقل السلاح إلى وحدات حماية الشعب، لكن علينا أن ننظف المنطقة من الجماعات الإرهابية لتأمين الطريق من بغداد إلى البوابة الجديدة”.

ويشير الموقع إلى أن تركيا بدأت محادثات مع واشنطن حول المعبر، وهي تعلم أن الإدارة لا تعارض مبدئيا هذا المشروع؛ لأنه سيزيد من حجم التبادل التجاري بين بغداد وأنقرة، ويقلل من اعتماد العراق على إيران، منوها إلى أن العراق لديه في الوقت الحالي 10 معابر مع إيران، حيث يتم التبادل مع الجارة في الشرق. وينقل التقرير عن دبلوماسي، قوله إن إيران ليست سعيدة بالمعبر؛ لأنها تخشى من خسارة التأثير في العراق، وأضاف :”لدى إيران 10 معابر مع العراق، ولدينا معبر واحد، ولا تسيطر عليه حكومة بغداد”.وتابع الدبلوماسي قائلا للموقع: “نريد زيادة حجم التجارة مع العراق، وهذا سيؤدي إلى نقل نفط كركوك عبر ميناء شيهان التركي.. لو نجحنا فإن العراق لن يعتمد على إيران لتصدير النفط، ولهذا السبب تدعم أمريكا المشروع”.  ويختم “ميدل إيست آي” تقريره بالإشارة إلى أن الوعود بدعم المشروع ليست كافية، حيث تتطلع أنقرة لوقف أمريكا دعمها لوحدات المقاومة في سنجار.

بيد أن هذا التوتر في العلاقات قد لا يستمر طويلاً، نظراً لحاجة تركيا والولايات المتحدة إلى بعضهما بعضا، حيث لا ترغب واشنطن في التضحية بأنقرة كحليف مؤثر في المنطقة، وهو ما تكشفه الزيارات المتكررة لمسئولين بالإدارة الحالية لتركيا، وعلى رأسهم نائب الرئيس ووزير الدفاع، ولقاء الرئيسيين التركي والأمريكي مرتين خلال تسعة أشهر. وفي الوقت ذاته، فلا تفضل أنقرة الابتعاد على القوى الغربية وواشنطن، لأن تحالفها مع روسيا وإيران مؤقتاً تفرضه التطورات المتسارعة في الشرق الأوسط، ولا يتوقع أن يستمر ذلك التوتر، في ظل اختلاف رؤية أنقرة لدورها الإقليمي مع طهران، وعدم تضحية تركيا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وعضوية حلف الناتو، مقابل علاقات آنية مع روسيا.

لذا  نعتقد بأن المصالح المشتركة بين البلدين والحاجة الاستراتيجية لكل منهما للأخر أكبر من أن توصلهما لنقطة اللاعودة. لكن لا بد من الإشارة والتأكيد إلى أن العلاقات التركية مع الغرب عموما ومع الولايات المتحدة خصوصا تشهد مرحلة عسيرة من إعادة الهيكلة نظرا لاضمحلال الأسس التي قامت عليها كما ذكرناها أعلاه. فالولايات المتحدة ليس لديها رفاهية فك الارتباط مع تركيا القوية وتركها لترتمي في أحضان قوى أخرى كروسيا والصين، وخياراتها تجاه هذا البلد لا تتعدا الخيارين التاليين:

* أما إعادة تركية إلى حظيرة الطاعة كما كانت قبل العام 2002 من خلال استهداف الحكومة والحزب الذين أوصلا تركيا إلى هذه المكانة (محاولة الانقلاب الفاشلة مثلا).

* أو تمزيق تركيا نفسها وضرب اقتصادها واشغالها بنفسها وبصراعات جانبية تستنزف مواردها (دعم وتمويل حزب العمال الكردستاني في سوريا، التلاعب بالعملة، فرض عقوبات اقتصادية عليها الخ).

أما بالنسبة لتركيا، فهي الأخرى قد لا تحتمل التكلفة الباهظة الناتجة عن فك ارتباطها السياسي والاقتصادي والعسكري بالغرب وخاصة في ظل عدم وجود شريك دولي موثوق. لذلك فليس أمامها سوى الصبر الاستراتيجي مع التنبه والحذر لكل المخططات المرسومة والتي باتت تركيا حكومة وشعبا مدركة ومتيقظة لها. كما أن تركيا لديها العديد من أوراق القوة التي لا بد من أن تلعبها في مواجهة تحديات المرحلة، ولعل أهم هذه الأوراق هي إدراكها بأن فك الارتباط مع الغرب لن يكون مؤلما لها فقط بل للغرب أيضا (وعلى هذا الوتر تلعب تركيا على ورقة تقوية العلاقات مع روسيا وشراء أسلحة نوعية منها من مثل أس 400). كما أن تركيا اليوم ذات حجم اقتصادي كبير عالميا وذات تأثير سياسي عميق في معظم ملفات المنطقة التي يحتاج فيها الغرب بشدة إلى تعاون تركيا. أضف إلى ذلك موقعها الجيوسياسي المهم وثقلها العسكري المتميز كثاني أكبر جيش في الناتو. كل هذه العوامل تجعل من تركيا خصما عنيدا لا يمكن للغرب أن يقزمه أو يحجمه بسهولة.

وحدة الدراسات التركية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية