مع تزايد الحديث مؤخراً عن معركة إدلب التي تشير الاستعدادات الميدانية والحشود السورية والروسية إلى اقتراب موعدها، دخلت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على خطها لتسجيل موقف بدا أنه من النوع الذي لا يقدم ولا يؤخر في تقرير مصيرها المرجح حسب التوقعات بألا يختلف عما انتهت إليه الجولات الأخيرة من حلب إلى درعا مروراً بالغوطة.
ولعل مسارعة البيت الأبيض لتسليط الأضواء على الموضوع، ربما كانت تلافياً للإحراج، أو للتذكير بوجود أميركا كلاعب على الساحة السورية، يظهر في النهاية وكأنه قام بدور حال دون وقوع كوارث مفجعة في المواجهة الكبيرة القادمة، وإن من دون التأثير في نتائجها.
فما توقف عنده المسؤولون الأميركيون في الساعات الماضية، هو التحذير من احتمال استخدام السلاح الكيميائي الذي ذكرت تقارير أخيرة أن قوات النظام السوري “نقلت كميات منه” إلى تخوم منطقة إدلب.
وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، ورئيس هيئة الأركان، جوزف دانفورد، تحدثا عن هذا المحظور في اللقاء الصحافي في البنتاغون. وكذلك فعلت الناطقة الرسمية في وزارة الخارجية، هيذر نويرت. ويبقى تركيز الدفاع والخارجية على الكيميائي فقط وليس على العملية. كلاهما طالب موسكو بوجوب القيام بالمطلوب للحيلولة دون “لجوء دمشق” إلى الكيميائي في منطقة إدلب وأن الاتصالات جارية معها في هذا الخصوص.
ورغم أن كلاهما لوّح بردّ عسكري كما حصل في السابق، لو تكرر استعمال هذا السلاح. لكن “التصعيد” الميداني الخالي من الكيميائي في تلك المنطقة “يتعرض أصحابه” للمساءلة مع تحميلهم مسؤولية عملهم، كما قالت الخارجية، من دون الإشارة ولو بالتلميح إلى كيفية مساءلتهم.
ضبابية تعكس سياسة الإدارة الغامضة في سورية، والتي لم تحسم بعد أمر الخلافات حولها. من جهة يميل البيت الأبيض إلى الانسحاب الكامل من الملف السوري، ومن جهة أخرى يدفع البنتاغون ومعه قيادات في الكونغرس وفي أوساط نخب السياسة الخارجية، باتجاه الاحتفاظ بقوات أميركية في شرق سورية لموازنة الحضور الروسي في ساحتها.
لكنه وجود غير قادر على تحقيق التوازن، لأن لا أغراضه ولا كيفية ترجمتها محددة بصورة متماسكة، في حين يقابله حضور روسي يعرف تماماً ماذا يريد وكيف يحققه. وهذا واقع تدركه واشنطن وغير راغبة في مواجهته. ومن هنا كان تسليمها بنتائج الجولات العسكرية السورية التي حسمتها موسكو تباعاً لمصلحتها.
ولا يخرج موقفها عشية عملية إدلب، عن هذا الخط. كما تعرف أنه بعد إدلب ستدعو موسكو إلى الجلوس على طاولة التسوية السياسية. وإدارة ترامب بدأت تعد العدة لهذه المرحلة القادمة. وزير الخارجية، مايك بومبيو، اختار قبل أيام الدبلوماسي المخضرم، جيمس جيفري، الذي كان سفيراً في تركيا والعراق، ليكون مندوب الإدارة الخاص بشأن الملف السوري. وبالتحديد في المفاوضات القادمة حوله.
ترافق ذلك مع العودة خاصة في الخارجية، إلى التذكير بل التشديد على خيار جنيف وعلى أنه لا بديل عن الحل السياسي “لأن ليس هناك حل عسكري في سورية” كما جاء على لسان الناطقة في الخارجية. مقولة متداولة منذ جنيف الأولى أيام الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما. لكن المتغيرات التي فرضتها موسكو على الأرض مكّنتها من تجاوز جنيف واستبدالها بصيغة أستانة التي يستبعد المراقبون أن يتخلى عنها الكرملين بعد انتزاعه زمام المبادرة وتركيب طاولة حوار غابت عنها واشنطن، أو بالأحرى جرى تغييبها عنها.
وثمة من يرى أنه في المرحلة التي تلي تصفية المواقع العسكرية الكبيرة، إذا ما شملت إدلب؛ قد ينشأ وضع جديد من مصلحة موسكو تعزيزه بالتعاون مع واشنطن التي لا تقوى على شطبها من المعادلة. وربما كان تفاهم مسبق بين الاثنين على إدارة الوضع السوري مع التسليم بالدور القيادي فيه لموسكو.
فكتور شلهوب
العربي الجديد