رفع نظام الأسد، الذي شجعته المكاسب في الأراضي عبر كل سورية، احتمالات شن هجوم على إدلب. وبينما يتحدث إلى جانب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في موسكو يوم 30 آب (أغسطس)، قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم، إن النظام مستعد “لقطع كل الطريق” في إدلب. وقال وزير الخارجية الروسي: “من غير المقبول أن يستخدم هؤلاء الإرهابيون، وخاصة جبهة النصرة، منطقة خفض التصعيد في إدلب لمهاجمة الجيش السوري، ولياهجموا أيضاً بالطائرات المسيّرة قواعد الجيش الروسي في المنطقة”.
* * *
يبدو أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد، مدعوماً من روسياً، يستعد لشن هجوم رئيسي على إدلب، آخر معقل كبير للمتمردين، والذي يقع على طول الحدود السورية الشمالية الغربية مع تركيا.
وقد تضاعف عدد السكان في محافظة إدلب تقريباً، ليصل إلى نحو ثلاثة ملايين نسمة، بعد أن تم إجلاء عشرات الآلاف من السوريين العالقين في أجزاء أخرى من البلد الذي مزقته الحرب إلى هناك، وفق اتفاقيات وقف إطلاق النار المختلفة مع نظام الأسد. وسوف يؤدي هجوم كبير يشنه النظام على إدلب إلى التسبب بكارثة إنسانية أكبر؛ حيث لم تتبق الكثير من الأماكن الآمنة داخل سورية، والتي يمكن إجلاء المدنيين إليها.
وفيما يلي نظرة في العلامات التحذيرية التي تشير إلى هجوم وشيك:
موقف نظام الأسد
رفع نظام الأسد، الذي شجعته المكاسب في الأراضي عبر كل سورية، احتمالات شن هجوم على إدلب. وبينما يتحدث إلى جانب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في موسكو يوم 30 آب (أغسطس)، قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم أن النظام مستعد “لقطع كل الطريق” في إدلب.
الموقف الروسي
كما أشر الوزير الروسي لافروف أيضاً على هجوم شامل محتمل ضد إدلب. وقال وزير الخارجية الروسي: “من غير المقبول أن يستخدم هؤلاء الإرهابيون، وخاصة جبهة النصرة، منطقة خفض التصعيد في إدلب لمهاجمة الجيش السوري، ولياهجموا أيضاً بالطائرات المسيّرة قواعد الجيش الروسي في المنطقة”. وكان الوزير الروسي يشير إلى تنظيم “هيئة تحرير الشام”، وهو مجموعة إسلامية متشددة كانت مرتبطة في السابق بتنظيم القاعدة.
وأضاف لافروف أنه يجب القضاء على “الإرهابيين” الذين اتهمهم باستخدام المدنيين كدروع بشرية في إدلب. كما دعا الغرب أيضاً إلى عدم “إعاقة عملية تهدف إلى مكافحة الإرهاب”.
يقول فيصل عيتاني، الزميل الرفيع في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع لمجلس الأطلسي: “هيئة تحرير الشام، بما لديها من آلاف المقاتلين المجرِّبين والقادرين وما تمتاز به من التنظيم القوي، هي المجموعة المتمردة المسيطرة في منطقة إدلب. ومع أن روابطها الرسمية الدقيقة مع تنظيم القاعدة المركزي تبقى محلاً للنقاش، فإن أيديولوجيتها بشكل أساسي هي السلفية الجهادية، والتي تم تكييفها مع السياق الاجتماعي والسياسي والعسكري الفريد للصراع السوري”.
هل يستخدم نظام الأسد هيئة تحرير الشام كذريعة لاستهداف إدلب؟ يقول عيتاني: “صحيح أن تأطير الهجوم على أنه عملية لمكافحة الإرهاب يفيد العلاقات العامة للأسد وروسيا، لكنهما في الحقيقة يعتبران أي معارضة مسلحة للدولة إرهاباً وينويان الاستيلاء على إدلب، بالقوة إذا لزم الأمر، مهما تكن أيديولوجيات الميليشيات المسيطرة هناك”.
وقال لافروف إن الثوار كانوا يستعدون لشن هجوم كيماوي في إدلب من أجل إلقاء اللوم على النظام واستدعاء رد عسكري أميركي.
وكانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا قد وجهت في 13 نيسان (أبريل) ضربات جوية ضد سورية رداً على هجوم مشتبه به بالأسلحة الكيماوية، والذي أُلقي باللوم فيه على نظام الأسد. وكان الهجوم الكيماوي المشتبه به قد شن في ضاحية دوما الدمشقية، وأسفر عن مقتل سبعين شخصاً وإصابة خمسمائة آخرين يوم 7 نيسان (أبريل).
تقرر أن تبدأ البحرية الروسية تمريناً عسكرياً كبيراً في البحر المتوسط في الأول من أيلول (سبتمبر)، فيما رجح المراقبون أنه يجيء استعداداً لهجوم يشنه نظام الأسد على إدلب. وهذه التمارين “تهدف إلى ردع الغرب عن توجيه ضربات لقوات الحكومة السورية”، وفقاً لما ذكرته وكالة رويترز. وقال الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف أنه يجب القضاء على “مرتع الإرهابيين” في إدلب.
وقال عيتاني إن بعض المحللين وصانعي السياسة في الغرب “يصرون على أن روسيا ورثت مستنقعاً في سورية، وأنها تريد الخروج في أسرع وقت ممكن، وأن الأسد هو الطرف الجشع، بينما تبدو روسيا أكثر انفتاحاً من الأسد على التوصل إلى تسوية في البلد، إلخ”.
وأضاف عيتاني: “من المريح تصديق هذه الأمور عن خصومك بطبيعة الحال، لكنها ليست صحيحة. ليست هناك فجوة بين الأهداف الروسية وأهداف النظام: استعادة النظام سيادته على كامل سورية. وليست إدلب استثناء لهذا ولم تكن كذلك في أي يوم من الأيام. بطبيعة الحال، من الممكن أن تبرم تركيا وروسيا والنظام صفقة بحيث يتم تسليم إدلب إلى الأسد من دون قتال، وفي هذه الحالة يصبح الدعم الروسي موضوعاً للتنازع”.
الموقف التركي
يعمل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع الروس والإيرانيين من أجل نزع فتيل الوضع. وقالت تركيا، التي تتاخم أراضيها محافظة إدلب والتي تستضيف مسبقاً نحو 3.5 ملايين لاجئ، إنها لن تفتح حدودها ولن تقبل المزيد من اللاجئين.
وتواجه تركيا موقفاً صعباً للغاية في سورية بشكل عام، وفي إدلب بشكل خاص، كما يقول عيتاني.
وأضاف عيتاني، مشيراً إلى الجماعات الكردية: “أدى التهديد المتصاعد من حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي على طول حدودها، وبتسهيل من الولايات المتحدة، إلى إجبار تركيا على التخلي عن أهدافها السابقة المناهِضة للأسد، والتركيز على احتواء التوسع الكردي. وحتى تفعل، اضطرت إلى استخدام القوة العسكرية داخل الأراضي السورية، وهو ما يتطلب بدوره موافقة روسية”.
وشرح عيتاني: “لدى تركيا أصول بالوكالة من المتشددين في إدلب، لكنها لا تستطيع تكلف تبعات الوقوف في طريق روسيا فقط لمجرد منع قطاع من الأراضي السورية من الوقوع في أيدي النظام. إنها لا تمتلك هذا الترف. وفي الوقت نفسه، تعرف تركيا أن هجوماً يشنه النظام سوف يشرد اللاجئين في إدلب، ربما إلى داخل تركيا نفسها وهو ما لا تستطيع تكلف مؤونته أيضاً. ولعل أفضل رهان لديها هو أن تتفاوض على استيلاء للنظام على إدلب بأقل قدر من العنف، ونقل اللاجئين إلى المناطق الأخرى التي تسيطر عليها تركيا في سورية.
أجراس الإنذار
حذر ستيفان دي ميستورا، مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، من “عاصفة كاملة قادمة أمام أعيننا” في حال مضى نظام الأسد قدُماً بهجومه المتوقع على حلب. ودعا ميستوراً إلى توفير ممرات إنسانية للسماح للمدنيين بالجلاء.
ويقول عيتاني: “لا أظن أن هناك ‘إذا’ هنا. سوف تسقط إدلب. ومن الناحية النظرية، يستطيع المدنيون الذهاب إلى أي مكان في داخل سورية، أو إلى داخل تركيا. لكنني لا أظن أن الأسد سيريد أن يراهم يتدفقون على المناطق التي ‘طهَّرها’ النظام”.
ويضيف: بما أن تركيا تحتل مسبقاً مناطق كبيرة في داخل سورية، لا أعتقد أنها ستستسلم بهذه السرعة في المناطق الملاصقة لإدلب، والتي تضم مناطق عمليتي ‘غصن الزيتون’ و‘درع الفرات’. هذه المناطق ليست في وضع مناسب لاستقبال دفق كبير من اللاجئين، لكن ذلك ربما يكون أقل أهمية بالنسبة لتركيا (وللنظام) من إبقائهم خارج أراضيهما الرئيسية الخاصة”.
أشيش كومار سِن
الغد