كيف نمنع حدوث المواجهة الدموية النهائية في سورية؟

كيف نمنع حدوث المواجهة الدموية النهائية في سورية؟

بينما تتجه المأساة السورية كما يبدو نحو مواجهة دموية نهائية في محافظة إدلب، تكافح إدارة ترامب لمنع روسيا ونظام الأسد من شن هجوم هناك، والذي يحذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، من أنه سيخلّف “كارثة إنسانية”.

لكن جهود الإدارة تأتي متأخرة للغاية، ومحدودة للغاية، ومن الصعب حشد الكثير من الأمل في إمكانية عكس وجهة سبع سنوات من الفشل الأميركي في سورية. لكن الإدارة أوقفت على الأقل حالة التردد والتعثر التي شهدتها الأشهر الثمانية عشر الماضية، وأوضحت أن لدى الولايات المتحدة مصالح دائمة في سورية، والتي تتجاوز مجرد قتل إرهابي “الدولة الإسلامية”، وأنها لا تخطط لسحب قواتها للعمليات الخاصة من شمال شرق سورية في أي وقت قريب.

يقول أحد مسؤولي الإدارة الأميركية: “الآن، مهمتنا هي المساعدة على خلق مستنقعات (لروسيا والنظام السوري) حتى نحصل على ما نريد”، في معرض شرحه للجهد المبذول لمقاومة الهجوم المتوقع على إدلب. وينطوي هذا النهج على طمأنة حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين الثلاثة على الحدود السورية -إسرائيل، وتركيا، والأردن- من خلال تأكيد استمرار الانخراط الأميركي.

يبقى التزام الرئيس ترامب الشخصي تجاه سورية غير واضح، نظراً لتعليقاته الأخيرة المتكررة بأن دور أميركا هناك يجب أن يقتصر على محاربة الإرهابيين. ولكن، يبدو أن السياسة الأميركية المجدَّدة تحظى بتأييد وزير الدفاع، جيم ماتيس، ووزير الخارجية مايك بومبيو، الذي قام مؤخراً بتعيين جيم جيفري، السفير السابق الذي يحظى بالاحترام والذي عمل في العراق وتركيا، لتنسيق المشاركة الأميركية في سورية.

تبدو إعادة اكتشاف سورية هذه، في غضون إلى 11 ساعة، شيئاً مؤثراً، لأنها تأتي في الوقت الذي تنعى فيه الولايات المتحدة وفاة السيناتور جون ماكين (الجمهوري من أريزونا)، الذي تألم في سنواته الأخيرة من عدم قدرة الولايات المتحدة على وقف المذبحة هناك. وقد اعتقد ماكين بأن الولايات المتحدة كانت متواطئة، بسبب عقم سياستها، في موت مئات الآلاف من المدنيين السوريين.

في الآونة الأخيرة، أشّرت الإدارة على موقف أكثر صرامة من خلال تحذير روسيا من تصعيدها المخطط له في إدلب التي وصفها وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، مؤخراً بـ”الخُراج المتقيح” الذي يجب “تذويبه”. وقد حشدت روسيا نحو 15 سفينة بالقرب من السواحل السورية تمهيداً لهجوم نهائي في حلب. وحذر مستشار الأمن القومي، جون بولتون، علناً الأسبوع الماضي من أن الولايات المتحدة سترد “بقوة” في حال استخدم نظام الرئيس بشار الأسد الأسلحة الكيماوية.

أصبحت إدلب، التي تقع في الركن الشمالي الغربي من سورية، ملاذاً للإرهابيين والمقاتلين المناهضين للنظام والمدنيين اليائسين الذين فروا إلى هناك بعد سقوط حلب ودرعا. ويبلغ عدد سكان المحافظة الآن نحو حوالي 3 ملايين نسمة، بعد أن تضخموا بقدوم ما يصل إلى مليون لاجئ. ويوجد في إدلب الآن حوالي 10.000 من مقاتلي القاعدة المتشددين، إلى جانب عدد كبير من الجهاديين الأجانب الذين كانوا قد انضموا إلى خلافة “الدولة الإسلامية”.

ومن جهتها، تخشى تركيا من أن يؤدي هجوم واسع يُشن على إدلب إلى دفع بما يصل إلى 2.5 مليون لاجئ شمالاً نحو حدودها. ومن هناك، سيحاول البعض (بما في ذلك الإرهابيون) شق طريقهم إلى أوروبا، مما يخلق كابوساً أمنياً جديداً للبلدان التي أصابها اللاجئون بالذعر مسبقاً. وقد صف ستيفان دي ميستورا، مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، ما يجري إعداده لإدلب الآن بأنه “عاصفة كاملة”. وفي هذه الحالة، يبدو المجاز الذي عادة ما يُستخدم بابتذال ملائماً تماماً.

قام بومبيو وماتيس بإيضاح أهداف الولايات المتحدة في سورية علانية: انسحاب جميع القوات التي تقودها إيران من البلد كله، وليس فقط من منطقة عازلة بعمق 50 ميلاً على طول حدود إسرائيل، كما هو الحال في الاتفاق الذي وضعته روسيا؛ وانتقال سياسي يمكن أن يحول دون أن تصبح سورية قاعدة إرهابية مرة أخرى ويحقق ما يكفي من الاستقرار بحيث يمكن للاجئين العودة إلى ديارهم. كما يريد بومبيو وماتيس مزيداً من المشاركة الأميركية في مداولات جنيف حول الانتقال السياسي أيضاً.

لكن التحدي يكمن في إقناع جيران سورية بأن النفوذ الأميركي ما يزال مهماً، خاصة عندما يبدو أن روسيا ونظام الأسد في وضع يؤهلهما لتحقيق النصر. وقد عملت إسرائيل بشكل وثيق مع موسكو هذا العام عندما ضربت أهدافاً إيرانية في سورية. لكن المسؤولين الإسرائيليين يقولون إنهم توصلوا إلى استنتاج مفاده أن الولايات المتحدة وحدها هي التي تستطيع طرد القادة العسكريين الإيرانيين من الميدان. ومن جهته، رحب الأردن أيضاً بالمساعدة الروسية في إعادة فتح معبره الحدودي مع سورية، لكن اعتماد عمّان على المساعدات الأميركية يظل حاسماً.

تمثل تركيا المشكلة الأصعب. وقد أصبحت علاقاتها مع الولايات المتحدة متوترة للغاية هذه الأيام بسبب فشل صفقة تحرير القس الأميركي أندرو برونسون. لكن التعاون بين البلدين على أرض الواقع في سورية أفضل بكثير مما كان عليه قبل ستة أشهر، بفضل اتفاق لإنقاذ ماء الوجه بين القوات التركية والمقاتلين الأكراد السوريين المدعومين من الولايات المتحدة. وبعبارة أخرى، لا تمتلك روسيا كل الإجابات.

المفارقة في سورية هي أن المنطقة التي ربما تكون الأكثر استقراراً في البلد هي شمال شرق البلد، حيث تعمل القوات الأميركية إلى جانب الميليشيات التي يقودها الأكراد، ومجموعات المعارضة السنية، والمقاتلين المدعومين من تركيا، والعناصر الصديقة للنظام. وإذا كانت الولايات المتحدة تريد العودة فعلاً إلى اللعبة في سورية، فإن عليها أن تمنع حمام الدم في إدلب -ومن ثم تشجيع هذه العملية نفسها للتعايش في جميع أنحاء البلد.

ديفيد اغناتيوس

الغد