وعلى الرغم من كل عمليات الشّحن الإعلامي، والحشود العسكرية الروسية، وحشود مليشيات النظام ومليشيات نظام الملالي، إلا أن مصير محافظة إدلب لا يزال ينتظر ما ستتمخض عنه
القمة الثلاثية اليوم في طهران، التي ستجمع الرؤساء، الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني، الأمر الذي يُكسب هذه القمة المرتقبة أهمية كبيرة، خصوصا أن الطرف التركي يحاول إيجاد مخرجٍ يجنب المنطقة المستهدفة كارثة إنسانية كبرى، إلى جانب التغير المفاجئ في المواقف الأميركية والأوروبية، وجسّدها رفض غربي لأي عمل عسكري كبير، يفضي إلى إحداث أزماتٍ وكوارث إنسانية، سيدفع أكثر من تلاثة ملايين مدني ثمنها، وسيكون لها تبعاتها على الوضع السوري وعلى تركيا وأوروبا كذلك.
وستأخذ قمة طهران الثلاثية في الاعتبار إرهاصات أي عمل عسكري محتمل في الشمال الغربي من سورية، وتداعياته، في ظل استمرار الخلافات بين رعاة محور أستانة الثلاثة، حين يدفع نظام الملالي باتجاه عملية عسكرية واسعة، وبما يعكس تصريحات مسؤولي هذا النظام، وجديدها ما قاله وزير خارجيته من دمشق عن “ضرورة تطهير إدلب من المقاتلين”، بينما لم ينبس بكلمة واحدة عن قصف إسرائيل مطار المزّة وسواه، على الرغم من أن غاية قدومه المفاجئ إلى دمشق الوقوف على الآثار التي خلفها القصف الإسرائيلي على هذا المطار الذي تستخدمه مليشيات بلاده وعسكرها مقرّا مهما لها.
ويبدو أن الخلافات ما بين ساسة أنقرة وموسكو مستمرة، على الرغم من توافقات عديدة بينهما، حيث يعوّل الطرف التركي على كسب مزيد من الوقت، كي يفكّ عقدة “هيئة تحرير الشام” التي وضعها على قائمة المنظمات المصنّفة إرهابية، بوصفها خطوةً استباقيةً قبل انعقاد القمة، وردّاً على تعنت قادة الجبهة، ورفضهم حلها والاندماج في “الجبهة الوطنية للتحرير” التي تشكلت، أخيرا، في المنطقة بجهود تركية، وضمت فصائل سورية معارضة كثيرة.
ويرمي التحرّك التركي قبل انعقاد القمة الثلاثية إلى تجنيب المنطقة، وخصوصا محافظة إدلب، عملية عسكرية كبرى، تقوم بها مليشيات النظام وحلفائه الروس ونظام الملالي، كونها ستفضي إلى كارثةٍ إنسانيةٍ مهولةٍ، من خلال استهدافها ملايين المدنيين، من المهجّرين قسرياً والنازحين وسكان محافظة إدلب. ولا توجد إدلب أخرى، كي يتم تهجير المقاتلين وعائلاتهم، ما يعني أن ملايين السوريين المهجّرين سيتدفقون على الحدود السورية التركية، إضافة إلى أن تركيا تنشر اثنتي عشرة نقطة عسكرية في هذه المنطقة، ويواصل جيشُها إرسال مزيد التعزيزات إليها، ويقوم بعمليات تحصينها وتسليحها، ما يعكس اختلافاً كبيراً بين ما تريده تركيا وما تريده كل من روسيا ونظام الأسد ومعه إيران.
تريد روسيا من معركة إدلب تحقيق إنجاز عسكري، يُكمل استحواذها على كامل سورية، باستثناء مناطق الوجود الأميركي شرقي الفرات وفي قاعدة التنف جنوباً، لكن هذا السعي قوبل برفض أميركي واضح، ورفض أوروبي، حيث يرفض الغرب محاولة روسيا استثمار ما أنجزته عسكرياً في الفضاء السياسي، من خلال التلويح بورقة إعادة اللاجئين التي تتطلب إعادة الإعمار، وبناء ما دمرته آلة الحرب الروسية إلى جانب النظام ومليشيات نظام الملالي. وقوبلت هذه المحاولة بالرفض الغربي التام، في مقابل التمسّك بعملية سياسية، تفضي إلى انتقال سياسي في سورية، ولو عن طريق تغيير دستوري وانتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة، الأمر الذي أثار حفيظة المسؤولين الروس، فراحوا يحشدون عسكرياً في داخل سورية، إلى جانب إعلانهم القيام بمناوراتٍ عسكريةٍ، هي الأضخم في تاريخ روسيا في البحر الأبيض المتوسط، ردّاً على التعزيزات العسكرية الأميركية في المتوسط والخليج العربي.
وفي الجانب الدبلوماسي، لم تكتف الإدارة الأميركية بالتحذير من مغبّة استخدام السلاح الكيميائي والبيولوجي في أي هجومٍ محتملٍ على إدلب، بل أوفدت ممثل وزير الخارجية الأميركي الجديد، جيمس جيفري، إلى دولٍ في المنطقة، ومنها تركيا، كي يحيط المسؤولين الأتراك بالموقف الأميركي من أي عمليةٍ عسكريةٍ في شمالي غرب سورية، وهو موقفٌ يلتقي مع مواقف دول أوروبية عديدة، حيث أعلن وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، أن “الأسد لن يفوز بالسلام” من دون حل سياسي بوساطة أممية، أي تحت مظلة جنيف، وأنه حتى لو تمكّن “النظام من استعادة السيطرة على إدلب، فلن يحل ذلك المشكلات”، وكرّر تهديداته برد غربي، إذا استعمل الأسد الأسلحة الكيميائية في المعركة المحتملة على إدلب.
واللافت، بل والمفجع، هو ما عبرت عنه الأمم المتحدة، على لسان وسيطها الخاص إلى
سورية، ستيفان دي ميستورا، الذي قدّم تبريراتٍ سياسيةً للمسعى الروسي الرامي إلى القيام بمذبحةٍ في إدلب، من خلال قوله إن “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة) إرهابية، و”يجب دحرها”، وتأكيده على أن كلا “الطرفين”، أي النظام والمعارضة، يملكان السلاح الكيميائي، وهو كلامٌ يقدّم تبريراً “أممياً” للحلف الروسي الأسدي والملالي لارتكاب مجازر في إدلب، كونه يساوي بين الطرفين، على الرغم من الفظائع التي ارتكبها نظام الأسد الذي أثبتت الأمم المتحدة استخدامه السلاح الكيميائي مرّات، واتهمته، في بعض تقاريرها، بارتكابه جرائم حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية.
سيكون ذلك كله حاضراً على جدول أعمال القمة الثلاتية اليوم في طهران، بغية تحديد طريقة النظر في مصير إدلب، وما تسمّى “منطقة خفض التصعيد” الرابعة. ويُعتقد أن الرئيس التركي سيحاول طرح ما تمّ التوصل إليه من توافقٍ بين الجانب التركي وفصائل تابعة للمعارضة السورية، ينصّ على أن تكون مناطق شمال غربي سورية خاليةً من التنظيمات والفصائل المتشددة، ما يعني التمهيد لسيناريو يفتح الطريق أمام عملية عسكرية محدودة، وتهدف إلى وضع “هيئة تحرير الشام” أمام خيار حلّ نفسها، والاندماج في “الجبهة الوطنية للتحرير”، أو أن تقوم هذه الجبهة بعملية عملية عسكرية، مدعومة تركياً، وربما بدعم روسي جوي، ضد هيئة تحرير الشام، لإجبارها على الرضوخ لما تطلبه المعارضة وتركيا، بغية سحب الذرائع من الروس ونظامي الأسد وإيران.