البصرة (العراق) – دخل رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته حيدر العبادي في سباق قاس مع إيران في محاولة لتوجيه موجة احتجاجات عنيفة تجتاح محافظة البصرة لتحقيق كل منهما مصالحه، وسط أزمة تشكيل الكتلة الأكبر في برلمان انعقد للتو للمرة الأولى.
وعلى عكس ما يبدو في العلن، يدرك العبادي أنه كلما تصاعدت الاحتجاجات، تعززت مصالحه السياسية. وأظهر المتظاهرون ميلا لوضع مصالح إيران في المحافظة في دائرة استهدافهم، على رأسها مقرات ميليشيات الحشد الشعبي الرئيسية، كعصائب أهل الحق وحزب الله ومنظمة بدر، إلى جانب أحزاب أخرى محسوبة على إيران كـ”أوفياء” وغيرها.
وعلى إثر سقوط تسعة قتلى في صفوف المتظاهرين منذ يوم الثلاثاء، قرر البرلمان العراقي الجديد عقد اجتماع طارئ اليوم السبت لمناقشة “المشاكل والحلول والتطورات الأخيرة” في البصرة.
وجاءت دعوة البرلمان بعد ساعات فقط من سقوط ثلاث قذائف هاون فجرا داخل المنطقة الخضراء المحصنة، التي تضم سفارات غربية عدة أكبرها سفارة الولايات المتحدة، ومباني حكومية منها البرلمان.
ومر هذا الهجوم الذي أصاب “أرضا متروكة داخل المنطقة الخضراء ببغداد دون وقوع خسائر بشرية أو مادية”، وفق ما أفادت السلطات.
وينتهج العبادي سياسة تعتمد على التريث والانتظار. ويعتقد مسؤولون محيطون بالعبادي أنه كلما تمكنوا من كسب المزيد من الوقت، شكل ذلك ضغطا سياسيا كبيرا على إيران والأحزاب الموالية لها، وأضعف موقف كتل محسوبة عليها فازت في الانتخابات التشريعية، على رأسها “دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
ويطالب المتظاهرون بإقالة رئيس عمليات الشرطة في البصرة جميل الشمري ويتهمونه بإصدار أوامر مباشرة بإطلاق النار عليهم، خلال تظاهرات طالبوا فيها بتحسين الخدمات والبنية التحتية في المحافظة، خصوصا محطات ضخ المياه.
ورغم ذلك، كشف النائب في البرلمان عن محافظة البصرة عدي عواد أن العبادي طلب “التريث” في اتخاذ قرار إقالة قادة الشرطة، رغم ارتفاع عدد القتلى بشكل يومي.
ودفع ذلك زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى إعطاء مهلة زمنية للعبادي والوزراء المعنيين، ومحافظ البصرة ورئيس مجلس المحافظة لحل الأزمة أو “ترك مناصبهم”.
ويدرك الصدر أن زخما متصاعدا ضد إيران بين العراقيين الشيعة قد يوفر له فرصة سياسية نادرة لتعزيز أسهمه، في ذروة مشاورات تشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان، ومن ثم الحكومة، والتي تقودها قائمة “سائرون”، وتضم قائمة “النصر” بزعامة العبادي بين القوى المكونة لها.
وقال محلل سياسي عراقي، طلب عدم ذكر اسمه، “قد تؤدي المحاولات التي يبذلها مقتدى الصدر طمعا في الإسراع في تشكيل الحكومة إلى احتواء الاحتجاجات، ولكنه يظل احتواء مؤقتا ما لم ترافقه إجراءات حكومية على مستويات عدة”.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “أول هذه الإجراءات ما يتعلق بالتحقيق مع الأجهزة الأمنية التي أدى لجوؤها إلى استعمال العنف المفرط إلى سقوط عدد من القتلى والمئات من الجرحى. وثانيها الإسراع في تعويض أهالي الضحايا والاعتذار منهم ومن ثم البدء بتنفيذ خطة تنموية شاملة تهدف إلى تطبيق مطالب المحتجين والتخفيف من سوء الأحوال المعيشية في البصرة”.
وشكل ذلك جوهر رسالة بعث بها المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني، عبر ممثله أحمد الصافي، الذي يزور البصرة منذ أيام، في سعي من المرجعية لعدم ترك فراغ يسعى الصدر لاستغلاله، ومع الوقت التحكم في حركة الشارع الشيعي، باعتباره زعيما سياسيا، ودينيا أيضا.
ويتحكم سباق مواز في علاقة الصدر والسيستاني بالبصرة، التي تسكنها غالبية شيعية، وتشكل خزان الثورة في العراق. ويدرك الجانبان التراجع الكبير في نفوذ الأحزاب الإسلامية التقليدية الموالية لإيران، خصوصا في البصرة، ويسعى، كل على حدة، إلى تقديم نفسه باعتباره القوة المذهبية الجديدة القادرة على ممارسة ضغط على الحكومة لتحقيق مطالب المتظاهرين، بعد فشل القوى المحسوبة على إيران على مدار الأعوام الماضية.
ويقول دبلوماسيون غربيون إن مطالبات أهالي البصرة وإحراق مقرات ميليشيات الحشد الشعبي “قد يكونا فتحا للتو نافذة لديناميكية جديدة تتحكم بمواطن القوى في العراق، انعكاسا للنظام الجديد الذي تحاول الولايات المتحدة فرضه في المنطقة من خلال حصار إيران بشكل تام”.
ويبنى النظام الجديد على مسارين متوازيين؛ أحدهما سياسي ويتمثل في سباق دائم بين العبادي (والولايات المتحدة من خلفه) وإيران، والآخر ديني وينعكس في التنافس الكبير بين الصدر والسيستاني على ملء الفراغ الناجم عن تقويض نفوذ إيران، خصوصا في المحافظات الجنوبية.
وقال المحلل العراقي لـ”العرب”، “تسخير العبادي للفوضى وإدارته للأزمة بدلا من حلها لعب بالنار، يواجهه لعب بالنار مقابل ما تنتهجه إيران منذ عقود”.
العرب