تسب الحديث عن التعاون الصيني الشرق أوسطى في الوقت الراهن أهمية خاصة نظرًا لما شهدته الفترة الأخيرة من متغيرات كثيرة كان من أبرز نتائجها أحادية الاستقطاب السياسي في المنطقة، والاتجاه المتسارع نحو تحرير التجارة وعولمة الاقتصاد، وحالة التوتر الإقليمي نتيجة لعملية عاصفة الحزم فى اليمن، وتعثر مسيرة السلام فى منطقة الشرق الأوسط.
ففي الفترة الحالية، ومع حدوث تحولات وتغيرات على خريطة القوى الدولية، اتجهت الصين إلى توثيق علاقات التعاون والشراكة مع دول الشرق الأوسط على مختلف الأصعدة، الاقتصادية، والسياسية، والثقافية، ويعد هذا التقارب خطوة مهمة تعزز من قدرة الصين على تحقيق هدفها الحالي في التخلص من سيطرة قطب واحد على النظام العالمي، ووضع حدود للهيمنة الأمريكية على العالم. ربما لا تسعى الصين إلى قيادة العالم، أو إلى أن تصبح القطب الأوحد الجديد، لكنها قطعًا تسعى إلى الحد من النفوذ الأمريكي على مناطق العالم، وما نتج عن ذلك من توازنات وخرائط جديدة للقوى والثروة في العالم، وهي في سعيها إلى هذا الهدف اتجهت إلى تعزيز العلاقات، وبناء الشراكات والتحالفات مع دول ومناطق أخرى حول العالم، دون الإنخراط في أي صراعات وتوترات إقليمية جارية من خلال إستراتيجية في العلاقات الدولية أكثر براجماتية وتوازنًا من قوى عالمية أخرى.
على الجانب الآخر، يمثل سعي الصين الحثيث إلى تعزيز التقارب الصيني الشرق أوسطي فى هذه الآونة، فرصا لدول الشرق الأوسط، حيث يمكنها من تحسين أوضاعها، ورسم وضع أفضل لها في خريطة القوى العالمية التي تتغير بوتيرة مستمرة ، كما يمنحها فرصة لاختيار حليف سياسي آخر، وشريك للتنمية ربما يكون أكثر تعاونًا. لكن كما يحمل التقارب فرصًا، فهو يحمل أيضا مخاطر أهمها هو ردة الفعل الأمريكية، وأيضا احتمالية ألا تستمر القوة الجيوسياسية الصينية في التقدم على نظيرتها الأمريكية.
وبناءً على ما سبق تسعى هذه الدراسة إلى الإجابة عن التساؤلات التالية من قبيل: ما محددات السياسة الصينية الحالية تجاه الشرق الأوسط؟ وما الدور الذى يلعبه الشرق الأوسط فى السياسة الخارجية الصينية؟ و ما الفرص والإشكاليات القائمة في العلاقات الصينية الشرق أوسطية؟ وما أبرز المواقف السياسية الصينية تجاه قضايا الشرق الأوسط الحالية؟ وهل تتحول الصين إلى شريك اقتصادي رئيسي مع دول المنطقة؟
ولًا- محددات السياسة الخارجية الصينية الحالية تجاه الشرق الأوسط
والمقصود بالمحددات في هذا الإطار العوامل التي تشكل حدود الدور الصيني في النظام الدولي ومدى فعالية وتأثير هذه العوامل على العلاقات الصينية الشرق أوسطية. فهناك مجموعة من العوامل شكلت فيما بينها ضوابط للسياسة الخارجية الصينية تجاه دول منطقة الشرق الأوسط، وأسهمت في محدودية هذه العلاقات، وتطورها البطيء، حيث يمكن متابعة هذه الضوابط، على المستويات الثلاثة الداخلية والإقليمية والدولية.
إن الصين بداية، عادة ما تميل إلى استخدام مصطلح “غرب آسيا وشمال أفريقيا” كبديل عن مصطلح “الشرق الأوسط”(1). ولكن اختلاف المسميات بالتأكيد لا يعني التقليل من أهمية المنطقة، فالشرق الأوسط يعد إحدى أهم المناطق بالنسبة للصين حيث كانت دائمًا تنظر إلى الشرق الأوسط بثرواته وموقعه الإستراتيجي باعتباره “منطقة تشابك” في الصراع المحتدم والمتواصل بين القوى الدولية المتنافسة على مناطق النفوذ، وترى أن حسم الصراع لصالح أية قوة دولية سيتحدد في رمال هذه المنطقة الملتهبة.
فبعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، ظل اهتمام الصين في المنطقة منصبًّا على البحث عن شرعيتها وتوسيع دائرة الاعتراف الدبلوماسي بها في منطقة كانت معظم دولها تعترف بتايوان؛ لهذا ركزت الدبلوماسية الصينية في بداياتها على محاولة الدخول إلى المنطقة من بوابة الوقوف إلى جانب حركات التحرر الوطني، والسعي للحؤول دون خضوع المنطقة لهيمنة شاملة من قبل القوى الخارجية. وظل السلوك الصيني يقوم على أسس “المبادئ الخمسة للتعايش السلمي” التي أطلقها الزعيم الراحل شوان لاي، وظلّت بكين متمسكة بشعار “مشاكل الشرق الأوسط يجب أن تُحل عن طريق شعوب المنطقة وبعيدًا عن أية تدخلات خارجية”(2).
1- المحددات الداخلية للعلاقات الصينية الشرق أوسطية
أ- المحدد الجغرافي والسكاني: تلعب أوضاع الجغرافيا السياسية دورًا مهمًا في تشكيل بيئة القرارات السياسية لدولة ما، فهي تتفاعل مع تأثيرات عناصر قوة الدولة وثقافتها وقيادتها، وإليه صنع سياستها وتحديد اختياراتها وقراراتها. فتعتبر جغرافية الدولة من العوامل المهمة في تحديد توجهات السياسة الخارجية لأي دولة وأحد العوامل ذات الطابع المادي والأكثر ثباتًا وديمومة في عناصر قوة الدولة، حيث تقع جمهورية الصين الشعبية في الجزء الشرقي من قارة آسيا، وعلى الساحل الغربي من المحيط الهادي، ولها ساحل طويل على المحيط الهادي. وتتصف تضاريس الصين بارتفاعها غربا وانخفاضها شرقا، وتحتل مساحة المناطق الجبلية ثلثي مجمل مساحة البلاد. حيث تمثل الجبال33.3% ، الهضاب 26% ، الأحواض 18.8% ، السهول 12% ، التلال 9.9%. وتبدو تضاريس الصين كسلم ينحدر من الغرب إلى الشرق بصورة رئيسية(3).
كما يلعب العامل السكاني دورًا مهمًا ومؤثرًا في سياسات الدول، حيث يعتبر العنصر البشري من العناصر المهمة لبناء قوة الدولة، فهو الأساس للنهوض بالدول اقتصاديا، وعسكريًا، وثقافيًا. والصين أكثر دول العالم سكانا. حيث يبلغ عدد السكان الإجمالي بها أكثر من 56ر1400 مليون نسمة(4).
ويوجد في الصين 56 قومية من بين إجمالي عدد السكان في الـ 31 مقاطعة ومنطقة ذاتية الحكم ومدينة تابعة مباشرة للحكومة المركزية، وتعد قومية هان أكبر قومية من حيث عدد السكان، حيث يبلغ عدد أبناء قومية هان 1159.4 مليون نسمة، أي 91.59% من مجمل سكان الصين؛ ويبلغ تعداد أبناء الأقليات القومية 106.43 مليون نسمة، أي 8.41% من مجمل سكان الصين.فمن بين الـ 55 أقلية قومية تستخدم قوميتا هوي ومان اللغة الصينية، بينما تستخدم كل من الـ 53 أقلية قومية لغة منطوقة خاصة لكل منها؛ ولـ 21 أقلية قومية لغاتها المكتوبة تستخدم 27 لغة مكتوبة. وقد استطاعت الصين خلق “طبقة وسطى” يعتد بها، يبلغ إجمالي عددها عدد سكان الولايات المتحدة، وارتفعت دخولها الحقيقية بسرعة تعادل عشرة أمثال سرعة ارتفاع الدخول الأمريكية الحقيقية في التسعينيات(5).
وبالتالي يصعب إغفال واقع الزيادة السكانية الهائلة التي تشهدها الصين والتي تزيد بمعدل 3.3 % سنويًا. وهو ما يعكس تداعيات على الطلب على الغذاء التي باتت إحدى أهم القضايا الاقتصادية التي تواجه النمو السكاني في الصين بما يؤثر على سياستها الخارجية في هذا الشأن، وخاصة مع إسرائيل بشأن المجال الزراعي ومحاربة التصحر حيث تتعاون الصين وإسرائيل في هذا الصدد.
ب- محدد التاريخ والتقاليد والثقافة
هناك عاملا التاريخ والتقاليد يؤثران في توجه الصين الخارجي. وبالنسبة للثقافة تبرز الثقافة السياسية السائدة على صعيد المحددات الداخلية للسياسة الخارجية الصينية .التي يعد من أهم خصائصها “الطابع البرجماتي- الواقعي” وهي صفة قديمة اتصف بها الصينيون، وتعني سرعة تكيفهم مع الأوضاع، وقد ساعدت على مدى استجابة وتأقلم المجتمع مع المتغيرات والاوضاع المستحدثة. وتعتبر الثقافة السياسية شقًا أساسيًا من الثقافة العامة، فتعد الثقافة الصينية من أقدم الثقافات والحضارات على مر التاريخ، وتتميز الحضارة الصينية بعنصري الاستمرار والاستقرار(6).
وعلى مستوى الثقافة السياسية شهدت الصين دولة المؤسسات السياسية منذ 1500 سنة ق.م، وكان ذلك في عهد أسرة شانج، وقد شكلت هذه الثقافة الشخصية القومية للمجتمع الصيني وما تتسم به من تقاليد مميزة، وتعتبر الكونفوشية والماوية أحد أهم جذور وركائز الثقافة السياسية الصينية. فقد كانت الكونفوشية مصدر إلهام مهمًا للثقافة الصينية عبر قرون عديدة، وكان أهم تأثير لها هو الاعتقاد بأهمية المحافظة على الحياة الإنسانية العظيمة ورعايتها، وقد ارتبط هذا الهدف بكل أوجه الحياة وبصفة خاصة بالسياسة والأخلاق، ويمكن القول بأن الصين أصبحت تعتمد على الحكمة الصينية كما عبر عنها كونفوشيوس في رده على سؤال حول عالم الميتافيزيقا والغيب”، أننا لم ننته من اليوم ومن بناء عالم الواقع حتى نفكر في عالم الميتافيزيقا” ما بعد الطبيعة(7).
ج- المحدد الاقتصادي والعسكري
بالنسبة للمحدد الاقتصادي، فإن أية سياسة خارجية إذا لم تعتمد على أساس اقتصادي سليم فلا يمكن أن تنهض لتحقيق الأهداف المرجوة منها؛ حيث تؤثر قوة أو ضعف اقتصاد الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر على سياستها الخارجية، فلكي تنجح الدولة في تحقيق أهدافها الخارجية لا بد من اعتمادها على هيكل اقتصادي سليم يتضمن استقلالية وعدم تبعيه الدولة وتنويع لقاعدتها الإنتاجية، وعدم الاعتماد على قاعدة أحادية الإنتاج، وكذلك تحرر الدولة من كونها منتجه للمواد الخام أو كونها سوقًا لتصريف المنتجات الأجنبية(8).
وفى هذا السياق لا تنطلق السياسة الخارجية الصينية من فراغ، ولكن من خلال واقع يشهد صعودًا لقوة اقتصادية وسياسية وعسكرية جديدة، يؤهلها لأن تكون قوة عالمية فاعلة ، فهي صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، بلغ عام 2007 نحو 10,7%، فقد سجل اقتصاد الصين نموا بلغ 7% على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2014، وهو أدنى معدل في 6 سنوات، مما يعزز المراهنات على أن صانعي السياسات الاقتصادية سيتخذون المزيد من الخطوات لدعم النمو، وهي أيضًا أكبر منتج للفحم والفولاذ والإسمنت، وثاني اكبر مستهلك للطاقة وثالث أكبر مستورد للنفط وفي الواقع، يستند النمو الاقتصادي الصيني على عاملين أساسيين هما: زيادة واسعة في الاستثمارات الرأسمالية (بتمويل من وفورات محلية كبيرة وتدفق الاستثمار الأجنبي)، ونمو سريع في الإنتاجية. فمن خلالهما، تمكنت الصين من الحفاظ على النمو الاقتصادي في الفترة بين 2005 ـ 2014، رغم تباطؤ وتيرة النمو، ذلك أن صادراتها استمرت في التفوّق على الواردات، مستفيدة من انخفاض أسعار صادراتها نسبيًا، وهو أمر ضروري لضمان استمرار الطلب العالمي على المنتجات الصينية. ووفقًا لتقرير البنك الدولي لعام 2014، فإن الصين، في الوقت الحاضر، وهي واحدة من أكبر الدول المصدّرة في العالم، تمكّنت من جذب مستويات قياسية من الاستثمارات الأجنبية، وبدورها، فإنها تستثمر مليارات الدولارات في الخارج، ما يدل على أن الصين لديها قاعدة قوية لنمو الناتج المحلي الإجمالي(9).
لقد شهد الاقتصاد الصيني تحولات هائلة في السنوات الأخيرة مع استمرار النمو المذهل والطويل الأجل في الناتج المحلي الإجمالي، مما ارتقى بمرتبة الصين بين أكبر اقتصادات العالم، حيث تعد الثانية بعد الولايات المتحدة مباشرة إذا قيس الناتج بالدولار طبقًا لتعادل القوى الشرائية بين الدولار واليوان الصيني، كما تدعمت الصورة العالمية للاقتصاد الصيني في ظل طوفان الصادرات الصناعية الصينية العادية(10)، وعالية التقنية الذي أغرق مختلف أسواق العالم ووضع الصين بمفردها في المرتبة الأولى عالميًا كأكبر دولة مصدرة للسلع متجاوزة كل الدول الرأسمالية الصناعية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وألمانيا واليابان. ولقد حافظت الصين على نظامها الاشتراكي في ظل نموها الاقتصادي السريع، حيث حققت ما يطلق عليه التنمية في ظل نظام سوق اشتراكي يتيح الفرص للقطاع الخاص مع دور مهيمن للدولة، كما استطاعت أن تحقق الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
فمع النمو السريع للاقتصاد الصيني ولناتجه المحلي الإجمالي بسرعة هائلة خلال السبعة وعشرين عامًا الأخيرة، متجاوزة الكثير من القوى الاقتصادية التقليدية الكبرى من ناحية الحجم، أصبحت الصين في بؤرة اهتمام الاقتصاد العالمي. كما أن الاستثمارات الجديدة في الصين يجري تنفيذها وفقًا لأحدث التقنيات بما يعني أن الصورة الانطباعية عن الاقتصاد الصيني باعتباره اقتصادًا ضخمًا، لكنه غير متقدم أو يستخدم تقنيات قديمة كثيفة العمل، هو انطباع يجب أن يتغير لبناء صورة صحيحة عن الاقتصاد الصيني تعتمد على ما يجري فعليا في الواقع وليس على الأحكام الانطباعية القديمة(11). كما أن الصين نفسها أصبحت عنصرًا فعالًا في التطوير التكنولوجي الصناعي والزراعي والدوائي والعسكري الذي يجري في العالم، وليس مجرد دولة متلقية للإنجازات التكنولوجية من الدول الأخرى. كما أنها تعمل بمرونة وكفاءة لتنوع مصادر حصولها على وارداتها من الطاقة، بالأساس النفط، ومن المعادن الرئيسية الضرورية للصناعة الصينية المتعاظمة النمو، كما تعمل الصين على تنمية أسواقها الخارجية بصورة شديدة الفعالية ومن المتوقع أن يكون الناتج المحلي الإجمالي للصين حتى عام 2020 نحو 4.000 بليون دولارِ تقريبًا بسعر الصرف الحالي .
وبالنسبة للعامل العسكري، يمثل العامل العسكري أحد العوامل المؤثرة في السياسة الخارجية، وتعد القوة العسكرية من المرتكزات المتغيرة، وذلك بسبب تبدل أدوات الحرب والخطط النفسية والإعلامية أو ما يسمى بالحرب الباردة، وهي كذلك ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمرتكزات الاخري كالمساحة والموارد الطبيعية والنمو الاقتصادي، والسكان، والعوامل التكنولوجية التي أدت إلى تحولات أساسية في مفهوم القوة. وتسعى الصين الآن إلى تطوير القوة العسكرية كأداة من أدوات الدولة، حيث تهدف من ذلك التطوير تحقيق خمسة أهداف، الهدف الأول، الحفاظ على النظام الأمن من خلال الحفاظ على الحزب الشيوعي، والثاني الحفاظ على السلامة الإقليمية. أما الهدف الثالث، فيتمثل في تحقيق الوحدة الوطنية، وذلك من خلال التركيز على تايوان فيتعين على الصين”احتواء تايوان الانفصالية “. في حين ان الهدف الرابع يكمن في تحقيق الأمن البحري، فهناك اهتمام متزايد في الصين للتركيز على الدفاع عن”الحقوق والمصالح البحرية ” فالصين في حاجة إلى استغلال الموارد البحرية لاستغلالها في التنمية الاقتصادية، فالصين تريد ان يتم ترسيم الحدود البحرية مع جيرانها، وبالتالي الاتفاق على التحكم في الموارد تحت سطح البحر، لاسيما النفط، أما الهدف الخامس، فهو السعي لتحقيق الاستقرار الإقليمي، وذلك من خلال المحافظة على بيئة خارجية مستقره لمواصلة التنمية الاقتصادية للصين(12).
جميع تلك العوامل الداخلية كان لها دور في تحديد سياسة الصين الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط ولكن بدرجات متفاوتة. إلا أن العامل الداخلي الأكثر وضوحًا في التأثير كان هو العامل المرتبط “بالتنمية الاقتصادية” التي تبنتها الصين في أواخر السبعينيات.
2 – المحددات الخارجية للعلاقات الصينية الشرق أوسطية
أ- المحددات الإقليمية
تعرضت الصين بحكم التاريخ وبحكم الوضع الجغرافي لحروب ومشاحنات إقليمية عديدة مع الدول المجاورة لها، منها اليابان، وكوريا الشمالية، وروسيا، وفيتنام. وقد سعت الصين إلى تحسين والعمل على تطوير علاقاتها مع دول الجوار منذ التسعينات لتحقيق هدفين، تمثل الهدف الأول في العمل على إحباط محاولة احتواء وعزل الصين وتحطيم العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة عليها. حيث قامت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بفرض عدد من العقوبات على الصين في عام 1989(13)، نتيجة أحداث الميدان السماوي عندما أطلقت الشرطة الصينية النار على الطلاب المتظاهرين. أما الهدف الثاني فتمثل في ضرورة تهيئة الصين لإطارها الحيوي والبيئة الاقليمة لتكون بيئة مواتية لتحقيق التنمية الصينية في هذه المرحلة فالصين تسعى إلى منع تحالف دول الجوار مع قوى خارجية معادية للصين، لذا تعمل الصين على تطوير علاقات إستراتيجية وإيجاد أرضية مشتركة مع الدول الآسيوية لمقاومة الضغوط الغربية في مجال اختراق السوق وحقوق الإنسان.
ب- المحددات الدولية
أدركت الصين العديد من التحديات التي تطرحها البيئة الدولية ومن تلك التحديات الضغوط التي يمكن أن تمارسها الولايات المتحدة على نفط الشرق الأوسط وخاصة النفط العربي، بحيث شكل هذا الواقع ضغوطا على الصين في مجال حصولها على النفط العربي بما يعكس تحكم الولايات المتحدة بأهم محددات التنمية والتطور الصيني، وهو ما سوف يكون له أكبر الأثر على توجهات الصين بشأن سياساتها الخارجية في منطقة الشرق الأوسط(14). ويمكن تحديد محددات العلاقات الصينية – الأمريكية حيث إنها تدخل في محددات العلاقات الصينية الشرق أوسطية. فبوجه عام، يحكم العلاقات الصينية – الأمريكية مجموعة من المحددات، لعل أبرزها أربعة، وهم:
أ) الاحتياج استراتيجي: وهو الإدراك المتزايد والمتبادل بين الطرفين بأهمية الطرف الآخر واحتياجه له، وإن اختلف معه، وربما يفسر هذا الأمر مستوى التعاون بعد كل خلاف تشهده علاقات البلدين.
ب) يسيطر الفكر الواقعي على العلاقات: في إدارة كل طرف لعلاقاته مع الطرف الأخر،وعدم الرغبة في تقديم أية تنازلات. فالولايات المتحدة تضغط على الصين في محاولة للتحكم في صعودها، حتى لا يضر المصالح الأمريكية. والصين من ناحيتها ترفض فكرة الهيمنة الأمريكية على العالم.
ج)تتأثر العلاقات الصينية – الأمريكية بتغير الإدارات الأمريكية: دون أن تتأثر بتغير القيادات الصينية. ومن الملاحظ أن معظم الإدارات الأمريكية تتبع سياسة متشددة تجاه الصين، منتقدة الإدارة السابقة لضعف سياستها،ثم لا تلبث أن تغير من موقفه(15).
د)تأثير العوامل الداخلية على العلاقات الصينية – الأمريكية: فالإعلام والكونجرس الأمريكي، وجماعات حقوق الإنسان، كلها تلعب دورا في الضغط على الإدارات الأمريكية لدفعها لأتباع سياسات متشددة تجاه الصين.
وعمومًا، تعتمد السياسة الصينية الحالية على المصالح الاقتصادية، والتي يلزمها الأمن والاستقرار إقليميا ودوليا حسب الكثير من الإستراتيجيين الصينيين، وتتأثر المصالح الصينية بأي إجراءات أو سياسات تتسبب في عدم الاستقرار.
وفي ظل العلاقات الصينية الأمريكية تقوم النظرة الخاصة للصين إلى الشرق الأوسط، على أن سياسة الصين تجاه الشرق الأوسط تخضع لسياستها العامة الداعية إلى بناء بيئة استقرار وسلام دولية، وأن مسألة الشرق الأوسط مسألة معقدة جدا ولدى العرب وجهات نظر مختلفة تجاه هذا الموضوع، كما تعتقد الصين أن للعرب دورا مهما، وهي تسعى لبناء تعاون اقتصادي معهم أكثر من ميلها للتعاون السياسي، حيث إن تطوير وتنمية الاقتصاد الصيني هي السبيل لإرغام العالم على الاستماع إليك وهي المقولة التي تؤمن بها الصين.
وعلى جانب العلاقات الصينية الإيرانية(16)، والتي بالطبع تؤثر على العلاقات العربية الصينية، فعلاقات الصين بإيران قوية ومتنوعة وتشمل المجالات العسكرية والاقتصادية ومجالات النفط والأعمار، وهذا يترك أثره على مواقف الصين الدولية ويؤثر على وضع وامن الخليج والدول العربية .وإيران عضو مراقب في “منظمة شنغهاي للتعاون” وهي المنظمة التي تضم الصين وروسيا ودول آسيا الوسطى، وقامت لاعتبارات التنسيق الأمني ومقاومة الإرهاب، وتتمتع ثلاث دول بوضع مراقب فيها وهي الهند وباكستان وإيران.
ثانيًا: فرص العلاقات الصينية الشرق أوسطية
1- الفرص
هناك عدد من الفرص، لدى دول منطقة الشرق الأوسط تمكنها من تعميق التعاون الصيني الشرق أوسطى فى الوقت الراهن، والتي يمكن تقسيمها إلى فرص في المجال الاقتصادي، والمجال السياسي.
أ- الفرص في مجال التعاون الاقتصادي
تطورت العلاقات الاقتصادية الصينية الشرق الأوسطية في السنوات الأخيرة بمعدلات متزايدة، سواء في معدلات التبادل التجاري، أو الاستثمارات، ووصل حجم التبادل التجاري بين بلدان المنطقة والصين إلى 263 مليار دولار عام 2011، من نحو 36 مليار دولار خلال 2003، بل من المتوقع أن تتضاعف بحلول عام 2020 إلى 500 مليار دولار.
لقد تضاعف حجم التجارة بين الصين ودول الشرق الأوسط خلال السنوات الخمسة الماضية. وازدادت صادرات الصين الى منطقة الشرق الأوسط ( تتضمن تركيا ). كما شهدت واردات الصين من هذه المنطقة في نفس الفترة إرتفاعًا من 3.4 مليار دولار أمريكي إلى 6.1 مليار دولار أمريكي. وحاليًا، حلت الصين محل الولايات المتحدة وأصبحت أكبر الدول المصدرة للشرق الأوسط.
ويحكم العلاقات الاقتصادية لدول المنطقة مع الصين عدة اعتبارات، على رأسها، أن الشرق الأوسط يمثل مصدرًا مستدامًا لمصادر الطاقة التي تحتاجها الصين بكميات ضخمة لسد احتياجاتها الصناعية، في المقابل تمثل دول الشرق الأوسط سوقًا واسعة للمنتجات الصينية. فيما أيضا تمثل بلدان الشرق الأوسط أسواقًا آمنة وذات عوائد قوية، لاسيما بالنسبة لأسواق دول مجلس التعاون الخليجي، وتعمل الشركات الصينية في قطاعات اقتصادية مختلفة(17)، لعل أهمها قطاعات الطاقة، والنقل واللوجستيات. وتعد الممرات المائية الموجودة بالشرق الأوسط ذات أهمية بالغة في نقل البضائع والسلع الصينية، لذلك تسعى الصين إلى توسيع استثماراتها وشراكاتها بالموانئ البحرية المهمة في الشرق الأوسط.
فالصين في حاجة شديدة لشراكة حقيقية في قطاع النفط مع العديد من دول الشرق الأوسط وخاصة الدول العربية الغنية بالنفط. ولتخفيف مخاوف الصين في التعامل مع المنطقة يمكن النظر في توقيع اتفاقيات طويلة الأجل تشمل الشراء والاستثمار والتنقيب وتبادل الخبرات التكنولوجية والإدارية (18)، على أن تحمي هذه الاتفاقيات بإطار قانوني جيد يضمن مصالح الطرفين، فوجود شراكة نفطية طويلة الأجل تحميها القوانين الاستثمارية والتجارية الدولية وفي مقدمتها قوانين منظمة التجارة العالمية ستجعل من التحرك الصيني في المنطقة أكثر سهولة. ويبقي الشرق الأوسط المنطقة الوحيدة في العالم القادرة حتى الآن على سد احتياجاتهم النفطية في المستقبل،إذ تتجاوز الاحتياطيات المؤكدة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وحدها حاجز 800 مليار برميل مما يؤهلها للاستمرار في الإنتاج لمائة عام قادم. بالإضافة إلي احتياطيات العديد من الدول العربية.
ومن أجل تيسير العلاقات الاقتصادية بين بلدان المنطقة والصين، عقدت الأخيرة اتفاقات مقايضة للعملات الصينية مقابل الدولار مع عدة دول بالمنطقة، كالإمارات وقطر. وقد دشت الأخيرة خلال الشهر الماضي مركزًا لمقاصة للعملة الصينية (رنمينبي) على مستوى الشرق الأوسط لتقديم خدمات التسوية المالية بعملة اليوان في المنطقة(19).
في هذا الإطار، أعلنت بكين عن الإسراع فى وتيرة المفاوضات الخاصة بانشاء منطقة تجارة حرة مع دول الخليج لتقليل رسوم استيراد البترول والغاز، بالإضافة إلى أن الحكومة الصينية تحث شركاتها لضخ مزيد من الاستثمارات فى المنطقة، فالشركات الصيينة خصصت 22% من إجمالى استثماراتها إلى الشرق الأوسط عام 2014. كما قدرت الاستثمارات الصينية لإنشاء مشروعات للبنية التحتية فى المنطقة خلال العقد الماضي بـ30 مليار دولار.
البنك الآسيوي للاستثمار فى البنية التحتية وفرص تمويلية كبرى لدول الشرق الأوسط
في أكتوبر الماضي، أعلنت الصين عن تأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، بشراكة 20 دولة آسيوية، على رأسهم الهند، كما شاركت به من دول الخليج العربي، قطر والكويت والإمارات، ومن خارج آسيا انضمنت إليه أستراليا وبريطانيا ومصر.
ولا شك أن إعلان الصين لتأسيس بنك إستثمار في البنية التحتية، لخدمة الاحتياجات التمويلية لمشروعات البنية التحتية للدول الآسيوية والدول النامية، ومع تزايد ترحيب الدول بالبنك الجديد، إلا أن هناك تخوف كبير يطرح نفسه على الساحة الدولية(20)، ألا وهو أنه على الرغم من امتلاك الصين المال والخبرة في مجال استثمارات البنتية التحتية ومشروعات التنمية، فإنها لا تملك الخبرة الكافية في مجال التمويل الدولي، وإدارة مؤسساته خاصة إذا ما قورنت بالبنك وصندوق الدوليين، وبالتالي فإن نجاح هذه الخطوة ليس محسوما، وربما لن يحسم إلا على المدى المتوسط، فيما أيضا لاقى تأسيس المؤسسة التمويلية الجديد، التي تبدو في نشأتها كيانًا منافسًا للمنظمات الدولية التقليدية (صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي)، استهجانًا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية(21).
من الواضح أن البنك الناشئ سيواجه عدة تحديات وعلى رأسها أن مشروعات البنية التحتية تحتاج لفترات طويلة حتى يتسنى لها توليد أرباح ومن ثم تسديد القروض، وهذا التخوف مردود عليه بأن تتأنى إدارة البنك قبل اتخاذ قرار الإقراض ولكن هذا التأنى فى حد ذاته يمثل تحديًا لدور البنك، فهذا التأنى سيحد من نطاق المشروعات التى يمولها البنك وهذا لن يتوافق مع هدف الصين فى تلبية الاحتياجات المالية الضخمة التى لم يقم بتلبيتها بنك التنمية الآسيوى. ناهيك عن أن البنك يحتاج لوقت ومفاوضات طويلة لكى يتم الاتفاق على قواعد العمل فيه وبدء العمل بصورة فعلية، مما يجعل هناك مبادرات صينية تعمل بشكل أسرع منه وعلى سبيل المثال صندوق طريق الحرير الجديد والذى أعلن الرئيس الصينى عن تمويله ب40 مليار دولار، سيتم تخصيصها بشكل ثنائى من الصين إلى دول طريق الحرير لتمويل مشروعات البنية التحتية المتعلقة بهذه المبادرة(22).
وفى هذا الإطار، أعلنت بكين عن الإسراع فى وتيرة المفاوضات الخاصة بإنشاء منطقة تجارة حرة مع دول الخليج لتقليل رسوم استيراد البترول والغاز، بالإضافة إلى أن الحكومة الصينية تحث شركاتها لضخ مزيد من الاستثمارات فى المنطقة، فالشركات الصيينة خصصت 22% من إجمالى استثماراتها إلى الشرق الأوسط عام 2014. كما قدرت الاستثمارات الصينية لإنشاء مشروعات للبنية التحتية فى المنطقة خلال العقد الماضى بـ30 مليار دولار(23).
فعلى الرغم من وجود منتدى التعاون الصينى-العربى ومنتدى التعاون الصينى- الأفريقى لتنشيط التعاون بين الجانبين، فإن الاهتمام الصينى المكثف بدول الخليج أحدث بعض من عدم التوازن فى العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، فعلى سبيل المثال تبلغ الاستثمارات الصينية فى السعودية عام 2012 فى مجال الطاقة والمعادن (12.9 مليار و5.2 مليار دولار على التوالي)، فى حين تبلغ الاستثمارات الصينية فى مصر نحو نصف مليار دولار(24).
ومن أهم المبادرات التي تم الاعلان أخيرًا عنها لتلافى عدم التوازن وتعزيز الشراكة الاقتصادية والاستثمارية بين الجانبين هى إحياء طريق الحرير الجديد والذى سيمر بريًا بدول كالعراق وسوريا، وبحريا بميناء عدن والبحر الأحمر، والذي يمثل فرصة لزيادة التبادل التجاري وتدفق الاستثمارات الصينية لإنشاء الطرق والموانئ وشبكات السكك الحديد في دول المنطقة(25).
الصين وباكستان ومشروع ” الممر الاقتصادي الكبير “
في 20 أبريل الماضي أعلنت بكين أثناء زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ لباكستان عن إنشاء مشروع اقتصادي ضخم بقيمة 46 مليار دولار بما يسمى مشروع “الممر الاقتصادي “بين الصين والشرق الأوسط عبر باكستان” ، حيث إن مسئولين صينيين وباكستانيين وقعوا 50 اتفاقًا مبدئيًا لتطوير مشاريع طاقة وبنى تحتية بقيمة 46 مليار دولار، ويندرج الممر الاقتصادي الذي يربط غرب الصين بميناء جوادور على بحر العرب، ضمن خطة أكبر لتوسيع التجارة الصينية ونفوذها في آسيا الوسطى وجنوب غربي آسيا مع تسهيل وصولها إلى موارد النفط في الشرق الأوسط، والحد من اعتمادها على النقل البحري(26).
وقد كانت الاتفاقات الموقعة تنص على تزويد الصين باكستان ثماني غواصات حديثة تصل قيمتها إلى خمسة مليارات دولار، إضافة الى تدشين خط الحرير الجديد بين الصين وميناء جوادور على بحر العرب، والذي يشكل مركز وعصب الاستثمارات الصينية المتدفقة على باكستان، ومن المتوقع أن يكلف خط الحرير الواصل من كاشغر في الصين إلى ميناء جوادور الباكستاني 28 مليار دولار، حيث تقيم الصين خطًا بريًا دوليًا بين البلدين، إضافة إلى سكة حديد لنقل البضائع الصينية لتمكينها من الوصول إلى الشرق الأوسط وأفريقيا بالسرعة المطلوبة، فضلًا عن عدد من الاستثمارات الصينية في مجال الطاقة والتعدين والتصنيع في باكستان، وقد تحدثت العديد من التقاري عن إمكانية تمويل الصين مشروعَ خط أنابيب الغاز الإيراني – الباكستاني الذي تسعى باكستان إلى إكماله بعد إنهاء العقوبات الدولية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي.
ولكن تصطدم خطة بكين لإنشاء الممر الاقتصادي بمشكلة إقليم بلوشستان الذى يقع في قلب إستراتيجية بكين لإقامة “الممر الاقتصادي” بسبب المتمردين الانفصاليين في هذا الإقليم الباكستاني الذين يرفضون في الوقت الحالي أي مفاوضات من أجل السلام، حيث إن ميناء جوادور وقسم من الممر الاقتصادي الذي تخطط له الصين يقع في إقليم بلوشستان الأكبر مساحة والأقل تقدمًا في باكستان على الرغم من موارده الهائلة من الغاز والمناجم. فمنذ استقلال باكستان في عام 1947، شهد إقليم بلوشستان أربع مراحل تمرد، بدأ آخرها وأطولها قبل عشر سنوات. حيث يعارض المتمردين تطوير ميناء جوادور ويشترطون لذلك «استقلال» الإقليم، ولم يترددوا في الماضي بتفجير أنابيب أو قطارات وحتى قتل مهندسين صينيين.
والجدير بالذكر فى هذا السياق أن كلا الجانبان قد أكدا خلال تلك الزيارة على إنشاء تحالف وشراكة استراتيجية في كل الظروف والأحوال وفي كل المجالات، الأمر الذي قد يثير مخاوف الهند الخصم التقليدي لكلا البلدين، كما قد يثير مخاوف الولايات المتحدة الأمريكية، بما يؤكد على رغبة الصين فى تعزيز سياسات التعاون والتقارب مع دول الشرق الأوسط عن طريق توظيف أدواتها الاقتصادية وقدراتها الاقتصادية والتمويلية الضخمة، بما يزيد التكهنات حول احتمالات خلق واقع اقليمى جديد فى المنطقة، وأن يصبح الشرق الأوسط ساحة للتنافس والصراع بين واشنطن وبكين.
إذن فالصين تعد من أهم الشركاء الاقتصاديين للمنطقة بالفعل، وستتعاظم أهميتها وتتوطد العلاقات الاقتصادية بشكل أكبر خلال الفترة القادمة، فدول الشرق الأوسط تحتاج الدعم الصيني لتنفيذ عدة مشروعات مشتركة تساعد فى دفع عجلة التنمية، والصين تحتاج لتأمين مصادر طاقتها فى المنطقة وأسواق لمنتجاتهاز ويعزز الشراكة الاقتصادية الصينية فى المنطقة أنها على وفاق مع اللاعبين الأساسيين، ويرجع ذلك للحضور السياسي والأمني المكثف للولايات المتحدة، والذي لا يتيح مجالا كبيرا للصين لتحمل الأعباء السياسية للمنطقة(27) .
أ- الفرص في مجال التعاون السياسي
إن التغيرات في المشهد الدولي وتصاعد حدة التنافس بين القوى الدولية من جهة وتشابك علاقاتها من جهة أخرى، وفي ظل التحديات الداخلية والإقليمية والدولية أمام الصين وبالنظر إلى التحولات الكبيرة الناجمة عن ثورات الربيع العربي في المنطقة ومواقف الصين تجاهها خاصة مع بروز الإسلام السياسي كقوة مهمة في المشهد وما يعنيه ذلك من تنامي القلق لدى بكين والذي عبّرت عنه معظم وسائل الإعلام الصينية، كل ذلك لن يؤدي إلى تغيرات جذرية وجوهرية على سياسة الصين تجاه المنطقة وقضاياها، لكنها سيجعلها بالتأكيد فى حاجة إلى إعادة صياغة خطابها السياسي ليكون أكثر وضوحًا وربما تضطر بكين إلى الخروج أحيانًا من حالة عدم الثبات السياسي أو التردد تجاه العديد من القضايا المثارة على الساحة الإقليمية بما يتلائم مع التطورات الجارية(28).
لقد كان اعتماد الصين فيما مضى على” الصبغة البراجماتية” في علاقاتها العالمية، وتميل إلي زيادة وتعميق روابطها الدولية، أو التمسك بقواعد التعامل الدولي. وأسباب هذه التوجهات نابعة من التطلع إلي أداء أدوار عالمية، وعدم جدوى تصعيد حدة المجابهة مع القوى الإقليمية والعالمية، مع ما يميز السياسة الصينية من الامتناع عن فرض إملاءات تتعلق بالشئون الداخلية للدول.
وقد كان أمن الطاقة من حيث المصادر وطرق الإمداد سيظل المحرك الرئيسي للسياسة الصينية تجاه المنطقة، ولهذا فإنها لا يمكنها أن تتخلى تمامًا عن النفط الإيراني وتضع كل بيضها في سلة دول الخليج لأنها تدرك أن دول الخليج ستكون أكثر تكيفًا مع المطالب الأمريكية عندما تستدعي الظروف. وهي كذلك لا يمكن أن تعتمد بشكل كامل على النفط الروسي حتى وإن نجحت بمد أنابيب بين الجانبين؛ وذلك لأسباب إستراتيجية(29).
قد تسعى الصين إلى تعزيز حضورها في القطاعات الإنتاجية للنفط في منطقة الشرق الأوسط إعتمادًا على أسعارها التنافسية وشروطها المقبولة بشكل أكثر من الشركات الغربية. كما أنها من المتوقع أن تواصل السعي لوجودها العسكري من خلال زيادة قواتها المشاركة في عمليات حفظ السلام أو مكافحة القرصنة، وفي نفس الوقت السعي لإيجاد قواعد عسكرية لحماية إمدادتها النفطية. وقد بدأت بالفعل مفاوضات مع باكستان وأخرى مع سيشل في الوقت الذي تقوم فيه بتطوير قدراتها البحرية وبناء حاملة طائرات.
وبمحاولة إلقاء الضوء على طبيعة المواقف والتوجهات السياسية الصينية تجاه قضايا الشرق الأوسط المثارة حاليًا، يتبين لنا أنه مع إلغاء الرئيس الصيني تشي جين بينغ لزيارته لمصر والسعودية التى كانت مقررة أوائل شهر أبريل الماضي نتيجة لعملية عاصفة الحزم والعمليات العسكرية فى اليمن، إنما يدل على رغبة بكين فى عدم الانغماس بشكل مباشر بقضايا الشرق الأوسط الملتهبة، بما يشير إلى احتمالية غياب كبير للنفوذ السياسي في المنطقة المضطربة في الفترة المقبلة.
فعلى الرغم من اهتمام بكين المعتاد بقضايا الشرق الأوسط، فإنها فى الفترة الحالية تنتابها العديد من المخاوف من العناصر الدينية المتطرفة في المنطقة، وأن يكونوا مصدر إلهام للانفصاليين المسلمين غرب الصين.
وعلى الرغم من دعوة الرئيس الصيني تشي جين بينغ لأن تكون السياسة الخارجية الصينية أكثر استباقية، فإنه من الملاحظ أن السياسة الخارجية الصينية أصبحت أكثر اهتمامًا بالمجالات الناعمة والآمنة للسياسة الدولية مثل التنمية الاقتصادية، ومكافحة القرصنة، وعمليات حفظ السلام فى الأمم المتحدة، فهي لا تسعى أن تنفق موارد مادية أو بشرية لمكافحة التطرف خارج حدودها أو الدخول في صراعات أهلية دموية، أو حتى تتوسط فى النزاعات الإقليمية، حيث تسعى بكين دائمًا الى تجنب القضايا السياسية الأمنية الصعبة مما قد يشكل تحجيمًا كبيرًا لنفوذها الجيوسياسي فى العديد من من مناطق العالم وخاصة منطقة الشرق الأوسط المضطرب(30).
وبالنسبة إلى الشرق الأوسط نلاحظ أن نفوذ بكين السياسي تجاه العديد من القضايا الإقليمية الساخنة هامشي لحد كبير بإستثناء المبادرة التى طرحها وزير الخارجية الصيني في أكتوبر 2012 لحل الأزمة السورية ومنع إراقة الدماء والى سميت بمبادرة ” النقاط الأربع” ولكنها لم تلق اهتمامًا دوليًا كبيرًا حينها، حيث اعتبرها العديد من المراقبين على أنها محاولة لتعزيز سمعة بكين بعد اتهامها بالوقوف بجانب روسيا لمنع صدور أي قرار من الأمم المتحدة لإنهاء إراقة الدماء في سوريا، وتكمن الإشكالية الكبرى في الموقف السياسي لبكين في أنها لا ترغب في اتخاذ موقف صريح في منطقة دائما ما تتطلب ذلك. وعلى النقيض من ذلك، تتبين لنا تعهدات واشنطن بالتزامات كبيرة في المنطقة، حيث تبقى الولايات المتحدة الضامن الأساسي للأمن الخارجي للمملكة العربية السعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي. حيث يحمي الوجود البحري الأمريكي المسيطر حرية تدفق النفط من المنطقة، كما يضمن التقدم والنمو الاقتصادي للعديد من الدول في المنطقة، وظلت الولايات المتحدة تشارك بفاعلية في المهمة الصعبة المتمثلة في محاولة التوسط بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وعلى الرغم من الاستثمار الأمريكي الكبير حتى الآن، فإن شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ينتقدون إدارة الرئيس الأمريكي أوباما لرفضها اتخاذ إجراءات أكثر حسمًا عبر مجموعة من الصراعات الإقليمية. حيث تحتاج المنطقة بشدة إلى قوة عظمى، وإذا أرادت الصين اللعب على هذا المستوى، فإنه يجب عليها عليها أن تتخذ موقفا واضحًا(31).
ومن الصعوبة أن نرى كيف يمكن للرؤية الصينية التي تعتمد على تجنب المخاطر أن تنقلها إلى ممارسة دور قيادي في أي من النزاعات المتصاعدة في المنطقة. وستكون المواءمة الأصعب التي على بكين أن تقوم بها هي محاولة الحفاظ على علاقات جيدة مع كل من الرياض وطهران وسط تصاعد المنافسة الإقليمية والطائفية. فأكثر ما يقلق المملكة العربية السعودية هو الاتفاق النووي الإيراني، والذي قد ينتهي بحلول نهاية يونيو القادم ، والمتوقع بمقتضاه رفع العقوبات المالية والنفطية، مما يعطي طهران الموارد اللازمة لتعيث بالمزيد من الفوضى الإقليمية من خلال حلفائها ووكلائها في اليمن وسوريا ولبنان والعراق. فغالبية الأموال الجديدة التي تتدفق إلى إيران تأتي من الصين، أكبر شريك تجاري لطهران. فبعد أيام من التوصل إلى الاتفاق النووي الإيراني في أوائل إبريل الماضى، كان وزير النفط الإيراني في رحلته إلى بكين. والسؤال الآن: هل يمكن للصين بالفعل أن تحل محل الولايات المتحدة كضامن للأمن في منطقة الخليج عندما يقومون بالتعامل مع تهديداتهم الأكثر أهمية؟
أما بالنسبة إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فإن الصين غير ظاهرة تماما. فالأعضاء الأربعة الدائمين الآخرين في مجلس الأمن للأمم المتحدة يلعبون دورا كبيرًا ومهما في عملية السلام. ففي حين أن الولايات المتحدة هي الوسيط الأساسي، فإن الدول الأوروبية الرئيسية بما في ذلك فرنسا وبريطانيا تتحملان المسئولية في الاتحاد الأوربي عن تقديم حوافز ومساعدات اقتصادية كبيرة لكلا الجانبين، في الوقت الذي يدعم الروس الفلسطينيين بانتظام. أما الصين فتبقى العضو الوحيد في مجلس الأمن الذي يكون محايدًا ويفشل في أن يكون إلى جانب هذا أو ذاك(32).
والجدير بالذكر فى هذا الإطار أن بكين قد بدأت بالشروع في دبلوماسية أكثر استباقية في المنطقة. وقد شمل ذلك تعدد الزيارات رفيعة المستوى، وكان من بينها أول زيارة من قبل وزير خارجية الصين للعراق منذ 23 عاما في فبراير 2014، وتعزيزها المشاركة مع المنظمات الإقليمية مثل جامعة الدول العربية، والاختيار الصائب لتسعة بلدان في منطقة الشرق الأوسط، منها مصر وإيران والمملكة العربية السعودية، للاشتراك كأعضاء مؤسسين في بنك الاستثمار في البنية التحتية الآسيوي الجديد الذي تشرف عليه الصين. ولكن تبقى المعضلة الرئيسية، والمتمثلة في أنه من المستحيل تقريبا الحصول على رضا جميع الأطراف والاستمرار كلاعب أساسي في منطقة الشرق الأوسط.
لكن مع التطورات الأخيرة بمنطقة الشرق الأوسط يبدو أن الصين بدأت بتوسيع رؤيتها لمفهوم الأمن القومي آخذة فى الحسبان النمو المطرد لاقتصادها، وتضخم دائرة المصالح الصينية في الخارج، وظهور “أمن الطاقة” كأحد أهم ركائز الأمن القومي الذي يضمن استمرار عجلة الاقتصاد الصيني بالدوران، ونتيجة لذلك يتضح أن اهتمام الصين بمنطقة الشرق الأوسط سيكون أكبر من السابق – لكن بدون التدخل الفاعل في قضاياها مراعاة للأسس التي تحكم سياستها الخارجية- لأنها أهم مصدر من مصادر الطاقة في العالم كما أنها أحد أهم الأسواق الاستهلاكية(33).
وفي هذا السياق يمكن القول؛ إن حجم التبادل التجاري مع أية دولة هو بمثابة المقياس لمستوى تطور العلاقات مع الآخرين من وجهة النظر الصينية، حيث سيطرت العلاقات الاقتصادية على معظم تحركات الصين وسلوكها السياسي في منطقة الشرق الأوسط في تأكيد على تصدر هذه العلاقة أجندة أولويات صنّاع القرار الصينيين.
لقد كانت بكين إذا ما اضطرتها الظروف الإقليمية أو الدولية الضاغطة لأن تقوم بتحديد موقف واضح، وتقوم بذلك وفق خطوات حذرة ومحسوبة، أو أنها تتجه الى التموضع في المنطقة الرمادية غير واضحة المعالم، وقيامها بدعوة الأطراف المعنية بأية نزاع أو أزمة إلى الحوار والتفاوض دون تقديم أية مبادرات؛ فالمنطقة – طبقًا للرؤية الصينية- مليئة بالمتناقضات الدينية والعرقية وتعد بؤرة خطرة في الصراع والتنافس الدولي، والإنغماس فيها محفوف بالمخاطر والتحديات وتحتاج إلى العديد من الأدوات السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والإعلامية التي لم تمتلكها بكين بعد بشكل كامل.
ثالثًا: الإشكاليات (التحديات )
على الرغم من جملة الفرص التي تم طرحها لتعزيز العلاقات الصينية الشرق أوسطية، فإن هناك عددا من الإشكاليات التي يجب النظر إليها بجديه وتفحص..ولعل أبرز تلك الإشكاليات ما يلي:
1- تتنوع اتجاهات دول منطقة الشرق الأوسط في تعاملها مع الصين، بالإضافة إليىأنه لا يوجد سياسة شرق أوسطية شاملة أو موحدة تجاه الصين. فبسبب تنوع اتجاهات دول المنطقة في تعاملها مع الصين، هناك دول كالدول العربية تركز في المقام الأول على تكثيف التعاون في المسائل السياسية مثل سوريا والسلطة الفلسطينية، ومنها دول تركز على تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الابتعاد عن الجوانب السياسية مثل المغرب واليمن وإيران، ودول أخرى تجمع بين الاتجاهين مثل مصر..
1- اعتماد الطرفين الشرق أوسطى والصيني على مصادر المعلومات والإعلام الغربي في تشكيل رؤيته ومعلوماته عن الآخر، وخصوصا الوسائل التي تسيطر عليها الولايات المتحدة وبريطانيا (CNN وBBC)، والذي يتسبب في:
أ- نقل الصور المشوهة، وتنشئان سوء الفهم لدى كل طرف عن الآخر، مما يزيد الجهل بالطرف الآخر ويعقد العلاقة.
ب- علاقات الصين بدول الشرق الأوسط ودورها المستقبلي في العلاقات الدولية يستلزم وضوح الرؤية ضد محاولات التشويه والتشويش التي تقوم بها عناصر دولية معادية، بهدف بث الفرقة والتشكيك والاختلافات في علاقات الطرفين”.
ج- إعطاء الانطباع الخاطئ للقيادات والمفكرين الصينيين عن منطقة الشرق الأوسط ودفعهم للابتعاد عن الخوض في سياساتها، حيث تعرف المنطقة وفق هذه المصادر، بأنها منطقة مضطربة وفيها توقع غير المتوقع ، وقضايا المنطقة معقدة جدا ولا يمكن حلها ، والمنطقة مليئة بالمخاطر والجهل، حيث تعتبر المنطقة منبع الإرهاب في العالم سواء الإرهاب الأصولي أو الراديكالي.
-3تطور العلاقات الصينية – الإسرائيلية فالعلاقات الصينية – الإسرائيلية التي نشأت في عام 1992 متطورة بصورة سريعة، ومتعددة المجالات الزراعية والثقافية وفي المجال العسكري بشتى فروعه، وهو ما يمثل ضغطا أحيانا على الصين في مواقفها السياسية الداعمة للقضايا العربية. حيث تحرص الصين على علاقات متوازنة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإسرائيل هي أحد أهم مصادر التكنولوجيا العسكرية المتقدمة والتكنولوجيا الزراعية للصين كما أنها أحد مصادر الاستثمارات، في ضوء صعوبة حصول الصين على التكنولوجيا العسكرية المتطورة من الغرب من ناحية، ومن ناحية ثانية تنامي حجم الاستثمارات الإسرائيلية في الصين وهونج كونج في العديد من المجالات. وعلى الرغم من وجود حدودا للعلاقات الصينية – الإسرائيلية نظرا للعلاقة الوثيقة بين إسرائيل والولايات المتحدة وهو ما تدلل عليه قرار إسرائيل) تحت ضغوط أمريكية لإلغاء بيع فالكون للإنذار المبكر المحمول جوا نظام رادار للصين في يناير2000 وقرارها بعدم إعطاء الطائرات بدون طيار للصين في عام 2004. إلا أنه يظل الخوف من تطور العلاقات الصينية – الإسرائيلية قائما مع تطور هذا التعاون أو تحويله إلي تحالف إستراتيجي.
4- وتوجد العديد من التحديات لهذه الشراكة، فعلى الصعيد السياسى يمكن رصد أهم الاشكاليات فى علاقة الصين بإيران واسرائيل وهو ما قد لا يروق لمعظم الدول العربية، فالصين ترى إيران لاعبا أساسيا فى المنطقة(34)، وإيران ترى فى الصين فرصة لتعزيز نموها والتغلب على العقوبات المفروضة عليها، فكلا البلدين ترتبطان بعلاقات اقتصادية وعسكرية وثيقه، فالشركات الصينية وجدت في السوق الإيراني سوقا مفتوحا لها ونسب المنافسة فيه منخفضة للغاية، فضلًا عن أن التعاون العسكري بين الجانبين قد يمثل عامل قلق لباقي دول المنطقة، فالصين قد ساعدت إيران بشكل كبير لتطوير قدراتها التسليحية خاصة فى صناعة الصواريخ ونتيجة للعقوبات الأمريكية الصارمة التي فرضت فى منتصف عام 2012 على الشركات الصينية التى تتعامل مع ايران، فقد انخفضت الواردات الصينية من النفط الإيراني بنسبة 24.5% عام2013 مما أدى لزيادة وارداتها من النفط الخليجي، وأدت العقوبات أيضًا إلى إلغاء تنفيذ عدد من المشروعات الضخمة وانخفاض التجارة البينية بين الجانبين بنسبة 12% عام2013، ولكن هذا بالتأكيد لا يعني أن الصين قد تخلت عن إيران.
أما عن علاقة الصين الاقتصادية بإسرائيل(35)، فهي الأخرى علاقة قوية، فقد سجل معدل التبادل التجاري بين الجانبين عام 2013 نحو 8 مليارات دولار، فضلًا عن التعاون العسكري القوي بين الجانبين. وكعادتها لتوازن ذلك، فالصين أيضًا لديها علاقات تعاون عسكري مع باقي دول المنطقة، فالمبدأ الحاكم للصين في الشرق الوسط هو علاقات متوازنة مع الجميع.
5- وهناك تحدٍّ آخر سيكون من الصعب التعامل معه وهو عدم الاستقرار الأمني في عدد من دول المنطقة، فقد أضطرت الصين إلى إجلاء أكثر من 35 ألف صيني من ليبيا بعد تدهور الوضع الأمني، ويرى العديد من المحللين أن الصين قد أدركت أن عمليات الإجلاء البري والبحري مكلفة، وتكبد بسببها مستثمريها وعمالها خسائر طائلة، مما قد يؤثر سلبًا على علاقات التعاون الاقتصادي بين الجانبين. ناهيك عن التحدي الخاص بالخلل في الميزان التجاري مع معظم دول المنطقة لمصلحة الصين، وعدم عدالة توزيع الاستثمارت الصينية كما أسلفنا الذكر، لذا يتعين على الجانب الصيني فتح أسواقه بشكل أكبر لمنتجات الدول التي تعاني من عجز تجاري مع الصين، وضخ مزيد من الاستثمارات بشكل أكثر توازنًا في عدد من دول المنطقة، وهذا ما أشار إليه وزير التجارة الصيني في كلمته خلال مؤتمر دعم الاقتصاد المصري الأخير بشرم الشيخ.
6- هناك صعوبة في اللغة الصينية لدى دول المنطقة مما يحول دون انتشارها في المنطقة. وإن كانت اللغة الإنجليزية يمكن أن تعد لغة مشتركة للتفاهم بين الطرفين.
7- الولايات المتحدة تحرص على الحد من التوسع فى مجالات التعاون الصيني الشرق أوسطي خاصة في المجالات التكنولوجية ومجال الطاقة ومجال التعاون العسكري لاعتبارات تتعلق بالإستراتيجية العالمية للولايات المتحدة وسياستها في منطقة الشرق الأوسط.
8- المستقبل قد يحمل احتمالات غير متوقعة تؤثر سلبا على علاقات الطرفين بسبب الآثار السلبية لحركات العمالة وانتقال الأفراد لدى الجانبين، فمع الانفتاح الصيني أصبح كثير من الصينيين راغبين في الهجرة وتمثل المنطقة قوة جذب لهم، وبعضهم ليست لديه إقامة مشروعة، كذلك الأمر بالنسبة لتدفق العرب على الصين وبخاصة المدن الجنوبية للتجارة والإقامة. وهذا يثير حساسية لدى الطرفين ويحتاج إلى آلية لمعالجتها.
9- من الإشكاليات ذات الصلة أن الثقافة الصينية شأنها شأن الثقافة في عديد من دول جنوب شرق آسيا تنهض في أحد جوانبها التقليدية على الشك في الغرباء والتوجس منهم. فالصينيون لا يعطون ثقتهم للغرباء ولا يبدون نيّات حسنة ومبادرات طيبة على امتداد فترة طويلة من الزمن.
ختامًا يمكن القول، إن العامل الأساسي الذي يحكم سياسة بكين تجاه الشرق الأوسط هو عدم التدخل، وأنها تحاول أن تحتفظ بعلاقات جيدة ومتوازنة مع كل الأطراف، وهذا ما يراه البعض تناقضًا، في حين أن الجانب الصيني يرى أن هذا ليس نهجًا متناقضًا بل براجماتي، فالصين مدركة تماما للدور الأمريكي الحاسم في المنطقة، وأنها لا تستطيع – ولا تريد حاليًا – أن تحل محل الولايات المتحدة كطرف فاعل في النزاعات القائمة في الشرق الأوسط، ومع ذلك فإن الشرق الأوسط يعد إحدى أهم المناطق الإستراتيجية لبكين، حيث إنه مصدر الطاقة الأساسي لها، لذا فإنها تعمل على تعزيز وضعها في المنطقة من خلال تقوية وتدعيم علاقاتها الاقتصادية بدول المنطقة ودول الخليج بشكل خاص، فالصين شريك اقتصادي رئيسي سواء على الصعيد التجاري أو الاستثماري لكل دول المنطقة، وإن كان يؤخذ عليها تركيز استثماراتها في دول الخليج أكثر من غيرها.
وبما أن الصين قوة صاعدة تعمل على تعزيز وضعها في النظام العالمي وفي مناطق العالم المختلفة وعلى رأسها الشرق الأوسط، فقد ظهر في هذا الإطار مبادرة الصين لإنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، والذي سيوفر فرصا تمويلية لعدد من المشروعات الضخمة التي تحتاجها عدد من الدول النامية، ومن بينها دول الشرق الأوسط إضافة إلى المشروع الاقتصادي الضخم الذي يجمع بين الصين وباكستان ” مشروع الممر الاقتصادي” والذي من المتوقع أن تكون له فوائد اقتصادية هائلة لإسلام آباد، والذي بمقتضاه قد تتحول إلى مركز للاقتصاد الإقليمي بمنطقة الشرق الأوسط.
المراجع
1. – ياسر علي هاشم ، مستقبل الصين في النظام الدولي الجديد ، (القاهرة : دار المعارف،2004) .، ص17
2. -عزت شحرور، الصين والشرق الأوسط: ملامح مقاربة جديدة، 11/6/2012، متاح على الرابط التالىhttp://studies.aljazeera.net/reports/2012/06/2012611142554206350.htm
3. الصين :حقائق وأرقام 2004، (القاهرة: دار النجم الجديد،2004)، ص3.
4. الصين :حقائق وأرقام 2004، (القاهرة: دار النجم الجديد،2004)، ص3.
5. – الصين :حقائق وأرقام 2004، مرجع سابق، ص3.
6. دانييل بورشتاين، أرنيه دي كيزا، التنين الأكبر:الصين في القرن الحادي والعشرين، شوقي جلال(مترجم)، سلسلة عالم المعرفة،( الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب)،العدد 271، يوليو 2001، ص 111.
7. دانييل بورشتاين،ارنيه دي كيزا، التنين الأكبر:الصين في القرن الحادي والعشرين، مرجع سابق، ص55
8. “سياسة الصين الخارجية وتعزيز الدور الدولي” ، التقرير الإستراتيجي العربي ، 2006 -2007 ، ( القاهرة: مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام)، 2007، ص 64 .
9. لي يي يننج،” 30 عامًا من الإصلاح والانفتاح الصيني”، دراسة غير منشورة باللغة الإنجليزية والعربية،2008، ص ص 3- 4 . لي يي يننج، نائب رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس السياسي الاستشاري، والعميد الشرفي لكلية إدارة الأعمال بجامعة بكين والأستاذ بالجامعة.
10. Wang Mengkui & other , China’s Economy, ,Liu Bingwen (translator),china Basics Series, China intercontinental press,2006,p 12.
11. أحمد السيد النجار ،” الصين والقفزة الاقتصادية العملاقة” ، كراسات إستراتيجية ، ( القاهرة : مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية ، العدد 179، سبتمبر 2007 )، ص5.
12. M. Taylor Fravel, “China’s Search for Military Power”, The Washington Quarterly, Summer 2008
13. ليوسية تشنج، لي شي دونج ( محرران)،الصين والولايات المتحدة الأمريكية: خصمان أم شريكان،عبد العزيز حمدي(مترجم)،( القاهرة : المجلس الأعلى للثقافة، العدد 478، 2003).،ص 60-63.
14. أحمد دياب،” العلاقات الصينية – الأمريكية بين التعاون والصراع”، السياسة الدولية العدد173 يوليو 2008، المجلد 43، ص ص 122-123
15. د. السيد أمين شلبي، “هل الصعود الصيني تهديد للولايات المتحدة”، السياسة الدولية ، العدد 165 يوليو 2006، ص 29 .
16. آرش مهرمنش مردم، الفرص والتحديات في علاقات إيران والصين، مختارات إيرانية ، العدد88، نوفمبر 2008 ، ص 93.
17. أحمد السيد النجار، الصين والقفزة الاقتصادية العملاقة، كراسات إستراتيجية، مرجع سابق، ص 40 .
18. Ted C. Liu, China’s Economic Engagement in the Middle East and North Africa, January 2014, p2, retrieved from http://fride.org/descarga/PB_173_China_economic_engagement_in_MENA.pdf
19. Ibid, p2.
20. Why China is creating a new “World Bank” for Asia, 11/11/2014, retrieved from http://www.economist.com/blogs/economist-explains/2014/11/economist-explains-6
21. Michelle FlorCruz and Jacey Fortin, The Takeover: Stable China Looks To Volatile Middle East For Investment Opportunities As West Backs Away, 11/5/2013, retrieved from http://www.ibtimes.com/takeover-stable-china-looks-volatile-middle-east-investment-opportunities-west-backs-away-1249621
22. Yun Sun, China’s AIIB challenges 11/3/2015, retrieved from http://csis.org/publication/pacnet-16-chinas-aiib-challenges
23. Gabriel Domínguez, Ju Juan, Soft power – China’s expanding role in the Middle East, 4/2/2015, retrieved from http://www.dw.de/soft-power-chinas-expanding-role-in-the-middle-east/a-18233271
24. Michelle FlorCruz and Jacey Fortin, , Op.Cit.
25. Shannon Tiezzi, China Seeks Expanded Role in Middle East, 4/6/2014, retrieved from http://thediplomat.com/2014/06/china-seeks-expanded-role-in-middle-east/
26. Ilan Goldenberg, Ely Ratner, China’s Middle East Tightrope, 20/4/2015, retrieved from https://foreignpolicy.com/2015/04/20/china-middle-east-saudi-arabia-iran-oil-nuclear-deal/
27. Gabriel Domínguez, Ju Juan, Op.Cit.
28. David Schenker, China-Middle East Relations: A Change in Policy?,18/3/2013, retrieved from http://carnegieendowment.org/2013/03/18/china-middle-east-relations-change-in-policy/g0uq
29. Gabriel Domínguez, Ju Juan, Op.Cit
30. Ilan Goldenberg, Ely Ratner, Op.Cit.
31. Ibid
32. Ibid
33. Shannon Tiezzi, , Op.Cit.
34. Scott Harold, Alireza Nader, China and Iran: Economic, Political, and Military Relations, USA,CENTER FOR MIDDLE EAST PUBLIC POLICY,2012), p7.
35. Aron Shai, The Evolution of Israeli-Chinese Friendship, Research Paper No. 7,(Tel Aviv: The S. Daniel Abraham Center
for International and Regional Studies, July 2014), p24
محمود صافي محمود
المركز العربي للبحوث والدراسات