حرب استخباراتية بين روحاني والحرس الثوري

حرب استخباراتية بين روحاني والحرس الثوري

 يشتد الصراع بين أجنحة النظام الإيراني عقب الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي تعصف بالبلاد منذ بدء سريان عقوبات أميركية قاسية خلال أغسطس الماضي. وأقر الرئيس الإيراني حسن روحاني، السبت، بتعرضه لضغوط من الإصلاحيين والمحافظين بشأن طريقة تعاطيه مع الأزمة الاقتصادية. وقال “لا يمكننا محاربة واشنطن واليسار واليمين في نفس الوقت. لا يمكن أن نحارب على ثلاث جبهات”.

ويشير مراقبون إلى أن الأزمة التي تعيشها طهران فجرت الخلافات بين الاستخبارات الإيرانية الرسمية التي تناصر روحاني واستخبارات الحرس الثوري التي تدعم المرشد الأعلى أية الله خامنئي.

وبدأت الخلافات بين الإصلاحيين تطفو على السطح بين جناحي الإصلاحيين والمحافظين على خلفية انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، فيما عاش الشارع الإيراني احتجاجات عارمة بسبب توجهات بلادهم الخارجية وتدخلهم في شؤون المنطقة.

وقد أشارت المعارضة الإيرانية إلى أن الغليان الشعبي كشف بدوره عن خلاف متفاقم بين معسكر الرئيس روحاني وقيادة الحرس الثوري حول كيفية التعامل مع المتظاهرين. لكن بإعلان العقوبات الأميركية حمل المتشددون مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية بالبلاد للرئيس الإيراني لتدخل أركان النظام في حالة من تصدع. وقد أعلن رجل الدين المتشدد، أحمد خاتمي، المتحدث باسم مجلس خبراء القيادة الإيرانية، رفض روحاني، تقديم تقرير حول أداء الحكومة حول الوضع الاقتصادي المتدهور.

وكان مجلس الخبراء الذي يهيمن عليه رجال الدين المتشددون المقربون من المرشد علي خامنئي، قد دعا قبل نحو ثلاثة أسابيع، الرئيس الإيراني والفريق الاقتصادي للحكومة إلى “تحمل المسؤولية حيال الاضطرابات الاقتصادية”. وطالب المجلس في بيان سابق روحاني بالاعتذار، بسبب “عدم الامتثال للخطوط الحمراء” و”عدم أخذ الضمانات الضرورية” خلال المحادثات التي أفضت إلى الاتفاق النووي.

هذه الخلافات الداخلية أقر بها الحرس الثوري الإيراني الذي كشف في فيلم دعائي أصدره مؤخرا عن وجود انقسامات عميقة بين أجهزة استخبارات في الدولة لافتا إلى أن المواطنين من ذوي الجنسيات المزدوجة ضحايا هذا الصراع الداخلي.

تنافس استخباراتي

يقدر أن ما لا يقل عن 30 من المواطنين الحاملين للجنسية المزدوجة، بمن فيهم البريطانية الإيرانية نازانين زاغاري راتكليف، لا يزالون قابعين في سجون إيران، معظمهم بتهم تتعلق بالأمن القومي، بما في ذلك التجسس.

 ويقول محامون ودبلوماسيون وأقارب إن الحرس الثوري الإيراني اعتقل ما لا يقل عن 30 شخصا يحملون جنسيات أجنبية خلال العامين الأخيرين أغلبهم بتهمة التجسس أي أكثر من مثلي العدد الذي سبق أن ذكرته وسائل إعلام محلية ودولية.

ولم تتضح بعد الدوافع الإيرانية وراء هذه الاعتقالات، أو حتى المكاسب السياسية الناتجة عنها. لكن الفيلم الجديد، الذي اتخذ طابعا وثائقيا، يلقي الضوء على الحرب الدائرة بين المتشددين الذين يسيطرون على الفريق غير المنتخب في المؤسسة الإيرانية والفريق المنتخب الذي تمثله الإدارة المعتدلة للرئيس حسن روحاني.

ويكشف الفيلم الذي تستغرق مدة عرضه 21 دقيقة، والذي أنتجته الذراع الاستخباراتية لقوات الحرس الثوري الإيراني وعرضته على البرلمانيين الإيرانيين، كما قامت بنشره على صفحات الإنترنت، عن قضية الكندي الإيراني، عبدالرسول دوري أصفهاني، وهو عضو في فريق التفاوض النووي الإيراني المعتقل بتهمة التجسس.

اللاعب الرئيسي الذي يقف خلف الاعتقالات
اللاعب الرئيسي الذي يقف خلف الاعتقالات

ويمثل الفيلم هجوما استثنائيا من جانب الذراع الاستخباراتية للحرس الثوري الإيراني على وزارة الاستخبارات التابعة لحكومة روحاني، التي تصر على أن دوري أصفهاني بريء. ويعتقد أنها المرة الأولى التي يتم فيها بث هذا الخلاف بين أجهزة الاستخبارات الإيرانية على الملأ بهذا الشكل.

ورد مسؤول الإعلام التابع لروحاني، حسام الدين أشينا، على الفيلم معلقا على تويتر قائلا إن نشر محتوى هذا الفيلم بهذه الطريقة هو تصرف “خطير للغاية” لأنه لفت انتباه الرأي العام إلى مدى حدة “التنافس المؤسسي” بين جهازين استخباراتيين.

وأوضح أشينا في تدخله أن حكومة روحاني تعارض اعتقال عدد من المواطنين الحاملين للجنسية المزدوجة، بمن فيهم ناشطون بيئيون. وحث التقرير الأخير الصادر عن الأمم المتحدة بشأن إيران، الذي قدم في مارس، إيران على معالجة المخاوف المتعلقة بسجن مواطنين من حاملي الجنسية المزدوجة.

وقال تقرير الأمم المتحدة إن القضايا المرفوعة ضد الرعايا الحاملين للجنسية المزدوجة تتعلق “بمجرد الاشتباه في أنشطة معادية للدولة دون وجود أوراق اتهام مفصلة أو ظهور أي من الضحايا في أي من هذه الجرائم”.

وكانت قوات الحرس الثوري، المتحالفة مع السلطات القضائية الإيرانية المتشددة، هي اللاعب الرئيسي الذي يقف خلف كل هذه الاعتقالات. وتعمل كلتا المؤسستين، قوات الحرس الثوري والقضاء، بشكل مستقل عن حكومة روحاني ويحميهما المرشد الأعلى للبلاد آية الله علي خامنئي.

وأشرف دوري أصفهاني، وهو مستشار محافظ البنك المركزي الإيراني، حول المحادثات الجوانب المالية للاتفاق النووي لعام 2015. وتم إلقاء القبض عليه من قبل قوات الحراس الثوري قبل صعوده على متن رحلة متجهة إلى كندا، ويقضي الآن عقوبة السجن لمدة خمس سنوات بتهمة التجسس وهو ما أكدته قوات الحرس الثوري الإيراني.

تشويه الصفقة النووية

لكن الفيلم لا يكشف عن وجود أدلة واقعية على التجسس، ويصور دوري أصفهاني على أنه كان أحد العناصر التي ساعدت على عرقلة الاتفاق النووي، الذي يبقى الآن بين الحياة والموت بسبب قرار دونالد ترامب بانسحاب الولايات المتحدة منه.

ولطالما شعر المتشددون في إيران بالامتعاض من عقد هذه الصفقة ويعتقدون أنها كانت بمثابة ذريعة للغرب للتسلل إلى إيران. وتظهر مقاطع لخامنئي تحذر من مؤامرات العدو لاختراق البلاد وعملية صنع القرار في الفيلم بشكل بارز.

ويقول الفيلم الوثائقي عن دوري أصفهاني، الذي عرض قضيته على أنها “واحدة من أكثر قضايا التجسس المعقدة” التي شاهدتها إيران على الإطلاق مشير إلى أن “أحد أهداف هذه الدول كان وضع أحد العملاء من أجل التجسس داخل فريقنا التفاوضي”.

الحرس الثوري يعتبر تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإيران فرصة لتعزيز نفوذه وإضعاف منافسيه السياسيين، ويسمح له بزيادة هيمنته في المجالين الأمني والاقتصادي

ويعرض الفيلم الوثائقي أيضا تساؤلا “لماذا تم تعيين مواطن يحمل جنسية مزدوجة للإشراف على الجزء الأكثر أهمية من المحادثات الخاصة بالقضايا المالية والاقتصادية؟” متهما المفاوض السابق بتقديم معلومات اقتصادية حساسة لأعداء إيران من خلال العمل مع مؤسسات متعددة الجنسيات مثل مؤسسة “بي دبليو سي” التي قال عنها الفيلم الوثائقي في ادعاءات لا أساس لها أن لها صلات بالاستخبارات البريطانية والأميركية.

ويضيف الفيلم “بعد شهر من انضمام دوري أصفهاني للفريق، تم عقد الاتفاق بسرعة لا يصدقها عقل”. وقال علي فايز، مدير المشروع الإيراني في منظمة “أنترناشونال كرايزس جروب” المعادية للحروب، إن الفيلم الوثائقي أظهر أن التنافس بين الاستخبارات الإيرانية أصبح أكثر شراسة وأكثر علانية.

ولفت فايز إلى  أن “الحرس الثوري يعتبر تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرصة لتعزيز نفوذه وإضعاف منافسيه السياسيين، والذين يصورونهم على أنهم متورطون، مما سيسمح للحرس الثوري الإيراني بزيادة هيمنته في المجالين الأمني والاقتصادي على حساب قوى براغماتية أكثر في السياسة الإيرانية.

وروج الفيلم لفكرة إن “الجمهورية الإسلامية تضررت أكثر من جانب المواطنين حاملي الجنسية المزدوجة”. لكن فايز استدرك بقوله “في وقت ما سيكون على الجمهورية الإسلامية الإقرار بأنها تتشابه وقوات الشرطة السرية سافاك في عهد الشاه.. إذ أن جهازهم الأمني يقوم بالإضرار بمصلحة الدولة أكثر ما يقوم بنفعها”.