موسكو – أنقرة في إدلب… تقاسم جبهات أم خلافات جوهرية؟

موسكو – أنقرة في إدلب… تقاسم جبهات أم خلافات جوهرية؟

تعاظم التصعيد العسكري على آخر منطقة منخفضة التصعيد شمال سوريا، بعد فشل قمة طهران التي أوحت ببوادر معركة استنزاف يشنها النظامان الروسي والسوري على إدلب ومحيطها، وبموازاة ذلك تواصلت الحشود والتعزيزات العسكرية التركية الضخمة إلى الحدود السورية، تمثلت بمدافع ودبابات وعربات مصفحة، وسط إجراءات أمنية مشددة شهدتها المنطقة.
حرب الاستنزاف على إدلب التي يقيم فيها حوالي 4 ملايين نسمة تجري حسب مراقبين وخبراء عبر التنسيق بين أنقرة وموسكو، وإشراف الدول الأوروبية التي تدعم أي تسوية سياسية بإشراف تركي لخشيتها من تكرار موجة اللجوء التي حصلت عام 2015، حيث يعمل التركي على تغيير المعادلة من داخل إدلب بينما يحرص الروسي على إضعاف النصرة وضربها من الخارج.
فمنذ بدء القمة الثلاثية الأخيرة في طهران، أرسل القادة هناك إشارة استمرارهم بالعمل المشترك من خلال تحديد مكان القمة المقبلة في روسيا، وضمن عملهم وفق «أستانة» فإنها تبقى حاجة مشتركة لجميع أطرافه، ربما لأسباب إضافية تتجاوز الملف السوري، لا سيما بين تركيا و روسيا.

الحاج جاسم: مخطط جهنمي

ومن المستبعد أن تقوم روسيا بدعم عمل عسكري واسع دون مشاورة الأتراك، حسب رؤية الباحث في العلاقات الدولية د. باسل الحاج جاسم. فتركيا، وفق ما تحدث به الخبير الدولي، لا يرضيها الوضع الحالي السائد في إدلب، وانتشار المنظمات المصنفة على قوائم الارهاب الدولي هناك، وما تخشاه أنقرة، هو حدوث موجات لجوء جديدة تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، وفي الوقت نفسه، فالواضح أنها لا تريد الدخول منفردة في مواجهة مباشرة مع تلك المجموعات مع أنها ايضاً تقع ضمن التصنيف التركي بأنها إرهابية.
وبات معروفاً للجميع أن مخططاً جهنمياً، استغل الفوضى التي اجتاحت سوريا وما حصل بين النظام والمعارضة، جعل من الأراضي السورية مكاناً لتجمع متطرفي العالم ومركزاً لاستقطابهم، وأن الروس والأتراك، أدركوا من وجهة نظر الحاج جاسم خطورة ذلك، ولكل طرف منهم أسبابه ودوافعه وعلى اعتبار ما يجري في سوريا يعنيهم جغرافياً وجيوسياسياً.
وأضاف «ان استمرار وجود المجموعات المتطرفة يتيح لواشنطن الاستمرار بتنفيذ مشاريعها في المنطقة تحت ذريعة مكافحة الإرهاب الدولي، لذلك تم نقل أغلبهم إلى إدلب وأيضاً في إطار استغلال عناصر تلك المجموعات لعمليات نقل من لم يقبل من المعارضة السورية من مدنيين وعسكريين بما بات يعرف بتسويات ومصالحات أجراها الروس، واليوم اي عمل عسكري شامل وغير مدروس يعني إعادة تسرب وانتشار تلك المجموعات في معظم دول العالم سواء التي جاءت منها أو غيرها، وهو ما تخشاه الدول الأوروبية على وجه الخصوص، وهذا شق خفي آخر للمخاوف الأوروبية من أي هجوم غير منسق على إدلب، بالإضافة للشق المعلن المتعلق بتكرار موجات اللجوء التي سبق، وكادت تطيح باتفاق شنغن».

حسون: جس نبض

من جانبه رأى القيادي لدى المعارضة ورئيس وفد أستانة العسكري الاسبق فاتح حسون ان حرب الاستنزاف تبدأ بالتمهيد الناري الجوي والمدفعي والصاروخي على مواقع وأهداف محددة مسبقاً، وهدف ذلك يكون تدمير القدرات القتالية للخصم بنسبة تصل أحياناً حتى 75% قبل بدء الهجوم البري، لذلك نشاهد حلفاء النظام السوري يستهدفون أهم القدرات القتالية للفصائل العسكرية التي تخص صمودهم، وكذلك التي تهدم ثباتهم وأعمالهم اللوجستية ومنها المشافي إضافة لكل هدف يمكن أن يخدم فكرة المعركة، لا سيما إن كان المهاجم لا رادع قانونياً ولا أخلاقياً لديه، وهو تكتيك يقصد منه تثبيت الخصم في الدفاع وإنهاكه وتدمير إمداداته الخلفية.
كما أن روسيا، وفق قول القيادي لـ»القدس العربي»، تعتبر هذا القصف اختباراً لردود الفعل الدولية التي يمكن أن تحدث، وامتصاصاً لها في آن واحد، فطول الفترة قد يكشف أوراق غير الموافقين على معركة إدلب، لا سيما أن روسيا تستطيع إيقاف أي قرار يصدر عن مجلس الأمن، وهنا يكون دور قوى الثورة العسكرية بالثبات والتأني بالرد، وأن يكون مدروساً، وهو ما يظهر جلياً لدى الفصائل، وعلى قوى الثورة والمعارضة السياسية زيادة نشاطها للضغط على روسيا لمنعها من ارتكاب مجزرة قد تكون الأكبر في تاريخ سوريا الحديث إن حصل الهجوم على إدلب، ليس لضعف الفصائل بل لأن الرد سيكون بكل ما أوتيت الفصائل من قوة، حيث أنه لا إدلب بعد إدلب.
والتطورات العسكرية في داخل أسوار إدلب، تطرح العديد من الأسئلة حول ماهية الضربات العسكرية التي تنفذها روسيا والنظام السوري، والحشود التركية، وهل دوافعها تشكل انعكاساً لما خرجت به قمة طهران من نتائج؟ أم تقاسم جبهات الحرب بين الروس والأتراك ضد هيئة تحرير الشام.
واعرب المتحدث عن وجود تخوف مبرر لدى تركيا من القصف الجوي الذي تقوم به روسيا على إدلب، واحتمالية أن يكون قصفاً تمهيدياً لهجوم بري، وبالتالي تعزيز نقاط المراقبة التركية بمزيد من القوات التركية، يرسل رسالة واضحة للنظام بأنه في حال أي هجوم بري سيكون هناك رد تركي إلى جانب فصائل الثورة السورية المعتدلة، وهذا ما صرح به الرئيس التركي علانية بأنه في حال جرى تجاهل قتل عشرات الآلاف من الأبرياء من أجل مصالح النظام السوري لن نكون شركاء ومتفرجين في هكذا لعبة.

قيراطة: لا حرب

وقال القيادي العسكري المعارض لـ «القدس العربي»: يبدو واضحاً من التصريح التركي الأخير، بأن أستانة في حال استمرت روسيا في غيها، ستكون أشبه بلعبة حرب لا يمكن متابعة المشاركة فيها.
من جانبه، اعتقد المحلل السياسي المقرب من النظام السوري «صلاح قيراطة»، أن الأعمال العسكرية الفعلية التي من شأنها أن تعيد ادلب إلى حكم النظام مجدداً، لن تتم الا بعد إنجاز تفاهم حاسم بين كل من موسكو وانقرة، وأنه من الواضح أن التركي استطاع أن يضلل الكثيرين لجهة نواياه الحقيقية في ادلب سيما عندما وضعت أنقرة جبهة النصرة على لائحـة الإرهـاب.
أما حول تصعيد القصف الجوي الروسي السوري بالتوازي مع اقتراب قمة طهران وما بعد انعقادها، فهي حسب قيراطة ليست إلا رسائل لتركيا، بأن عليها أن تبقى في دائرة الرضى الروسية إذا أرادت تجنب كارثة في شمال غربي سوريا، منوهاً إلى أن تلك الغارات لا تأتي في إطار الرمايات التمهيدية التي تسبق اندفاع القوات البرية، ونستطيع اليوم القول: لن يكون هنالك هجوم قريب على إدلب، بخلاف ما تم التروّيج له في بعض وسائل الإعلام.

هبه محمد

القدس العربي