إلى اليوم، أنقرة لم ترفع الدعم عن المتمردين في إدلب على نحو ما فعلت واشنطن مع متمردي درعا. وفي أيار الماضي، أبرمت تركيا مع روسيا وإيران اتفاق «خفض تصعيد» في إدلب، والتزمت حل مشكلة المتمردين. وهي لم تفلح في ما التزمت، لكنها نشرت مواقع متقدمة لجيشها في المنطقة. وهي تطالب بوقت إضافي، غير أن الروس والإيرانيين ونظام الأسد يريدون التخلص من معقل المعارضة المسلحة الأخير. وفي الأشهر الأخيرة، سعت روسيا الى كسب الوقت والتمهل مهادنة لتركيا، الشريكة مع إيران في عملية آستانة – وكانت موسكو تعوّل الى وقت قريب على هذه العملية لإرساء «حل سياسي» في سورية، أي نسج حلة سياسية لانتصار معسكرها هناك. وضعفت يد أردوغان في شد الحبال هذا نتيجة تدهور علاقاته بواشنطن والأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف ببلاده. وعليه، يقتنص بوتين فرصة الضعف التركي في سبيل ليّ يد نظيره التركي.
وفي القمة الأخيرة بين بوتين وروحاني وأردوغان في طهران، لم يفلح الرئيس التركي في إرجاء الهجوم على إدلب. لكن الرئيس التركي لم يتراجع، ولوّح بالانسحاب من عملية آستانة. وقد يكون تهديده هذا مرتبطاً بالرسائل الأخيرة القادمة من واشنطن: فالمبعوث الخاص الجديد الى سورية، جايمس جيفري، وهو كان سفير أميركا في أنقرة، أعلن أن الإدارة الأميركية ستبقى في سورية. وأشار وغيره من المسؤولين في إدارة ترامب، إلى استعداد بلاده الى جبه الحملة على إدلب والرد الصارم عليها. وهذا تغير في الخطاب الأميركي. فإلى وقت قريب، كان التلويح بالرد العسكري، سواء كان رداً أميركياً أو فرنسياً، يقتصر على جزاء استخدام السلاح الكيماوي. لكن هل هذا التغير في الخطاب مرآة تغير فعلي؟ وهل تسعى القوى الغربية فعلاً، وهي وقفت موقف المتفرج أمام حملات النظام وحلفائه على معاقل المعارضة المسلحة، إلى دور لها وازن في هذه «المعركة النهائية»؟ وإذا كانت القوى الغربية تريد جبه «المعركة النهائية»، حري بها احتساب الملاحظات التالية:
– إذا أحكم نظام دمشق قبضته على إدلب، تقوضت قبضة الاحتلال التركي والمرابطة الأميركية في شمال البلاد وشمال شرقها، ووسع النظام استعادة السيادة الإسمية على كامل الأراضي السورية، وعزف عن أي حل سياسي. وإذا دعته روسيا الى موقف أكثر ليونة، زاد اعتماده على إيران.
– عليه، حري بنا حمل الروس على إدراك ما يترتب على معركة إدلب: كارثة إنسانية لن تساهم في حل المشكلة الإرهابية (وستبرز لا محالة حركة تمرد سرية أكثر عنفاً). فتدق إدلب على المستوى السياسي الإسفين الأخير في نعش الحل السياسي وتدفنه الى غير رجعة.
– و»الرد» الغربي قوامه إبلاغ موسكو ببدء مرحلة جديدة في «الحرب الباردة» الدائرة بحكم الأمر الواقع. فعلى سبيل المثل، يكون الرد تعليق مشروع «نورد ستريم 2» وفرض عقوبات جديدة. واليوم، الفرصة سانحة أمام الناتو لدعم أنقرة والانفتاح على أردوغان.
وعلى المستوى العسكري، احتمال لجوء الأسد الى الأسلحة الكيماوية، راجح. فجيشه لا يملك وسائل أخرى للمساهمة في استعادة إدلب. ويبدو أن الروس يقرّون بمثل هذا الهجوم. لذا، يشنون حملة تضليل مسبق تلقي لائمة هجوم كيماوي مقبل على الثوار نزولاً على طلب الاستخبارات الغربية. وثمة مسوغ آخر لاستخدام الأسد أسلحة كيماوية: الرد السابق على مثل هذا الاستخدام لم تترتب عليه ضربة رادعة يعتد بها بل ضربة رمزية بادرت إليها أميركا وفرنسا وبريطانيا. وجلي أن ردع الأسد يقتضي أن يعد الغربيون هذه المرة ضربات أقسى على قوات النظام. وإذا علّقت روسيا الحملة على إدلب، يجب المبادرة الى برنامج تعاون معها لجبه الإرهاب في إطار يحفظ حياة المدنيين في إدلب ويرسي أسس حل سياسي.