عدن – أكدت الإدارة الأميركية للكونغرس الأميركي أن التحالف العربي، بقيادة السعودية والإمارات، حليفتي واشنطن، تتخذان “تدابير واضحة لتخفيض الخطر” على المدنيين أثناء عملياتهما العسكرية في اليمن، في شهادة تدعم الانتقادات التي وجّهت للتقرير الأممي بشأن حقوق الإنسان في اليمن.
ويفرض القانون الأميركي على إدارة الرئيس دونالد ترامب تقديم مثل هذه الشهادة إذا كانت تنوي الإبقاء على دعمها اللوجستي للسعودية والإمارات في قتالهما في اليمن ضد المتمردين الحوثيين حلفاء إيران.
وصرّح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قائلا “أكدتُ للكونغرس أن حكومتي السعودية والإمارات تتخذان تدابير واضحة لتخفيض الخطر على المدنيين والبنى التحتية المدنية في إطار عملياتهما العسكرية”.
وأكّد على ذلك أيضا وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، الذي أشاد بـ”الجهود لتخفيض الخطر على الضحايا المدنيين” والتي تُترجم عبر دعم الرياض وأبوظبي “للجهود التي تبذلها منظمة الأمم المتحدة” من أجل “وضع حدّ للحرب في اليمن”.
وشدّد ماتيس على مواصلة “العمل بشكل وثيق مع التحالف بقياد السعوديين وبدعم جهود الأمم المتحدة لوضع حدّ للحرب الأهلية في اليمن” والسماح دون قيود بوصول الإمدادات التجارية والإغاثية إلى المدنيين. وتدعم شهادة المسؤولين الأميركيين موقف منتقدين للتقرير رأوا أنه يفتقد إلى الموضوعية ويغلب عليه طابع الانحياز، بالتركيز على “مخالفات طرف دون آخر”.
وقالت الولايات المتحدة إنها تأخذ “بجدية” التقرير الذي أعدته لجنة تابعة للأمم المتحدة يتحدث عن “جرائم حرب” محتملة ارتكبتها كل الجهات المشاركة في النزاع في اليمن، وإن كان التقرير يتهم بشكل خاص التحالف العربي.
ومن المتوقع أن يثار جدل جديد حول تقرير خبراء مجلس الأمن الدولي حول الحرب وحقوق الإنسان في اليمن. وكان هذا التقرير أعاد الحديث عن مصداقية المنظمة الأممية التي كثرت الاتهامات الموجّهة إليها بالعمل وفقا لخلفيات سياسية والانحياز لأطراف معينة وتبني مواقفها.
ومثّل التقرير صدمة لمنظمات حقوق الإنسان في اليمن، نظرا إلى ما وصفته بـ”عدم المهنية واللغة السياسية التي غلبت على تفاصيله” إضافة إلى “تعمده الإساءة للحكومة الشرعية والتحالف العربي وإغفال الكثير من حقائق ووقائع الانتهاكات الحوثية”.
تسييس حقوق الإنسان
على مدى الأيام الماضية، كان التقرير محل مناقشات وتدارس من جهات متخصصة، حيث احتضنت العاصمة اليمنية المؤقتة عدن العديد من الندوات التي أقامتها مؤسسات ومنظمات عاملة في مجال حقوق الإنسان، تطرقت للتقرير الأممي وتوقفت عند جزئياته وحاولت رصد التناقضات في طيات التقرير وتفكيك الذرائع التي استند إليها.
في هذا السياق، نظّمت مؤسسة خليج عدن للتنمية البشرية والخدمات الاجتماعية والشبكة الوطنية للإعلام التنموي وحقوق الإنسان، ورشة عمل بعنوان “حقوق الإنسان بين التسييس والتغييب، وبين التجاهل وانتقائية المعايير”، بمشاركة مجموعة من الباحثين والأكاديميين والناشطين في مجال حقوق الإنسان، سلطوا الأضواء على جوانب فنية ومهنية متعلقة بالتقرير الأممي وإطاره القانوني وسياقه المنهجي، وخلصوا إلى افتقاده للمصداقية والحيادية وتوظيف بعض الأحداث والوقائع في غير سياقها.
وقدم صالح المرفدي، أستاذ القانون بكلية الحقوق بجامعة عدن قراءة قانونية تحليلية لمضمون التقرير، مشيرا إلى أن المحققين الأمميين اعترفوا بأنفسهم في مقدمة التقرير بأن مصادره محدودة والوقت كان محدودا.
وقال المرفدي إن “الخبراء زاروا عدن وصنعاء وصعدة والحديدة فقط واختزلوا جغرافية اليمن في هذه المناطق فقط”. ولفت إلى أن خبراء اعترفوا في البند السابع بأنهم لم يتمكنوا من زيارة جميع المحافظات المتضررة وذكروا محافظة تعز بالتحديد، لكنهم نقضوا مصداقيتهم عندما أقروا بأنهم أخذوا بعين الاعتبار تقارير ووثائق أخرى دون تحديدها أو ذكر مصادرها وتبعيتها ومصداقيتها. من قبيل تأكيدهم “في الفقرة رقم (8) على أنهم اعتمدوا على المعلومات من الإنترنت” رغم أنها تعدّ مصادر غير مؤكدة.
وأكد المرفدي أن التقرير لجأ لاستخدام مصطلحات غير قانونية منها اعتبار أن ميليشيات الحوثي سلطة وأمر واقع أي سلطة معترف بها “بينما أصل المشاكل هو تمرد الحوثيين وتنفيذهم انقلاب عسكري واستيلائهم على السلطة الشرعية المنتخبة بقوة السلاح”.
كما أورد التقرير في الفقرة (10) أنه “قُدّم بناء على توفر أسباب وجيهة للتصديق”، وهذا الكلام وفقا للمرفدي لا يعد أدلة مادية وقطعية وإنما عبارة عن روايات من الممكن أن يتم دحضها بروايات أو أدلة أخرى.
وتضمنت ملاحظات أستاذ القانون في جامعة عدن، إشارة إلى إطلاق التقرير الأممي صفة “عدوان” على عملية تحرير الحديدة، وعلق على ذلك بالقول “سمى التقرير القوات الحكومية بالقوى الموالية ووصف تحرير الحديدة بالعدوان، وبذلك خرج على كل قرارات مجلس الأمن والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي والشرعية اليمنية، وهذا التوصيف لا يتسق ولا يتناسب مع كل الصياغات الدولية والإقليمية والمحلية”.
وتضمنت مداخلة أستاذ القانون في جامعة عدن صالح الدويل العديد من الملاحظات، في مقدمتها فوضى المصطلحات التي احتوى عليها التقرير مثل “العدوان على الحديدة”، ووصف عبدالملك الحوثي بـ”قائد الثورة” وغير ذلك من التوصيفات التي يقول الدويل إنها مصطلحات الحوثيين، مشيرا إلى أن الفريق الأممي اعتمد على ما ترفعه منظمات تابعة للحوثيين ومنظمات إخوانية ووسائل إعلام معادية لقضية الجنوب وللتحالف.
وقال إن التقرير أغفل في المقابل الانتهاكات الفادحة التي ترتكب ضد حرية الصحافة والتي تصل إلى درجة التصفية الجسدية من قبل الميليشيات. كما لم يعتبر التقرير الصراع القائم صراعا بين شرعية وانقلاب، حيث أشار للحوثيين كسلطة أمر واقع، فيما أشار للحكومة باعتبار أنها طرف دون أي صفة شرعية، ولم يُشر إلى الجيش الوطني أو اليمني مكتفيا باستخدام وصف “المقاتلين الموالين للحكومة”.
منهجية منقوصة
تطرّق الدويل إلى الانتهاكات المزعومة في سجون عدن، مشيرا إلى أن ليس فيها أسماء ووقائع تفصيلية وهو مخالف لقواعد الرصد المتمثلة باللقاء بالضحية وطرح الاستفسارات، وحجة الحفاظ على حياة الشهود ضعيفة، ففي تحقيقات دولية مشابهة تم إظهار الصور مع تغيير الملامح أو تغطيتها وتكون الشهادة شاملة لمكان التعذيب ووسائله.
وأكثر ما يثير الاستغراب في التوثيق هو استخدام الأقمار الصناعية فكيف استطاعت تقنية الأقمار الصناعية أن تكتشف التعذيب في سجون عدن، ولم تستطع رصد الهجمات الإرهابية التي تتعرض لها الأحزمة الأمنية وقوات النخبة الشبوانية، كيف لهذه الأقمار الصناعية لم ترصد هجمات داعش على نقطة رضوم ونوخان مثلا، ولم ترصد ما تعرض له الصحافي أنور الركن أو الدكتور منير محمد قائد الشرقي في تجاهل متعمد لانتهاكات الحوثيين لحق التعبير عن الرأي.
وذهب في ذات التوجه الباحث محمد ناصر العولقي الذي ركّز على الفصلين الأول والثاني تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان. وأشار إلى أنه من أجمالي 19 فقرة من القسم الخاص بانتهاكات القانون الدولي والذي ورد تحت عنوان “الهجمات ضد المدنيين” ركّزت 13 فقرة على التحالف العربي (ضربات جوية) للأشخاص المدنيين والمنشآت المدنية ومحددة بالتاريخ وعدد الضحايا والجنس والفئة، فيما وردت 6 فقرات فقط تضمنت الحوثيين وقوات علي عبدالله صالح ولكنها “لم تخصص لهما وحدهما بل وردت مدمجة مع انتهاكات مشتركة بينهما والقوات الموالية لعبدربه منصور هادي والإصلاح والسلفيين والجهاديين، وكلها تتناول وصفا عاما لاستهداف المدنيين في تعز فقط من دون تحديد أو تأكيد أو إدانة واضحة لأي جهة.
وفي قراءته للقسم الخاص بالقيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية، سلط العولقي الضوء على عدد من الملاحظات والتناقضات التي اشتمل عليها التقرير من بينها إنكاره لضبط أي أسلحة خلال السنوات الثلاث من فرض القيود البحرية، حيث قال الخبراء “لم يتم ضبط أي أسلحة عبر عمليات التفتيش التي تجريها قوات التحالف وآلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش”، وهو ما اعتبره العولقي “حكما قطعيا يناقض تماما ما شهدته وقائع مثبتة وأكدته منابر ودوائر رسمية عالمية حول عمليات ضبط بواخر وقوارب إيرانية تهرّب أسلحة حديثة يستعملها الحوثيون لم تكن موجودة في اليمن قبل الحرب”.
كما أغفل التقرير في هذا الجانب انتهاكات الحوثيين واعتداءاتهم على قوافل المساعدات الإنسانية الدولية وكذلك المساعدات المقدمة من التحالف العربي ومصادرتهم لسيارات الإغاثة والمساعدات واحتكارها لأنفسهم رغم كثرة التقارير والمعلومات الموثقة ضد الحوثيين.
ويتوقع عاملون في المجال الحقوقي أن تشهد اجتماعات مجلس حقوق الإنسان، التي بدأت الاثنين أولى فعالياتها، جدلا في ظل استعداد الكثير من منظمات حقوق الإنسان اليمنية والعربية لتفنيد وتفكيك التقرير، ومواجهة الخبراء الأمميين بما يجري ميدانيا من ممارسات للحوثيين الذين تسببوا في تأجيل مشاورات الأزمة اليمنية، التي كان من المقرر انطلاقها، الخميس الماضي، بمدينة جنيف السويسرية، بتعمد عدم الحضور.
العرب