لم تمر ساعات على صدور بيان شديد اللهجة من وزارة الدفاع الروسية التي حملت إسرائيل المسؤولية عن حادثة إسقاط طائرة الاستطلاع “إيل-20” بواسطة قوات الدفاع الجوي التابعة للنظام السوري، حتى رأى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن الواقعة ناجمة عن “سلسلة من الظروف المأساوية”، مؤكداً أن الوضع يختلف تماماً عن إسقاط قاذفة “سوخوي-24” من قبل سلاح الجوي التركي قبل ثلاث سنوات.
وعلى الرغم من أن بوتين واجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في اتصال هاتفي بينهما بأن الحادثة ناجمة عن “عدم الالتزام بالاتفاقات الروسية الإسرائيلية بشأن منع الحوادث الخطرة”، إلا أنه لم يعلن عن اتخاذ أي إجراءات جوابية بحق تل أبيب.
وفي هذا الإطار، تعتبر الصحافية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، ماريانا بيلينكايا، أنه على عكس أزمة العلاقات مع تركيا، فإن إسرائيل تتحمل المسؤولية غير المباشرة فقط عن حادثة الطائرة الروسية، مرجّحةً ألا تؤثر الواقعة على مستقبل التنسيق بين موسكو وتل أبيب في سورية.
وتقول بيلينكايا، لـ”العربي الجديد”: “أكدت إسرائيل لروسيا أن طيرانها قد غادر هذه المنطقة بحلول توقيت الحادثة. إلا أن ذلك لا يعفي تل أبيب من المسؤولية غير المباشرة، إذ ما كان للطائرة الروسية أن تسقط لولا العمليات الجوية الإسرائيلية”.
وتضيف “هذا درس للطرفين، ولكنه يختلف تماماً عن واقعة إسقاط قاذفة سوخوي من قبل سلاح الجو التركي، كما أكد بوتين، ولن يؤثر على التنسيق الروسي الإسرائيلي”.
من جهتها، تساءلت صحيفة “فزغلياد” الروسية عن مدى مسؤولية إسرائيل عن مقتل “الرهينة”، أي ركاب “إيل-20” التي تغطت بها الطائرات الإسرائيلية، ومدى تأثير ذلك على العلاقات الروسية الإسرائيلية.
وفي مقال بعنوان “هل تتحمل إسرائيل المسؤولية عن تحطم الطائرة الروسية؟”، قللت الصحيفة من واقعية عدم علم إسرائيل بوجود الطائرة الروسية في تلك المنطقة، كون “إيل-20” طائرة استطلاع تنفذ تحليقاتها في التوقيت ذاته، وتقلع وتهبط من البحر لتجنب نيران المسلحين.
واعتبرت “فزغلياد” أنه حتى في حال مغادرة الطائرات الإسرائيلية المنطقة بحلول توقيت الواقعة، كما تزعم تل أبيب، فإنها تأخرت في جميع الأحوال في إنذار روسيا بغاراتها المرتقبة في اللاذقية، إذ أكدت وزارة الدفاع الروسية أنها تلقت إبلاغاً قبل بدء العلمية بأقل من دقيقة.
وفيما يتعلق بتأثير الواقعة على العلاقات الروسية الإسرائيلية، نقلت الصحيفة عن السفير الإسرائيلي الأسبق لدى موسكو، تسفي ماغين، أن “الشجار” لا يصب في مصلحة أي من الطرفين، مذكراً بأنه “لم تكن هناك حوادث حتى الآن رغم شن نحو 200 ضربة (إسرائيلية) خلال آخر عام ونصف العام”.
ولما كانت وزارة الدفاع الروسية بعد وقوع الحادثة وصفت تصرفات إسرائيل بأنها “استفزازية وعدائية وغير مسؤولة”، متوعدة بـ”رد مناسب”، ذكرت صحيفة “كوميرسانت” في عددها الصادر الأربعاء، أن الوزارة لم تكن تقصد بذلك أي هجمات على الطائرات الإسرائيلية.
ونقلت الصحيفة عن مصدر مطلع قوله “على الأرجح، كان المقصود هو عدم القيام بأي أعمال مستقبلاً في القضايا التي كانت مستعدة لمساعدة إسرائيل فيها”، مثل إجراء محادثات مع إيران و”حزب الله” اللبناني.
وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت، ليلة الثلاثاء، عن فقدان الاتصال بطائرة “إيل-20” أثناء عودتها إلى قاعدة حميميم فوق البحر الأبيض المتوسط، مشيرة إلى أن أربع طائرات حربية إسرائيلية من طراز “إف-16” كانت تشن ضربات على مواقع تابعة للنظام السوري في محافظة اللاذقية في ذلك الوقت.
وصباح الثلاثاء، أكدت الوزارة، وعلى لسان المتحدث الرسمي باسمها إيغور كوناشينكوف، إسقاط “إيل-20” بواسطة منظومة صواريخ “إس-200” التابعة لقوات الدفاع الجوي السورية.
وتعتبر هذه أول حادثة تتعرض لها طائرة من طراز “إيليوشين-20” منذ بدء التدخل العسكري الروسي في سورية قبل ثلاث سنوات. وتنفذ الطائرات من هذا الطراز والبالغة سرعتها القصوى 675 كيلومترا، مهام الاستطلاع والتشويش الإلكتروني، وقد انتهت اختباراتها عام 1969.
وبحسب “كوميرسانت”، فإن الطائرة المنكوبة كانت تحمل الرقم RF-93610، وهي من إنتاج عام 1973، وخضعت لصيانة شاملة عام 2011، وكان من المقرر الاستمرار في تشغيلها حتى عام 2021 على الأقل.
وذكر وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، أن الطائرة كانت تنفذ مهمة تحديد مواقع حفظ المسلحين لطائرات مسيرة في منطقة خفض التصعيد في محافظة إدلب.
رامي القليوبي
العربي الجديد