انتهت قبل نحو عشرة أيام قمة طهران، بين الرئيس الإيراني حسن روحاني والروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، بمواجهة علنية بين أردوغان وبوتين، ولدت تشاؤماً لدى أهل إدلب وشعوب المنطقة، فقد ظهر بوتين وهو يصطف إلى جانب الموقف الإيراني، ممثلاً بالرئيس روحاني الداعي للهجوم العسكري على إدلب مهما كانت النتائج، وضد المقترح التركي بمنح إدلب مزيدا من الوقت للحل التفاوضي السلمي أولاً، وتمديد الهدنة ومواصلة اتفاق خفض التصعيد فيها ثانياً، ولكن وبعد أيام قليلة جاءت القمة التركية الروسية بين أردوغان وبوتين في مدينة سوتشي الروسية، لتقلب المشهد المتشائم بالكامل، ولتفاجئ العالم باتفاق تركي روسي يعاكس نتائج قمة طهران، بالتوقيع على مذكرة تفاهم واتفاق روسي تركي حول إدلب ينص على المبادئ التالية:
«جمهورية تركيا والاتحاد الروسي، باعتبارهما ضامني الالتزام بنظام وقف النار في الجمهورية العربية السورية، وبالاسترشاد بمذكرة إقرار مناطق خفض التصعيد داخل الجمهورية السورية في 4 مايو/أيار 2017، والترتيبات التي تحققت في عملية آستانة، وسعياً لتحقيق استقرار في الوضع داخل منطقة خفض التصعيد في إدلب في أقرب وقت ممكن، اتفقتا على ما يلي:
1 ـ الإبقاء على منطقة خفض التصعيد في إدلب، وتحصين نقاط المراقبة التركية وستستمر في عملها.
2 ـ يتخذ الاتحاد الروسي جميع الإجراءات اللازمة لضمان تجنب تنفيذ عمليات عسكرية وهجمات على إدلب، والإبقاء على الوضع القائم.
3 ـ بناء منطقة منزوعة السلاح بعمق 15 – 20 كيلومتراً.
4 ـ إقرار الخطوط المحددة للمنطقة منزوعة السلاح عبر مزيد من المشاورات.
5 ـ التخلص من جميع الجماعات الإرهابية الراديكالية من داخل المنطقة منزوعة السلاح، بحلول 15 أكتوبر/تشرين الأول.
6 ـ سحب جميع الدبابات وقاذفات الصواريخ المتعددة والمدفعية ومدافع الهاون الخاصة بالأطراف المتقاتلة، من داخل المنطقة منزوعة التسليح، بحلول 10 أكتوبر 2018.
7 ـ ستقوم القوات المسلحة التركية والشرطة العسكرية الخاصة بالقوات المسلحة التابعة للاتحاد الروسي، بدوريات منسقة وجهود مراقبة باستخدام طائرات من دون طيار، على امتداد حدود المنطقة منزوعة التسليح، إضافة إلى العمل على ضمان حرية حركة السكان المحليين والبضائع، واستعادة الصلات التجارية والاقتصادية.
8 ـ ستجري استعادة طرق نقل الترانزيت عبر الطريقين إم 4 (حلب – اللاذقية) وإم 5 (حلب – حماة) بحلول نهاية عام 2018.
9 ـ اتخاذ إجراءات فاعلة لضمان إقرار نظام مستدام لوقف النار داخل منطقة خفض التصعيد في إدلب. في هذا الصدد، سيجري تعزيز مهام مركز التنسيق الإيراني – الروسي – التركي المشترك.
10 ـ يؤكد الجانبان مجدداً عزمهما على محاربة الإرهاب داخل سوريا بجميع أشكاله وصوره.
أبرم في سوتشي في 17 سبتمبر/ أيلول 2018 في نسختين، وتحمل كلتا النسختين الإنكليزية والروسية القيمة القانونية ذاتها.
هذه المواد العشر التفصيلية والدقيقة لا يمكن التوصل إليها في أيام قليلة، أي بعد قمة طهران وقبل قمة سوتشي وخلال أسبوع واحد، وهذا يعني أن إيران لم تكن غائبة عنها، ولكنها رفضت المشاركة فيها، أي انها كانت تعرف هذه البنود التي تم التوصل إليها في الغالب عند زيارة وزير الدفاع التركي خلوصي أكار ووزير الخارجية جاويش أغلو ورئيس المخابرات التركية هاكان فيدان إلى روسيا، قبل شهرين تقريباً، حيث اجتمعوا في موسكو مع نظرائهم الروس، ومن المؤكد أن إيران لم توافق على هذه البنود لأنها تجد فيها حلاً سياسيا يحد من سيطرة بشار الأسد في سوريا، بينما وجدت روسيا فيها فرصة عظيمة لإخراجها من أزمتها في سوريا، فروسيا تعلم أن أمريكا والغرب يريدون توريطها أكثر في سوريا، ويريدون توسيع الصراع الروسي ضد العرب والمسلمين في سوريا وغيرها، بينما تريد إيران أن تستثمر التدخل الروسي العسكري لصالح مشروعها المذهبي الطائفي في قتل المعارضة السورية ومن يعارض نفوذها في سوريا ولبنان وغيرهما، بينما تركيا تريد حلا سياسيا سلميا في سوريا يحمي أمنها القومي أولاً، ويحسن التقارب الحضاري والتعاون الاقتصادي معها ثانياً، وقد حاولت تركيا كثيرا أن تضع التدخل الروسي السياسي قبل أن يكون تدخلاً عسكرياً في مساره الصحيح، وكانت آخر محاولة للرئيس أردوغان بتاريخ 23/9/2015 في حفل افتتاح مسجد موسكو الكبير وأثناء اجتماعه مع بوتين في ذلك الوقت، ولكن بوتين اتخذ قرار التدخل العسكري بتاريخ 30/9/2015، وبعد ثلاث سنوات أدرك بوتين أنه أخطأ في عدم الاستماع إلى وجهة النظر التركية، وأنه أخطأ كثيرا لأخذه بالتقارير والتقديرات الإيرانية التي قدمها له الجنرال قاسم سليماني في يوليو/تموز 2015، وأن سليماني خدعه بأن تدخله في سوريا لن يستغرق أكثر من ثلاثة إلى أربعة أشهر، وأنه محدود بالقصف الجوي فقط، وأن الجيش الإيراني سيتولى تدمير فصائل المعارضة السورية المسلحة على الأرض والقضاء عليها، ولكن شيئا من ذلك لم يتحقق، رغم بذل الجيش الروسي كل ما يملك من قوة عسكرية وجرأة على ارتكاب الجرائم والمجازر، بتشجيع إيراني، ومع ذلك فقد فشل الرهان الإيراني فشلاً ذريعا في السيطرة على الأرض بشكل كامل، وبقيت روسيا في حرب متواصلة لثلاث سنوات، من دون القضاء على مشروع الشعب السوري، وهذا ما لم تأت إليه روسيا، فروسيا لا تريد حربا مستمرة في سوريا، والقيادة الإيرانية لا تهتم بما يلحق بروسيا من خسائر مادية ومعنوية، ولا ما تتعرض له روسيا من إحراج أمام العالم الإسلامي بسبب جرائمها في سوريا، بل إن إيران هي وبشار الأسد ينتظران أن تهرب روسيا من سوريا بعد أن يتمكنا من السيطرة على كامل سوريا.
روسيا أصبحت في سوريا في أزمة عسكرية وسياسية واقتصادية غير محتملة، وإيران لا تهتم بذلك، والرئيس بوتين لا يستطيع إظهار الاختلاف مع إيران ولا مع بشار الأسد، ولا يستطيع قبول المطالب الاسرائيلية والأمريكية بإخراج الميليشيات الايرانية من سوريا، لأنها تحمي قواعده العسكرية حتى الآن، وأصبح بحاجة إلى من يتحالف معه لإخراج روسيا من المأزق السوري، ولم يجد غير تركيا، لأن إيران بالتنسيق مع أمريكا تعمل لإغراق روسيا أكثر في سوريا، وأمريكا حاولت توريط روسيا بالهجوم على إدلب بشرط عدم استعمال الأسلحة الكيماوية، والهجوم الروسي على إدلب لا تضمن روسيا أن لا يتم استخدام الأسلحة الكيماوية فيه، إما من إيران أو من جيش بشار أو من غيرهما، وبالتالي إيجاد المبرر لتدخل أمريكي وفرنسي وأوروبي، من المؤكد إن تم فإنه سيدمر الآمال والحلول والمشاريع الروسية في سوريا، ولذلك أسرعت روسيا بعد قمة طهران إلى إعلان اتفاقها مع تركيا على حل سياسي لإدلب، على أمل أن يكون بداية الحل النهائي لأزمة الصراع في سوريا، كما جاء على لسان الموقف التركي، فتركيا تدرك أن روسيا متورطة في سوريا، لأن روسيا تريد قطع محاولات إيران ومحاولات أمريكا لتعقيد الأمر عليها اكثر، فأسرعت بإعلان اتفاقها مع تركيا حول إدلب لنزع فتيل إدلب قبل اشتعاله، وهذا يعني ثقة روسيا بالموقف التركي في سوريا، فهو لا يعمل لتوريطها أكثر أولاً، لأن ثمن ذلك دماء سورية بريئة في إدلب وغيرها، وتركيا تريد حفظ الدماء السورية البريئة، وتريد في الوقت نفسه تصحيح المسار الروسي في سوريا، فهو الذي يملك القدرة العسكرية على الأرض فعلياً، ولا تستطيع إيران مخالفته ولا بشار، لأن تخلي روسيا عنهما سيؤدي إلى القضاء على جهودهما لسبع سنوات من الحرب، خاضتهما إيران وبشار الأسد بكل جنون ومأساوية وخسائر ودمار.
إن الأسباب التي دفعت روسيا إلى الأخذ بالرؤية التركية هو عجز جيشها وقوتها العسكرية من القضاء على الثورة السورية، ولا ضمان لبوتين لو احتل إدلب عسكريا ودمر كل ما فيها، أن معركته سوف تنتهي، وإضافة للضغوط الداخلية عليه فإنه فقد الأمل في إيران وبشار أن يتمكنا من مساعدته على الخروج من سوريا منتصرا أو سالما أو غير منتحر، فكان لا بد أن يبحث عمن يساعده على مراجعة أخطائه، وإن لم يضمن له الخروج منتصراً، فلم يجد غير تركيا، وبالأخص أن الطرف العربي لا يملك أرضاً جغرافية توافق على التدخل في سوريا، وقد تأكد لروسيا ذلك في جنوب سوريا قبل أشهر قليلة، بينما تركيا تملك الأرض الجغرافية والرؤية السياسية للحل في سوريا، فضلاً عما تملكه روسيا من علاقات اقتصادية وتعاون عسكري مع تركيا، فروسيا بتوقيعها لهذا الاتفاق مع تركيا حول إدلب تؤكد ثقتها بالسياسة التركية في سوريا أولاً، وإنهما معنيان بمتابعة الجهود الإيرانية وميليشياتها، بما فيها جيش الأسد بما قد تتخذه من أعمال ضد الاتفاق التركي الروسي، وهذا ما عبرت عنه التصريحات الإيرانية والإعلام الأسدي وحسن نصر الله، إنهم يؤيدون أي اتفاق يساعد في الحل في سوريا، ولكنهم سيتابعون نتائجه في الواقع، أي أن تداعيات هذا الاتفاق هو القضية التي قد تلعب عليها إيران وحلفاؤها لتخريب هذا الاتفاق، أو إيقاع الاختلاف بين تركيا وروسيا حوله إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا.