منذ انهيار تنظيم الدولة الإسلامية والحديث يتكرر عن عودة الجهاديين الفرنسيين وزوجاتهم وأطفالهم، والواقع أنه لم يعد منذ العام 2016 سوى 664 شخصا من أصل أكثر من 1200، ولم يعد خلال ما مضى من هذا العام سوى سبعة أشخاص، فما السبب في ذلك؟
لقد توقعت أجهزة الاستخبارات الفرنسية ونظيراتها الأوروبية، حسب وثائق مسربة، عودة موجات من الجهاديين إلى أوروبا خلال عامي 2016 و2017، وقد تتبع موقع ميديابارت الفرنسي الإخباري هذه المسألة.
فقد تبيّن أن من يودّ العودة اليوم إلى بلاده لا بد له أولا من أن يحرر نفسه من الفخ الذي وقع فيه بعد هزائم ونكسات تنظيم الدولة على الجبهة السورية، إذ تقهقرت قوات ذلك التنظيم، وأرغمت على النزوح هي ومن معها من العائلات إلى وادي الفرات والحدود العراقية، فغدت الحدود اللبنانية والأردنية بعيدة، وأبدت السلطات العراقية شهية في محاكمة عناصر تنظيم الدولة من الأجانب والحكم عليهم بالإعدام في أغلب الأحيان.
ولم يبق أمام من يريد الفرار سوى تركيا، وهو ما يعني أن من يريد اللحاق ببلد ما ينبغي له أن يعبر في الاتجاه المعاكس أي عبر تضاريس تسيطر عليها قوات مناهضة لتنظيم الدولة، وهو ما يجعل محاولة الهروب محفوفة بالمخاطر ويرفع من تكاليفها المادية.
وقد تمكن الموقع من خلال تقرير لكل من ميشل دليان وماتيو سيك، من تخمين تكلفة عودة الشخص حسب شهادات حصل عليها هاذان الصحفيان من فرنسيين نجحوا في العودة إلى فرنسا خلال عام 2017 وهم الآن تحت رقابة السلطات الأمنية.
تكلفة باهظة
فعلى الفارين أن يتعاملوا مع أكثر من مهرب، إذ لا بد من واحد متخصص في عبور خطوط جيش النظام السوري والموالين له من المليشيات الشيعية، وآخر لتجاوز مناطق الأكراد، وثالث متخصص في عبور الحدود التركية.
وبمقارنة روايات عدة لأشخاص تمكنوا من الفرار، يتبيّن أن تكلفة شبكة التهريب تبلغ في المتوسط أكثر من 10 آلاف يورو للعائلة الواحدة.
وأبرز الكاتبان أن الشخص الواحد يكلف من 1000 إلى 4000 يورو، وأن تكلفة الطفل أو المرأة أقل من تكلفة الرجل الذي ينظر إليه كمقاتل محتمل والذي تسعى السلطات بالتالي إلى القبض عليه.
فعلى سبيل المثال، اضطرت امرأة وأطفالها الخمسة إلى دفع 4000 يورو فقط، بينما دفع زوجان وأطفالهما الثلاثة 10 آلاف يورو بسبب وجود الزوج.
كما تشمل المعايير المحددة للتكلفة أمورا أخرى كالمسافة التي تفصل ما بين نقطة الانطلاق في المناطق التي لا يزال تنظيم الدولة يسيطر عليها وبين الحدود التركية، وكذلك عدد مناطق سيطرة هذه القوات أو تلك.
ثم هناك مبالغ قد يتوجب على الشخص دفعها ولا يتحملها المهرب مثل 400 يورو يطلبها المرتشون من حرس الحدود الأتراك، واستصدار أوراق هوية سورية مزيفة بألف يورو، ووثائق تركية مزورة بـ1400 يورو.
ولجمع هذه المبالغ يلجأ البعض لطرق ملتوية، إذ يقول أحد العائدين إنه اضطر لسرقة سيارة من سوريا وبيعها لأحد المهربين، لكن غالبية من ينوون العودة يتصلون على أقربائهم في فرنسا، غير أن البعض يواجههم برفض مساعدتهم خوفا على نفسه، وحتى من يجازفون ويقبلون مساعدة هؤلاء لم تعد لديهم طريقة لإيصال المال إليهم.
وهذه الوضعية اليائسة وهذه التكاليف الباهظة قد تدفع الكثير من هؤلاء إلى اللجوء لطرق لا يمكن تعقبها، فيختفي أثرهم عن أجهزة الاستخبارات الفرنسية ويتلاشون في الطبيعة ولا يدري أحد أين هم؟
المصدر : الصحافة الفرنسية