منظومة «إس 300» تفاقم التوتر الروسي ـ الإسرائيلي

منظومة «إس 300» تفاقم التوتر الروسي ـ الإسرائيلي

أعلنت موسكو عزمها فرض خطوات «رادعة» لوقف نشاط الطيران الإسرائيلي فوق الأجواء السورية، رداً على حادثة إسقاط طائرة التجسس الروسية «إيليوشين20» قبل أسبوع. ولفتت أوساط روسية إلى أن القرارات الروسية غير المسبوقة تعكس؛ فضلاً عن «معاقبة» تل أبيب، توجهاً روسياً لتقليص إمكانات شن هجمات جوية من جانب «أطراف أخرى» على الأراضي السورية.
ولم يطل انتظار التدابير التي بدا جزء منها متوقعاً بعد إعلان وزارة الدفاع الروسية أول من أمس، تفاصيل الظروف التي أسفرت عن إسقاط الطائرة الروسية وحمّلت فيه تل أبيب المسؤولية كاملة بسبب «الخداع والتضليل» في معطيات الجيش الإسرائيلي التي قدمت إلى موسكو؛ إذ جاءت القرارات التي أعلنها وزير الدفاع سيرغي شويغو، أمس، لتؤكد أن مطبخ صنع القرار السياسي والعسكري الروسي كان «جهز منذ وقت طويل لاتخاذ تدابير، وحادثة الطائرة شكلت السبب المباشر لتسريع إعلانها»، بحسب قول مصدر برلماني روسي لـ«الشرق الأوسط».
وكان شويغو أعلن شروع موسكو في تنفيذ 3 خطوات وصفت بأنها تهدف إلى تعزيز القدرات الأمنية في سوريا وحماية المنشآت الروسية ومنع أي هجوم عسكري خارجي محتمل من جهة البحر المتوسط.
وقال الوزير الروسي إن المؤسسة العسكرية تلقت أوامر من الرئيس فلاديمير بوتين بصفته القائد الأعلى للجيش، بإطلاق تقنيات التشويش الكهرومغناطيسي في مناطق البحر المتوسط المحاذية لسواحل سوريا، موضحا أن الإجراء يهدف إلى منع عمل رادارات واتصالات الأقمار الاصطناعية والطائرات أثناء أي هجوم مستقبلي على سوريا. كما أعلن عن قرار موسكو تزويد الجيش السوري بمنظومات «إس300» الصاروخية للدفاع الجوي، وتجهيز المراكز القيادية لقوات الدفاع الجوي السورية بنظام للتحكم والمراقبة معمول به لدى الجيش الروسي. وأكد شويغو أن هذه الخطوات اتخذت بإيعاز من بوتين، معبرا عن أمله في أن «تبرد هذه الخطوات الرؤوس الحامية وتدفعها إلى الامتناع عن خطوات متهورة تُعرّض عسكريينا للخطر، وإلا فإننا سنضطر للرد انطلاقا من مقتضيات الوضع الراهن».
ولفت وزير الدفاع الروسي إلى أن روسيا كانت قد تخلت منذ 5 سنوات عن تسليم منظومة «إس300» الصاروخية لسوريا بطلب من إسرائيل. وأوضح أنه «منذ عام 2013 تم تعليق تسليم منظومة (إس300) التي كانت جاهزة لإرسالها إلى سوريا، وخضع الخبراء السوريون آنذاك لفترة التدريب الخاص. والوضع تغير اليوم. وهذا ليس ذنبنا؛ بل ذنب الإسرائيليين». وأشار شويغو إلى أن تسليم الصواريخ إلى الجيش السوري سيتم «خلال أسبوعين».
وسارع الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إلى تأكيد أن قرار تسليم منظومات الدفاع الجوي الصاروخية «إس300» لسوريا «ليس موجها ضد بلدان أخرى» وأن الهدف منه هو حماية العسكريين الروس في سوريا، في مسعى بدا أنه يهدف إلى المحافظة على خط الاتصال مفتوحاً مع الإسرائيليين رغم الإجراءات الجديدة.
وقال الناطق الرئاسي: «هنا يجب أن يكون واضحا للجميع، ضرورة الإجراءات الروسية لتعزيز الأمن لعسكرييها. لذا فإن روسيا في هذه الحالة تنطلق فقط من هذه المصالح. هذه التدابير ليست موجهة ضد دول ثالثة، إنها تهدف لحماية عسكريينا».
في الوقت ذاته، شدد الكرملين على أن حادثة إسقاط طائرة «إيليوشين20» الروسية في سوريا الأسبوع الماضي «ستتمخض عنها تداعيات سلبية على التعاون بين روسيا وإسرائيل، خصوصا في المجال العسكري». وقال بيسكوف إن التصرفات المتعمدة للطيارين الإسرائيليين التي أسفرت، حسب معطيات الخبراء العسكريين الروس، عن إسقاط الطائرة، «تضر من دون أدنى شك بالعلاقات بين موسكو وتل أبيب، وتجبر الحكومة الروسية على اتخاذ إجراءات إضافية فعالة لضمان أمن عسكرييها في سوريا»، مذكرا بأن إسرائيل «كانت أول دولة بدأ العسكريون الروس التنسيق معها في عملياتهم القتالية بسوريا، حسب الاتفاق المبرم بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو»، مؤكدا أن هذا التنسيق سبق أن آتى ثماره حتى لحظة إسقاط «ايليوشين20».
وكان لافتا تعمد الكرملين إعلان أن بوتين أجرى اتصالا هاتفيا مع الرئيس بشار الأسد أبلغه خلاله بالخطوات الروسية الجديدة، وحمّل بوتين، وفقا للبيان، إسرائيل مسؤولية إسقاط الطائرة، وأبلغ الأسد بأن روسيا ستطور منظومات الدفاع الجوي السورية، وستسلمها منظومة «إس300» الحديثة.
وفي مؤشر واضح على أن القرارات الروسية عكست رداً مباشراً على التصرفات الإسرائيلية لكنها أيضاً أبرزت توجهاً روسياً تم الإعداد له منذ وقت، قال يوري شفيتكن، نائب رئيس لجنة الدفاع بمجلس الدوما، إنه «يجب على الطائرات الأجنبية العسكرية التي تعبر الحدود السورية بنيات غير واضحة، ألا تشعر بقدرتها على الإفلات من العقاب، يجب أن تدرك من الآن فصاعدا أنه يمكن ضربها في أي لحظة، وأنها ستكون عرضة للهجوم إذا كان هناك تهديد لجيشنا. سيكون هذا أحد العوامل الرادعة للنشاط الإجرامي من جانب الدول التي تشن هجمات على سوريا أو تخطط للقيام بذلك».
رغم ذلك، فإن مساعد وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، قال إن تزويد روسيا الجيش السوري بمنظومة «إس300» لن يفسد العلاقات بين روسيا وإسرائيل،
ونقلت صحيفة «كوميرسانت» عن مصدر إسرائيلي مقرب من الدوائر العسكرية أنه «لم يعد مهماً من على حق ومن مذنب. الأهم من ذلك، لهجة وزارة الدفاع، وتداعيات الإجراءات التي ستتخذها روسيا في سوريا».
بينما حذر مصدر عسكري روسي تحدث إلى الصحيفة من أن «موسكو جادة في إجراءاتها، ولتلافي حدوث أي أمر طارئ فسيقوم الخبراء العسكريون الروس بالإشراف مباشرة على عمل الدفاعات الجوية التي ستسلم إلى سوريا».
اللافت أن القرارات الروسية الجديدة تزامنت مع تسريب معطيات عن توجه روسي لتعزيز التعاون مع طهران في سوريا، لجهة غض النظر عن «تعزيز الوجود العسكري الإيراني في بعض المناطق»، بحسب مصدر عسكري روسي تحدث أمس إلى صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا». ونقلت الصحيفة أن «إيران ستعمل بشكل أكثر حزماً للدفاع عن مصالحها، خصوصاً بعد التفجير الذي استهدف أخيراً عرضاً لـ(الحرس الثوري) في الأحواز». ووفقا لمعطيات الصحيفة، فإن طهران تنوي إرسال منصات صاروخية جديدة إلى سوريا هدفها «مساعدة الروس في مواجهة الطلعات الإسرائيلية فوق الأراضي السورية وأراضي لبنان».
ونقلت عن مصدر عسكري إيراني قوله إن إسرائيل استهدفت أخيرا قرب مطار دمشق طائرة شحن إيرانية كانت تنقل معدات وتقنيات مهمة، و«حتى لو استهدفوا 15 طائرة مماثلة فلن يردعنا ذلك عن تعزيز هذه القدرات».
وبالإضافة إلى احتمال تعزيز التعاون الروسي – الإيراني في سوريا، نقلت الصحيفة عن مصادرها أن موسكو طلبت من طهران أخيرا منحها تسهيلات لاستخدام قاعدة جوية تقع شمال غربي البلاد، لتكون محطة أساسية في تنقلات الطيران الروسي إلى سوريا. ولفتت إلى أن الطلب الروسي ينص على درس آلية دائمة لاستخدام القاعدة وأن يوجد فيها بشكل دائم عدد من المقاتلات وطائرات شحن عسكري من طراز «إيليوشين78». وأفادت بأن الطيران الروسي استخدم القاعدة الإيرانية عدة مرات خلال الفترة الأخيرة بشكل مؤقت، وكان أحدثها في أبريل (نيسان) الماضي عندما حطت فيها قاذفات استراتيجية بعيدة المدى.

الشرق الاوسط