الجمعية العمومية للأمم المتحدة: المضحك والمبكي وما بينهما!

الجمعية العمومية للأمم المتحدة: المضحك والمبكي وما بينهما!

اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة هو الجسم الوحيد التابع للمنظمة الأممية الذي تتمثل فيه الدول بشكل متساو فيكون للولايات المتحدة الأمريكية (أقوى وأغنى دول العالم) صوت واحد مثلها مثل أصغر دول العالم سكانا ومساحة كـ (موناكو وناورو وتوفالو وسان مارينو) أو أفقرها كـ (مالاوي أو الكونغو الديمقراطية أو ليبيريا)، وقرارات الجمعية غير ملزمة فالاجتماع هو مكان للنقاش العامّ حيث يقوم زعماء العالم بإلقاء خطبهم حول القضايا التي تهم حكوماتهم، ويعطى كل واحد من الـ193 دولة عضوا في الأمم المتحدة 15 دقيقة للكلام، وهذه العناصر، ربما، هو ما يعطي لهذا الاجتماع الكبير أهمّيته، كما أنه يعطيه بعض لحظاته المؤثرة، سلباً أو إيجابا.
إحدى هذه اللحظات المؤثرة في يوم الافتتاح تثير الابتسام والضحك والسخرية، كما حصل حين لم يستطع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقاومة عادته المزعجة بالتفاخر المبالغ فيه حين قال إنه «في أقل من سنتين حققت إدارتي ما لم تحققه أي إدارة أمريكية على مرّ التاريخ»، وهو ما دفع زعماء العالم ووفودها للقهقهة.
إحدى اللحظات المثيرة للسخرية على المستوى العربي تمثلت في مشاركة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في قمة «نيلسون مانديلا» للسلام في مدينة نيويورك، على هامش اجتماعات الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد ردد السيسي في خطابه دعوات للعالم بمحاربة العنصرية والتمييز والطائفية، كما دعا للحفاظ على قيم التسامح والاحترام المتبادل وتفهم وقبول الآخر الخ… من لزوميات البضاعة البلاغية التي تتنافى بمجملها مع السياسات التي شهدتها مصر في عهد الرئيس السيسي الميمون، وقد لاحظ كثيرون المفارقة الساخرة في هذه المشاركة والتصريحات المزركشة في مديح حقوق الإنسان والسلام والمبادئ الأخلاقية من رئيس يقوم حكمه على البطش والقتل والاعتقال والإرهاب.
أحد المشاهد العربية الأخرى المثيرة تمثّل في حجز الرئيس اللبناني طائرتين، الأولى ضمّت وفدا فضفاضا من أكثر من خمسين شخصا بينهم زوجته وابنته وطبيبه وحراسه، وأخرى لنقل الوقود تم إنزال 150 من ركابها، وهذا في بلد يعاني من عجز في الميزانية يعادل 5 مليارات دولار (من أصل 15.8 مليار دولار)، ويعاني من أزمة سياسية كبرى تمنع تشكيل حكومة، ويتحكم بقراره العسكري والسياسي حزب تموّله دولة أخرى!
على الجانب الآخر من هذا الأمر كشف الأمين العام للأمم المتحدة عن الوجه المبكي لأوضاع العالم فتحدث عن وصول الأرض للحظة حرجة من الاحترار، معتبرا أن زعماء العالم لديهم سنتان فقط للتحرك ضد «خطر انقراض» الجنس البشري، الذي يسير بسرعة أكبر من سرعة التحرك ضده، ومن أن العالم يعاني من «مرض عطب الثقة» حيث فقد البشر ثقتهم بالمؤسسات السياسية، فالعلاقات بين القوى الكبرى غير واضحة و«المبادئ الديمقراطية تحت الحصار»، والنظام العالمي تسوده الفوضى.
أشار غوتيريش أيضا إلى أن لاجئي الروهينجا ما زالوا لاجئين وأن الأزمة السورية ما زالت ملتهبة وأن العلاقات بين أمريكا وإيران تتردى كما تحدث عن الحرب في اليمن، وأن حل الدولتين للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني «أصبح أكثر ابتعادا».
زعماء آخرون كرجب طيب إردوغان تناول بدوره جوانب من أزمات بلاده مع الولايات المتحدة الأمريكية، كما أشار إلى نجاح بلاده في منع النظام السوري وروسيا من اجتياح محافظة إدلب، فيما تحدث أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عن الأزمة الخليجية، رافضا حل الأزمات بالقوة، ومبديا مجددا رغبته بحل للمحنة يقوم على احترام السيادة والقوانين الدولية، كما قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمواجهة رؤية ترامب حول إيران والقضية الفلسطينية.
حضرت أيضا مشاهد أخرى تحمل الأمل والابتسامة المفرحة كما حصل حين قامت رئيسة وزراء نيوزيلندا جاكيندا ارديرن بصناعة التاريخ على طريقتها حين أحضرت طفلتها ذات الثلاثة أشهر إلى منصة الجمعية العامة معتبرة ذلك «قرارا عمليا»، أما الرئيس النيوزيلندي (وهو زوج جاكيندا في الوقت نفسه) فأعطى ابنته وصف: «الطفلة النيوزيلندية الأولى».

القدس العربي