منذ حوالي سبع سنوات، أطلقت وزارة الخارجية الإسرائيلية صفحة على فيس بوك باسم “إسرائيل تتكلم بالعربية ” وذلك بهدف التعريف بجوانب هامة عن إسرائيل لا يهتم بها الإعلام العربي. ومن المدهش أن الصفحة التي يفوق عدد متابعيها المليون ونصف المليون متابع من العالم العربي، أصبحت تحظى بشعبية خاصة في العراق. وقد بلغ عدد المتابعين من العراق على هذه الصفحة حوالي 300 ألف في عام 2017 وهم يشكلون ثاني أكبر مجموعة على الصفحة. كما حصدت الصفحة في العراق نحو 50 مليون مشاهدة. وقد دفعت تلك الأرقام وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى إطلاق صفحة جديدة على موقع فيسبوك باسم “إسرائيل باللهجة العراقية”، وهي مصممة خصيصًا للجمهور العراقي.
لكن في حين أن رغبة العراقيين في الانخراط مع إسرائيل قد تبدو مشجعة، إلا أنها محيرة إلى حد ما: فعلى الرغم من أن اليهود كانوا يعيشون في العراق منذ أكثر من ألفين وخمسمائة عام، إلا أن القرن العشرين شهد صعود متطرفا لمعاداة السامية في البلاد. يشار أيضا إلى أن حوالي 150 ألف يهودي كانوا يعيشون في العراق قبل قيام دولة إسرائيل عام 1948، لكنهم نزحوا بشكل جماعي بين 1948 و1951 مع اتساع نطاق أعمال العنف ضدهم في المنطقة بأسرها وبعد قيام الحكومة بتجميد ممتلكاتهم. لقد بدأ تصاعد العنف ضد اليهود في العراق قبل عقد من الزمان تقريباً، حيث كانت الدعاية النازية والرسائل المعادية للسامية التي بثها الحاج أمين الحسيني، مفتي القدس الأكبر، تحظى بشعبية كبيرة في أوساط الجمهور العراقي. في الواقع، وبحلول عام 1941، أصبح يهود العراق مهددون. ففي يونيو من ذلك العام، سقط السكان اليهود في بغداد فريسة لبرنامج “الفرهود”، وهي المذبحة التي أسفرت عن 179 حالة وفاة وما يزيد عن الفي جريح.
ومع مرور الوقت، استمرت السياسات العراقية في تعريض حياة اليهود للخطر، حيث قامت الحكومة العراقية في عام 1969 بإعدام 9 يهود بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، وتم تعليق جثثهم في ساحة التحرير، وتم الإعلان عن يوم عطلة. كانت كلمة إسرائيل في تلك الفترة الحالكة، سببا كافيا في زج القائل في غياهب السجون.
وفي ضوء هذا التاريخ، فإن الانفتاح الحالي لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في العراق تجاه إسرائيل، يمثل ظاهرة تستحق الاستكشاف والتفحص.
أحد العوامل التي ساهمت في التغيير في الرأي العام العراقي هو إدراك متزايد في العراق بأن إسرائيل ليست هي العدو، حيث يستشف من ردود الفعل للمستخدمين على الصفحة أن القضية الفلسطينية التي ساندها العراق لسنوات طويلة تلقى حلها من قبل أطراف النزاع، وأن الصراع السياسي الدائر لا يجب أن يفرض سياسة عدوانية شاملة نحو إسرائيل. علاوة على ذلك، القى عدد من المفكرين العراقيين الضوء على الدور الذي لعبته المكونات العرقية المتعددة في تاريخ العراق، لا سيما دور المكون اليهودي في بناء العراق الحديث في النصف الأول من القرن العشرين، وأثر تغييب هذه المكون على الهوية العراقية. ومن ثم، يعتقد العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي أن العراق يمكن أن يستفيد من التكنولوجيا الإسرائيلية.
ومع ذلك، ليست الحسابات العقلانية فقط هي التي أدت إلى هذا التحول الواضح في تصور العراقيين لليهود وإسرائيل، ولكن أيضًا الشعور بالحنين الذي انعكس في عدد من الكتب المتوفرة الآن في العراق والتي تتناول موضوعاتها اليهود العراقيين، والتي استحضرت الشعور بالتاريخ المشترك. فالمتابع للمشهد العراقي يمكنه أن يلاحظ صدور العديد من الكتب عن يهود العراق، بلغت ذروتها هذا العام في معرض الكتاب الدولي في بغداد الذي عرض كتبا مترجمة من الإنجليزية والعبرية منها “صراع الهويات في العراق” لمجموعة باحثين إسرائيليين ورواية “الصور على الحائط” للكاتبة الإسرائيلية العراقية الجذور تسيونيت فتال. ومن شأن تلك الأنشطة أن تساهم في التغلب على الحواجز اللغوية وتؤدى إلى التواصل الشعبي بين الجيل الجديد من العراقيين في العراق من الذين لم يروا أي يهودي في حياتهم ولم يتعرفوا على الميراث الثقافي لليهود في العراق.
ولا شك أن إطلاق حوار بين شعبين لا تربط دولتيهما علاقات دبلوماسية امر مثير للاهتمام، وذلك على نقيض العلاقات بين الشعب الإسرائيلي والشعبين المصري والأردني الذين تجمعهم معاهدة سلام تلازم المستوى الرسمي وتفتقر إلى التفاعل والحميمية على المستوى الشعبي.
وعلى الرغم من رياح التغيير هذه، فلا تزال هناك تحديات جدية أمام هذا التقارب المتنامي نتيجة لتدخل إيران في العراق وجهودها الرامية إلى كسب تأييد السياسيين العراقيين وتغذية معاداة السامية ومعاداة الصهيونية. وتتطابق تلك السياسات مع النداءات التي تطلقها إيران من حين لأخر والتي تدعو إلى إبادة إسرائيل كهدف حيوي. ويرى المناوئون لإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل أنها تستغل صفحات التواصل الاجتماعي لإيهام الشباب برفاهية الحياة في تل أبيب، وأيهامهم بأن إسرائيل دولة ديمقراطية عصرية.
ومع ذلك، فإن العديد من العراقيين الذين يتبعون صفحة “إسرائيل باللهجة العراقية”، يناشدون الجيل الأصغر من اليهود العراقيين العودة إلى وطنهم “الأصلي” والدفاع عن إعادة ممتلكاتهم. ويعرب آخرون عن رغبتهم في رؤية افتتاح سفارة إسرائيلية فعلية في بغداد من أجل إعادة الاتصال بتاريخ العراق اليهودي السابق.
معهد واشنطن