في بدايات مشواره العسير لتشكيل حكومة عراقية جديدة، فاجأ رئيس الوزراء المكلف عادل عبد المهدي العراقيين بإعلانه تلقي طلبات الترشح إلكترونيا لشغل المناصب الحكومية العليا، في خطوة مبتكرة غير مسبوقة في البلاد منذ عام 2003.
وأعلن مكتب رئيس الوزراء عن إطلاق موقع إلكتروني يتيح للمواطنين الترشح لمناصب وزارية في الحكومة المقبلة، وتضمن دعوة لمن يرى في نفسه توفر الشروط القانونية والدستورية بالتقديم والترشيح، وذلك خلال يومين اعتبارا من صباح الثلاثاء.
ورغم أن الكثيرين اعتبروا الخطوة غير جدية ولا تحمل شيئا من المصداقية، فإن آخرين رحبوا بها، معتبرين إياها بارقة أمل بوجود نمط جديد من التعاطي الحكومي مع المواطنين.
ترحيب وتحفظ
ووصف النائب عن كتلة الإصلاح رعد الدهلكي الخطوة بالجيدة في حال كان العراق يعيش وضعا مستقرا و”نموذجيا” لكن الأوضاع الحالية تستلزم شروطا خاصة بالمنصب، مما سيجعل الأمر صعبا جدا.
وأضاف الدهلكي للجزيرة نت بأن أعدادا كبيرة من المواطنين ستقدم عبر الإنترنت، فمتى ستدقق هذه الأسماء أمنيا فضلا عن بحث مؤهلاتها العلمية وخبراتها العملية، وستحتاج المهمة إلى وقت طويل جدا، بينما يحتاج العراق إلى حسم هذه الملفات بأسرع وقت.
وبحسب النائب فإن هذا الكم الهائل من المواطنين إن لم يعط استحقاقه الذي يتوقعه سيصاب بالإحباط، وهي بداية يمكن اعتبارها غير جيدة.
لذا فإن الخطوة كان فيها نوع من الاستعجال، في مشهد تسيطر عليه كتل سياسية كبيرة، ولن يستطيع عبد المهدي أن يكسر هيمنتها بهذه الطريقة “لأنها ستصبح كالديمقراطية التي فرضت على العراق بعد 2003 وأدت إلى عدم استقراره”.
ورغم أن الكتل السياسية لم تعلن موقفا رسميا من هذه الخطوة حتى الآن، فإن بعض النواب رحبوا بها مع إبداء عدد من التحفظات.
وأشار عضو تحالف البناء عبد السلام المالكي إلى أنهم رحبوا بالفكرة بشكل عام، لكنه تساءل عن إمكانية تطبيقها بالفعل، خاصة وأنها ستستقطب آلاف المتقدمين، وستحتاج إلى مرحلة فرز طويلة، في حين أن العراق محكوم بتوقيتات دستورية تتطلب أن يتم تقديم التشكيلة الوزارية خلال أقل من أسبوع، ثم تتم المصادقة عليها نيابيا خلال أسبوعين.
ويقترح المالكي أن يلجأ عبد المهدي إلى التدرجات الوظيفية الموجودة في مؤسسات الدولة لاختيار العناصر ذات الكفاءة والخبرة والتي تنطبق عليها الشروط المطلوبة، ثم المفاضلة بينها.
كما أن بإمكانه الذهاب باتجاه “التكنوقراط السياسي” من غير المنتمين لجهات تفرض إراداتها عليهم أو تدخلهم في متاهات الفساد السياسي والصفقات والعمولات، على حد تعبيره.
ولا يبدي المالكي تفاؤله بنجاح هذه الخطوة متوقعا فشلها بنسبة 90%، مطالبا عبد المهدي بأن يكون أكثر واقعية وأن يبتعد عن الحزبية ويكسر المحاصصة الطائفية.
الإعلامية داليا العقيدي أعلنت ترشحها لشغل منصب وزاري (مواقع التواصل)
رسائل ضغط
وتداولت مواقع التواصل الخبر مصحوبا بسيول من التعليقات المتهكمة أو المتحمسة أو المتشائمة، في أول رد فعل شعبي على خطوة لرئيس الحكومة الجديدة.
وقد تفاعل عدد من الإعلاميين والناشطين مع هذه الخطوة، ومن بينهم الإعلامية داليا العقيدي التي أعلنت في حسابها على تويتر ترشحها مؤكدة عدم انتماءها لأي حزب أو كتلة سياسية، في إشارة إلى احتكار هذه المناصب من قبل الأحزاب المتنفذة في الحكومة.
واعتبر الناشط المدني عمر فاروق الطائي الخطوة “مميزة” وستجعل اسم عبد المهدي يلمع إعلامياً في مختلف دول العالم، لأنها طريقة نادرة الحدوث، وأعطت رسالة للعراقيين بالأمل في التغيير، وأن تأثيرهم لا يزال موجودا حتى وإن كان ذلك إعلاميا.
ويرى الطائي أن هذه الخطوة جاءت للضغط على الكتل السياسية وإحراجها أمام الجمهور، وتهديدها بأن رئيس الوزراء المكلف يملك آلاف البدائل في حال رشحوا له شخصيات غير كفؤة.
وهذا الأمر سيجعل القوى السياسية بين مطرقة مطالبها وسندان الجماهير الغاضبة، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى حصول توازن في الحكومة المقبلة، كما يعتقد.
وسيلة دعائية
ويرى الكثيرون أن هذه الخطوة ليست أكثر من وسيلة دعائية في محاولة لبعث رسائل طمأنينة بشكل المرحلة القادمة، لذا فإن تفاعل الشارع معها لم يكن جديا بشكل كبير.
ويعتبر الصحفي زيد محمد الخطوة محاولة لـ “تزويق الصورة” التي يسعى عبد المهدي لتقديمها للجمهور، وإظهار أن المناصب متاحة للجميع، وهكذا نظرت إليها معظم النخب العراقية، على حد قوله.
وحول دوافعها، يشير محمد إلى وجود أكثر من تحليل لها، من بينها أن الفكرة طرحت من قبل فريق من المستشارين ولم يكونوا موفقين فيها، وقد تكون أيضا رسالة إلى الكتل السياسية بأن هناك أكثر من طريقة لاختيار المتقدمين للمناصب السياسية، وأن بإمكان عبد المهدي التمرد على الكتل في اختيار المناصب الوزارية.
وقد تفاعل العراقيون بأكثر من طريقة مع هذه الخطوة، فهناك من تقبلها وقدم سيرته الذاتية وإن كان متيقنا بأنه لن يقبل وأنها طريقة غير جادة، لكن الأغلب تلقوها بالسخرية والتندر باعتبارها خطوة غير مدروسة ومستنكرة من معظم الشرائح الاجتماعية، كما يرى.
ويلفت الصحفي إلى أن عبد المهدي يرزح تحت ضغوط الكتل السياسية، ورفع سقف المطالب من قبله في اختيار أفراد حكومته سيصطدم برغبة الكتل السياسية في ترشيح وزرائها، ولن تسمح بأن تكون له فرصة الاختيار بشكل كامل.
وقد تم الإعلان عن اتفاق هذه الكتل على تقديم أكثر من مرشح للمنصب الواحد، وسيكون على رئيس الحكومة الاختيار من بينهم “لكنها خطوة صعبة ولن تمر بهذه السهولة”.
المصدر : الجزيرة