على الرغم من المتغيرات الواسعة التي حدثت بالمجتمع المصري خلال السنوات الفائتة والنقلات الثقافية والاجتماعية والثورية إلا أن الأمر لم يصل بعد إلى عدد من المسائل والقضايا المجتمعية وفي الرأس منها قضية دور المرأة وتمكينها سياسياً والمساواة بينها وبين الرجل.
فقد شاركت المرأة بشكل لافت في مختلف الاستحقاقات الانتخابية منذ 2012، وكفل لها دستور 2014 المساواة مع الرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما كفل حقها في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين في الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها”. ولكن ماذا على أرض الواقع؟ هل تحققت هذه المساواة حقا؟
أولا: المرأة والمشاركة الانتخابية
المشاركة الانتخابية، هي إحدى صور المشاركة السياسية، تتخذ أشكالاً ومستويات مختلفة، فالتصويت في الانتخابات، والمشاركة في الحملات الانتخابية، والعمل من أجل مرشح أو حزب سياسي، كلها مستويات مختلفة من هذه المشاركة.
وقد احتلت المرأة نسبة 49% من الكتلة التصويتية بمصر، وذلك بمعدل 25 مليون صوت انتخابي. مكنتها هذه النسبة من أن تصبح أحد الأوراق الحاسمة بالانتخابات .فعمدت إلى استثمارها، وسعت إلى تعزيز مشاركتها السياسية بمختلف الاستحقاقات الانتخابية رئاسية كانت أم برلمانية حتى أصبحت ورقة مصر الرابحة.
اتضح الأمر جليًا مع الانتخابات الرئاسية في 2012. إذ بلغ معدل تصويتها وفقًا للإحصاءات الرسمية نحو50% واستمرت وتيرة المشاركة السياسية في مختلف الاستحقاقات في الارتفاع منذ ذلك الحين، سواء كان ذلك على مستوى الانتخاب أو الترشح.
على المستوى الانتخابي، بلغت نسبة تصويتها في الاستفتاء على دستور 2014 نحو 55%، كما حسمت المرأة السباق لصالح الرئيس عبد الفتاح السيسي بالانتخابات الرئاسية في 2014 بنسبة 54%.
وفي الانتخابات البرلمانية عام 2015 تصدرت المرأة المشهد الانتخابي في المرحلة الأولى، ووصلت نسبة الناخبات من السيدات والفتيات إلى 55%. وبذلك شهدت المشاركة السياسية للمرأة ارتفاعًا ملحوظًا مقارنة بمعدلات مشاركتها قبل عام 2012.
فقبل ذلك العام، كانت المشاركة السياسية في حدودها الدنيا، حيث لم تتجاوز نسبة الـ 33% من إجمالي المشاركين بالانتخابات الرئاسية في 2005. وبصفة عامة فقد كان هناك غياب للمرأة بشكل عام عن المشاركة السياسية، فطبقًا لما كشفته دراسة للاتحاد البرلماني الدولي عام 2008 جاءت مصر في المرتبة 134 من مؤشر متضمن 188 دولة، مسجلةً 2% فقط.
كما أكد أيضًا المنتدى الاقتصادي العالمي في تقريره حول “الفجوة الجندرية العالمية The Global Gender” على تدني وضع المرأة في مصر؛ حيث وصلت مصر على مستوى التمكين السياسي إلى المرتبة 124 من 130 من ضمن الدول التي تناولها التقرير، وحصلت على المرتبة 122 من حيث وضع المرأة في البرلمان.
على مستوى الترشح: شهدت الانتخابات البرلمانية الأخيرة في 2015 زيادة ملحوظة في نسبة المرشحات من النساء. حيث خاضت المعركة الانتخابية 949 مرشحة من أصل 5518 بما يشكل 17.19%.
كما أعطي الدستور تميزًا إلي حد كبير للمرأة ما ساعد في أن يصبح هذا البرلمان هو أكبر البرلمانات في تاريخ الحياة البرلمانية المصرية من حيث عدد النائبات فيه. إذ بلغ عددهن بالمجلس نحو 90 نائبة منهن 76 منتخبة بالإضافة إلى 14 سيدة معينة، بنسبه 15% من جملة الأعضاء.
وبينما أظهرت المرأة جديتها في عملية المشاركة السياسية بالانتخاب والترشح، أثبتت قدرتها على تحمل المسئولية داخل المجلس. ظهر ذلك عبر طرح القوانين والمناقشة الجادة للعديد من القضايا والتشريعات المتعلقة بحقوق المرأة، والتي تمثل أهمها في تعديلات عقوبات الختان، وقانون حق المرأة في الميراث.
لم يقتصر الأمر على نطاق المجلس فقط، بل امتد كذلك إلى العديد من المؤسسات وعلى رأسها المجلس القومي للمرأة. إذ شهدت أنشطة المجلس العديد من مشروعات القوانين المتعلقة بالمرأة وحقوقها، كان أبرزها قانون العنف ضد المرأة وقانون الأحوال الشخصية، مشروع قانون مكافحة زواج القاصرات، وغيرها الكثير.
ثانيا: المرأة والتمكين السياسي
مثلما شغلت المرأة حيزًا هامًا بالعملية السياسية، شغلت كذلك حيزًا في خطابات الرئيس السيسي ولقاءاته منذ لحظة إعلان فوزه بالفترة الرئاسية الأولى. إذ عبر في أكثر من موضع عن احتفائه وتقديره لنساء مصر فوصفهن في خطابات مختلفة بأنهن “عظيمات مصر. كما أكد في أكثر من موضع أن الدولة تولي المرأة اهتماماً خاصاً. واعدا بأن يكون لها نصيب عادل في مجلس النواب، والمناصب التنفيذية بالدولة، وتذليل العقبات أمامها في الوظائف النيابية.
بالفعل تم ترجمة هذه الوعود إلى عدد من الخطوات الفعلية على أرض الواقع. حيث عين القضاء لأول مرة في فبراير 2015 سيدات كـ”قضاة منصة. كما وصلت المرأة لمنصب محافظ ورئيس حي في سابقة هي الأولى من نوعها بمصر.
كذلك ارتفعت نسبة المرأة بالعمل الوزاري، حيث شكل نصيبها بالحكومة الحالية نحو 8 حقائب وزارية (الصحة، البيئة، الثقافة، والسياحة، والاستثمار والتعاون الدولي، والتخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، والهجرة وشئون المصريين بالخارج) بنسبة 20% من الحكومة. وهي المرة الأولى في التاريخ الوزاري بمصر.
وقد شكلت تلك الخطوة أحد أهم مكتسبات المرأة خلال الفترة الرئاسية الأول. فسابقًا كان يتم التعين تحقيقا لأهداف الواجهة والشكل حيث يتم تخصيص مقعد أو مقعدين للمرأة لتظهر الدولة وكأنها تهتم بالمرأة وتمكينها سياسيًا.
ظهر هذا جليا في الحكومات المتوالية كما هو الحال في 2005 حيث لم تتخطى نسبتها الـ3.8% وحكومة 2010 التي مثلت بها المرأة بنسبة 3.6%، وحكومة 2012 حيث انخفض تمثيلها إلي 2.8%. أما الآن مع تقلد 6سيدات مناصب وزارية في حكومة واحدة، فهذا يعتبر انتقال كبير للأمام، وتطور في النظرة إلى قدرة المرأة ودورها بالمجتمع.
في السياق ذاته أعلن الرئيس السيسي عام 2017 “عام المرأة”، حيث تم إطلاق العديد من المبادرات لتمكين المرأة سياسيًا واقتصاديًا، أهمها “إستراتيجية المرأة المصرية 2030″ بهدف لتمكينها في مختلف المجالات، وحملة التاء المربوطة” التي تهدف لتعزيز دورها وعدم الاستسلام لنظرة المجتمع لها ولمكانتها. هذا فضلًا عن رصد ما يقرب من 2 مليار جنيه سنويا لمواجهة العنف ضد المرأة.
والجدير بالذكر في هذا الإطار أن دعم المرأة لم يقف الدعم عند هذا الحد، بل امتد كذلك إلى الدعم المعنوي. إذ حرص الرئيس على استقبال وتكريم العديد من النساء, كما حدث في يوليو/تموز 2014، حين زار الفتاة التي تعرضت للتحرش في ميدان التحرير، واعدًا إياها بمحاسبة مرتكبي الحادث. والتقى الفتاة الأيزيدية العراقية “نادية مراد”، والتي كانت قد تعرضت للأسر على يد تنظيم “داعش” . هذا فضلًا عن لقاءه العديد من النساء اللاتي تبرعن بأموالهم لصندوق تحيا مصر.
ثالثا: تحديات ومخاوف
بالرغم من هذا الدعم، إلا أن الطريق لم يكتمل بعد فمازالت هناك العديد من التحديات التي تقف في وجه تمكين المرأة سياسيا، يمكن إيجاز أبرزها في عدد من النقاط كالتالي:
(1) على الرغم من حصول المرأة على نسبة 15% من إجمالي الأعضاء بمجلس النواب، إلا أن هذه النسبة ضعيفة على المستوى العالمي. الأمر الذي يعني أن تحدى المشاركة السياسية وحصولها على نسب عادلة في المستويات السياسية العليا سيظل موجود.
(2) مازالت مصر تصنف ضمن أسوأ 10 دول في مجال المساواة بين الجنسين، طبقاً لتقرير الفجوة بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي عن عام 2015، ومازالت هناك العديد من الوظائف حكرًا على الرجال، كما هو الحال بمجلس الدولة، فالنساء مستبعدات من شغل المناصب بالمجلس. وبصفة عامة فإن نسبة تولي المرأة للمناصب القيادية في مصر ليست مرضية وغير لائقة مقارنة بالدول العربية حيث تحل مصر في المركز الـ14عربياً في تولي المرأة للمناصب القيادية.
(3) بالرغم من اهتمام الرئيس بتقلد المرأة مناصب جديدة، إلا أن ذلك لا يعني وجود إستراتيجية وسياسات عامة في الدولة لتصعيدها، فالأمر مازال مقتصرًا على كونه منحة من الرئاسة، وغياب السياسات العامة لتحسين أوضاع النساء يجعل أي خطوات حثيثة تتخذ في هذا الإطار غير فعالة.
(4) مازالت جهود والمجلس القومي للمرأة تشوبها العديد من أوجه القصور. َإذ لا يوجد وعيًا كافيًا بأنشطته، وهناك انطباع عام بأنه ذو طبيعة نخبوية، أي يتعامل مع النُّخبة وليس مع الناس العادية في المجتمع، الأمر الذي يشكل حائل بينه وبين انتشار حملاته المختلفة وأخرها حملة “التاء المربوطة. كذلك، فبالرغم من إصدار الدولة لإستراتيجية وطنية لمكافحة العنف ضد النساء قبل ما يزيد عن عام، مازالت هذه الإستراتيجية تفتقد إلى آليات للمتابعة والتقييم.
(5) وبصفة عامة ، فالعوامل التي تعوق التمكين السياسي للمرأة، بحيث يمكن رصدها في ثلاث مجموعات، تتعلق أولاها بالسياق المجتمعي والثقافي الذي تعيش فيه، حيث تبرز اعتبارات مهمة كالعادات والتقاليد. وأما المجموعة الثانية، فتتصل بتكوين المرأة المصرية ومدى اقتناعها بقدراتها على العمل العام وإيمانها بأهمية دورها السياسي. فما زال هناك قطاع لا بأس به من النساء غير متحمس لدور المرأة السياسي ومن ثم تجده يخذل النساء ويصوت للرجال في أية انتخابات، كما يؤكد في استطلاعات الرأي على عدم جاهزية المرأة لمناطحة الرجال في العمل العام.
ختاما، فالأمر لا يتعلق فقط بالترويج للمرأة وضرورة توسيع الفرص أمامها، بل يرتبط بشكل أكبر بالأطر القانونية الموجودة التي لا تَحمي حقوقَها بصورةٍ كاملةٍ، وكذلك النظرة الذكورية إليها وانعكاساتها الاجتماعية التي تتخَطَّى المناقشات المتعلقة بالمساواة، إلى عدم الوفاء بحقوقهِنَّ المشروعة. كما أن الحديث عن تعزيز نفاذ النساء إلى مواقع صنع القرار، ليس هدفه فقط مجرد ضمان تمثيل كمي، ولكن أيضاً تحقيق نقلة نوعية واضحة في دمج قضايا النساء في كافة الجهود التنموية والسياسات العامة.
دينا حلمي
مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية