في حين تسعى روسيا إلى حشد الجهود الدولية من أجل إعادة إعمار سورية وبناء اقتصادها المنهك بعد سنوات طويلة من الحرب، ربطت واشنطن مشاركتها في العملية بإبعاد إيران وميليشياتها من سورية، والتوصل إلى حل سياسي سلمي.
بالتزامن، ألقى التوتر بين الولايات المتحدة وتركيا بظلاله على «خريطة طريق» اتفق عليها البلدان في أيار (مايو) الماضي للتعاطي مع مدينة منبج (شمال سورية)، وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن اتفاق منبج تأجل «لكنه لم يمت تماماً». ونقلت وسائل إعلام تركية عن أردوغان خلال رحلة العودة من المجر، أنه اتهم الولايات المتحدة بعدم التزام الجدول الزمني المتفق عليه لانسحاب «وحدات حماية الشعب» الكردية من منبج.
من جانبه، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام سفراء عدد من البلدان لدى موسكو، إن «على جدول الأعمال حالياً إعادة تأهيل الاقتصاد المدمر والبنية التحتية وعودة ملايين اللاجئين إلى وطنهم (سورية)»، مشيراً إلى أن «هذا الأمر سيُقلل من ضغط الهجرة عن العديد من البلدان الأوروبية». وأعرب عن أمله في مساهمة دولية ناشطة في هذا الأمر، وقال: «نراهن على أن مساعدة السوريين في حل هذه المشاكل ستصبح مهمة مشتركة للمجتمع الدولي». ومع تأكيده أن «دورنا كان حاسماً في توجيه ضربة قاضية للأممية الإرهابية والحفاظ على كيان الدولة السورية»، أشار بوتين إلى أن «نتائج مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي وقرار مجلس الأمن 2254 وضعت الأسس لتنشيط مفاوضات السلام»، لافتاً إلى أن روسيا، مع شركائها في صيغة آستانة (تركيا وإيران)، تعمل بحيوية لتشكيل لجنة سورية للدستور.
وجاءت تصريحات بوتين بعد ساعات قليلة من تشديد وزير الخارجيّة الأميركي مايك بومبيو على أن واشنطن «لن تقدم أي مساهمة في تمويل إعادة إعمار سورية طالما أنّ هناك قوات إيرانية أو مدعومة من إيران في هذا البلد». وقال بومبيو في خطاب أمام المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي، إن «النزاع في سورية بات اليوم عند منعطف»، مشيراً إلى أن نظام الرئيس بشار الأسد «عزّز سيطرته» على الأرض «بفضل روسيا وإيران»، وأنّ «تنظيم داعش، برغم أنه لم يتمّ القضاء عليه بالكامل بعد، إلّا أنه بات ضعيفاً». وأشار إلى أن «الوضع الجديد يتطلّب إعادة تقويم لمهمّة أميركا في سورية»، مؤكداً أنه إن كانت هزيمة «داعش» هي الهدف الأوّل، فهي «ليست هدفنا الوحيد».
وشدد بومبيو على أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تُريد حلاً سياسياً وسلمياً بعد سبع سنوات من النزاع، كما تريد «أن تخرج القوات الإيرانية أو المدعومة إيرانياً من سورية». وفي خصوص المساهمة في إعادة الإعمار، قال بومبيو: «لقد كُنّا واضحين: إذا لم تضمن سورية الانسحاب الكامل للقوّات المدعومة إيرانياً، فهي لن تحصل على دولار واحد من الولايات المتحدة لإعادة الإعمار».
وتكشف تصريحات الوزير الأميركي أن واشنطن تريد استخدام ورقتَي الضغط اللتين تملكهما، وهما الوجود على الأرض وحاجة روسيا والنظام للأموال والتقنيات اللازمة للإعمار، من أجل إخراج إيران وميليشياتها والتوصل إلى حل سلمي.
في غضون ذلك، كشفت «وحدات حماية الشعب الكردية»، أبرز مكونات «قوات سورية الديموقراطية» (قسد)، أن «نحو 900 مقاتل إرهابي داعشي موجود في معتقلاتنا… من نحو 44 دولة». وقال الناطق باسم الوحدات نوري محمود، إن «الحرب ضد داعش مستمرة، ولا نزال حتى الآن نعتقل إرهابيي» التنظيم، لافتاً الى أن «الأعداد التي ازدادت كانت خلال الأشهر الأخيرة من المعارك بين قواتنا وداعش».
وتطالب الإدارة الذاتية الدول التي تتحدر منها عناصر التنظيم بتسلُّم مواطنيها ومحاكمتهم لديها. وقال محمود: «غالبية الدول تتهرّب من المسؤولية، وترفض أخذ الإرهابيين الدواعش إلى بلدانهم».
وخلال الأشهر السابقة، تسلَّمت دول عدة، بينها الولايات المتحدة وروسيا والسودان وإندونيسيا، أفراد عائلات «دواعش»، وفق ما قال مسؤول هيئة الخارجية في الإدارة الذاتية عبد الكريم عمر لوكالة «فرانس برس».
وبين أشهر المعتقلين لدى الأكراد، ألكسندر أمون كوتي، والشافعي الشيخ، وهما الناجيان الوحيدان من وحدة ضمت أربعة مقاتلين مارست التعذيب بحق صحافيين وآخرين وقطعت رؤوساً، وأُطلقت عليهم تسمية «البيتلز» كونهم بريطانيين. وبعد طرد التنظيم من الرقة، تم اعتقال فرنسيين عديدين، بينهم أدريان غيهال وإميلي كونيغ وتوماس بارنوان.
الحياة