أثار ما تداولته صحيفة “ذا صن” البريطانية حول وجود عشرات ضباط الاستخباراتوالقوات الخاصة الروسية في شرق ليبيا، تساؤلات حول خطط الكرملين في هذا البلد، وما إذا كان سيصبح وجهة جديدة للوجود العسكري الروسي الدائم بعد سورية، أم سيقتصر على تنفيذ بعض المهام بواسطة شركة “فاغنر” العسكرية الخاصة غير المسجّلة رسمياً، والتي شاركت في عمليات برية عالية المخاطر في سورية إلى جانب قوات النظام.
ووسط نفي رسمي لأيّ حضور عسكري روسي في ليبيا، ذكرت صحيفة “إر بي كا” الروسية، نقلاً عن مصدر مقرّب من وزارة الدفاع في موسكو، أنّ “قوات روسية متمثّلة بوحدات إنزال نخبوية، تمّ نقل أفرادها من ثكنات في ضواحي موسكو إلى شرق ليبيا على مدى الأشهر الماضية”.
”
قوات روسية متمثّلة بوحدات إنزال نخبوية، تمّ نقل أفرادها من ثكنات في ضواحي موسكو إلى شرق ليبيا
”
وأضافت الصحيفة نقلاً عن المصدر، قوله إنّ “حليف روسيا في ليبيا هو الجيش الوطني بقيادة (اللواء المتقاعد) خليفة حفتر”، وهو الأمر الذي نفاه رئيس مجموعة الاتصال الروسية حول ليبيا، ليف دينغوف، إذ قال إنّ “هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تقديم حقيقة تعاون روسيا مع أحد الفاعلين في ليبيا على أنه سياسة دعم طرف واحد”.
وفي هذا الإطار، قلّل الأستاذ بقسم العلوم السياسية في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، غريغوري لوكيانوف، من واقعية تحقق السيناريو الذي أوردته “ذا صن”، مشيراً إلى أنّ “ليبيا اليوم ليست موقعاً للمصالح الحيوية الروسية في المنطقة على غرار سورية”.
وأضاف لوكيانوف، في حديث مع “العربي الجديد”: “يدل التجهيز التقني الحديث للقوات المسلحة الروسية وخبرة عملياتها في سورية على قدرة روسيا على تنفيذ عمليات واسعة وفعّالة بمنأى عن أراضيها، وباستخدام أحدث الأسلحة وأساليب الحرب. ولكن توفّر مثل هذه الإمكانيات لا يعني أنّه سيتم توظيفها بالضرورة، في ظلّ التكاليف العالية للحروب”، متابعاً “ليست ليبيا اليوم موقعاً حيوياً للمصالح الروسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولذلك، فإنّ احتمال تحقق السيناريو الذي أوردته ذا صن ضئيل جداً”.
ولفت لوكيانوف إلى أنّ “الحضور العسكري الواسع للقوات النظامية الروسية لا يلبي مصالح السياسة الروسية، لا في ليبيا ولا في شمال أفريقيا بشكل عام، لأنّ هذه الآلية غير مفيدة لتحقيق أهداف القيادة الروسية على المسار الليبي”.
وحول صفة الشركات العسكرية العاملة في ليبيا، أوضح أنه “كثيراً ما تُستخدم الشركات العسكرية الخاصة لتنفيذ مهام تدريب الكوادر، وحراسة مواقع وشخصيات بعينها، والعمل الاستخباراتي وحتى تنفيذ عمليات خاصة”، مضيفاً أنّ “الكثير من هذه الشركات تعتبر دولية، ويعمل في بعضها خبراء روس، ولكن بصفتهم أشخاصاً طبيعيين لا يمثّلون سوى مصالح زبائنهم المحليين، وليس الدولة الروسية”.
وعلى مدى آخر عامين، سعت روسيا لإقامة اتصالات مكثّفة مع مختلف الأطراف الليبية، بحثاً عن استعادة ما فقدته من عقود ضخمة مع سقوط العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. وقد تمثّل ذلك في زيارات متكرّرة قام بها كل من حفتر ورئيس حكومة الوفاق، فايز السراج، إلى موسكو التي سعت للوساطة بينهما.
”
لوكيانوف: ليبيا اليوم ليست موقعاً للمصالح الحيوية الروسية في المنطقة
”
وأوضح لوكيانوف أنّ “السياسة الرسمية للدولة الروسية تجاه الوضع في ليبيا تستند إلى الانحياز لمبدأ الوقوف على المسافة نفسها من جميع اللاعبين الرئيسيين، من أجل تحقيق هدف استراتيجي واستعادة الاتصالات الاقتصادية والسياسية إلى مستوى مقبول، بما يصبّ في مصلحة الجانبين على المدى المتوسط والطويل”.
من جهتها، اعتبرت صحيفة “فزغلياد” الروسية أنّ “الغرب قَبِل بانتصار روسيا في سورية، فبات يروّع الآخرين ونفسه من الخطط الروسية في ليبيا”. وأكّدت الصحيفة في مقال تحت عنوان “لماذا يتم ترويع أوروبا بـ(التدخل الروسي) في ليبيا؟”، أنّ “عشرات من الخبراء العسكريين الروس يساعدون حفتر الذي تعرض إدارته مشاريع مربحة مختلفة على روسيا”.
وكانت صحيفة “ذا صن” قد ذكرت قبل أيام أنّ رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، تلقّت معلومات استخباراتية تفيد بأنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يريد جعل ليبيا “سورية جديدة”، وأنّ هناك قاعدتين روسيتين في طبرق وبنغازي تحت غطاء من شركة “فاغنر”، مشيرةً إلى أنّ موسكو “تزوّد قوات حفتر بالأسلحة الثقيلة”.
وعلى الرغم من سعي حفتر للحصول على السلاح من روسيا، إلا أنّ موسكو سعت حتى الآن لعدم خرق الحظر الأممي على توريد الأسلحة إلى ليبيا، بشكل علني على الأقل. إلا أنّ رئيس تحرير مجلة “تصدير الأسلحة”، أندريه فرولوف، اعتبر في حديث سابق مع “العربي الجديد”، أنّ روسيا “قد تلتفّ على الحظر بتزويد حفتر بالسلاح بموجب العقود المبرمة في عهد القذافي، أي قبل تطبيق الحظر الدولي”.
يذكر أنّه ذاع صيت شركة “فاغنر” في مارس/ آذار 2016، بعد تداول تحقيق حول مقتل عشرات المرتزقة التابعين لها أثناء العمليات البرية في محيط تدمر بسورية. ومنذ ذلك الحين، لم تتوقّف التسريبات عبر الصحافة الليبرالية وشبكات التواصل الاجتماعي، حول مقتل العشرات من مقاتلين آخرين لا يمتّون بصلة إلى الجيش الروسي.
رامي القليوبي
العربي الجديد