أنقرة – تحركت تركيا سريعا لاستغلال التهديدات الأميركية للسعودية وقال وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو إن الرياض لم تبد حتى الآن تعاونا في التحقيق في اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصليتها بإسطنبول، ودعاها إلى إفساح المجال لدخول محققين أتراك إلى المبنى.
وقال الوزير التركي “لم نر حتى الآن تعاونا لإجراء تحقيق سلس وكشف كل الحقائق. وهذا ما نريد أن نراه”.
وجاءت تصريحات جاويش أوغلو مباشرة بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن قضية خاشقجي، ما يشير إلى أن أنقرة تتمادى في استرضاء واشنطن وكسب ودها من بوابة هذه القضية.
وكان ترامب قد حذر من أن واشنطن ستنزل “عقابا شديدا” في حال تأكد دور السعودية في اختفاء خاشقجي. وقال الرئيس الأميركي، حسب مقتطفات من مقابلة نشرت السبت مع شبكة سي.بي.إس، “سنعرف ماذا حدث وسيكون هناك عقاب شديد”.
ومن الواضح أن الأتراك يسعون للتهدئة مع واشنطن ببيعها قضية خاشقجي من جهة، ومحاولة استرضائها بإطلاق سراح القس أندرو برانسون.
وقللت أوساط سياسية تركية من سقف النتائج التي يراهن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أنها ستتحقق في العلاقة مع الولايات المتحدة بعد إطلاق سراح برانسون، مشيرة إلى أن صفقة القس قد تهدئ الضغوط الأميركية على أنقرة لبعض الوقت، لكن واشنطن لن تتوقف عن مطالبة الرئيس التركي بتنازلات جديدة.
وبعد وقت قصير من الإفراج رسميا عن القس برانسون، طالب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أنقرة بإطلاق سراح أميركيين آخرين لا تزال تعتقلهم، بالإضافة إلى أتراك موظفين في بعثات دبلوماسية أميركية بتركيا.
ورحب البيت الأبيض في بيان له بإطلاق سراح القس أندرو برانسون، لكنه ذكر بأن “واشنطن لا تزال تنتظر إطلاق سراح آخرين”. وتابع البيت الأبيض “نحن لا نزال نشعر بقلق عميق تجاه الاعتقال المستمر للمواطنين الأميركيين في تركيا وحول العالم ونحث على حل جميع تلك القضايا بطريقة شفافة وعادلة”.
وتطالب الولايات المتحدة تركيا بالإفراج خصوصا عن سركان غولج الذي يحمل الجنسيتين التركية والأميركية ويعمل عالما في وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” الذي حكمت عليه محكمة تركية في فبراير بالسجن لمدة سبع سنوات ونصف السنة بتهمة الإرهاب قبل أن يتم تخفيض العقوبة في سبتمبر الماضي إلى السجن لمدة خمس سنوات.
وتعتقل أنقرة موظفين تركيّين يعملان في بعثتين دبلوماسيتين أميركيتين في تركيا، أحدهما في القنصلية الأميركية في أضنة يدعى حمزة أولوكاي وقد رفضت المحكمة، الجمعة، طلبا تقدّم به لإطلاق سراحه.
وتشير الأوساط التركية إلى أن واشنطن لن تغفر لأردوغان محاولاته في إظهار التحدي لترامب واستهداف الدور الأميركي في المنطقة بالتحالف مع روسيا وإيران.
ويعتقد مراقبون أن واشنطن ستزيد من ضغوطها لإجبار أنقرة على مراجعة خطواتها في بناء تحالف مع روسيا وإيران، وخاصة الاستمرار في صفقة صواريخ أس-400، لافتين إلى أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تقبل لعضو من حلف الأطلسي أن يكون حليفا لروسيا ومستوردا لأسلحة متطورة منها.
وأشار المراقبون إلى أن التجاهل الأميركي لاتفاق منبج وعدم تنفيذ بنوده خاصة ما تعلق بالدوريات المشتركة هو رسالة من واشنطن إلى أنقرة بأن القرار الأخير يعود إلى الولايات المتحدة، وهو قرار تحدده استراتيجيتها في البقاء شرق سوريا لمنع التمدد الروسي والإيراني، وضمان أن يكون رأيها محددا في ضبط ملامح الحل المستقبلي في سوريا.
وما زال لغز منبج مستمرا رغم مرور ستة أشهر على خارطة الطريق التي أعلن عنها وزير الخارجية الأميركي. وفي الوقت الذي يؤكد فيه البنتاغون أن القوات التركية لن تدخل إلى المدينة، نجد أن التصريحات الصادرة من تركيا تؤكد عكس ذلك، زاعمة أن مفتاح المدينة أصبح في يدها.
وبالتزامن مع لحظة إطلاق سراح القس برانسون، سعى الرئيس التركي إلى إظهار نوع من التحدي تجاه واشنطن بسبب منبج، حين قال إنهم (الأميركيون) “وعدونا بمغادرة إرهابيي ‘ي.ب.ك’ منطقة منبج خلال 90 يوما ولم يوفوا بالوعد وبدورنا سنقوم باللازم”.
لكن مراقبين قالوا إن هذا التصعيد الكلامي هدفه محاولة الظهور في موقع قوة لتبديد الاتهامات بعقد صفقة لإطلاق سراح برانسون، واستدرار عطف واشنطن للسماح لأنقرة بهامش من المناورة وبعض المكاسب في مقابل ذلك.
ولا يتوقع المراقبون أن يساهم إطلاق سراح برانسون في تليين مواقف جبهة الرفض لأردوغان داخل البيت الأبيض والتي يتزعمها مستشار الأمن القومي جون بولتون.
ومن المعروف أن بولتون لا يحبذ سياسات أردوغان، فقد أدلى بتصريح إلى قناة “فوكس نيوز″ الإخبارية الأميركية ليلة 15 يوليو 2016، وهي الليلة التي تعرض فيها أردوغان لمحاولة انقلاب فاشلة من قبل الجيش، أعرب فيه عن قناعته بأن نجاح أردوغان في إجهاض حركات الجيش كان شيئا سيّئا.
ورغم حالة التوتر القصوى بين أنقرة وواشنطن، لم تتوقف جماعات الضغط المؤيدة لتركيا في الولايات المتحدة عن سعيها لإخراج أردوغان من مآزقه.
وعمل اللوبي التركي بقوة خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ لإيجاد سبيل لعقد لقاء بين أردوغان وترامب، ولكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، بعد أن أبلغت أميركا أنقرة صراحة أنه لا سبيل لعقد أي لقاءات قبل إطلاق سراح برانسون دون أي شروط.
وقد حل بعض الضيوف الخاصين على بولتون في مكتبه المجاور للمكتب البيضاوي. وكان هؤلاء الضيوف عبارة عن مجموعة من المديرين التنفيذيين لعدد من الشركات الأميركية، التي تربطها بتركيا علاقات عمل وثيقة؛ حيث جاء هؤلاء الأشخاص كي يطلبوا من بولتون التدخل لدى ترامب لإصلاح علاقة أميركا بتركيا، آملين أن ينجح، من خلال علاقته الوطيدة مع الرئيس الأميركي، في هذا الأمر.
وكان رد بولتون صادما لممثلي الشركات الأميركية العاملة في تركيا. وأعلن صراحة لضيوفه، الذين يتمتعون بسطوة في عالم المال والأعمال، أن العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة لن تشهد أي تغير قبل إطلاق سراح القس برانسون.
العرب