لم يبلغ قلق جيران الصين في وجه مطالبها الإقليمية المتصاعدة في بحر الصين الجنوبي هذا المستوى المرتفع والقوة قط. ضاعفت بكين في الشهور الماضية أعمال البناء على سبع جزر شبه اصطناعية في أرخبيل سبارتليز الاستراتيجي. ويتواجه في النزاع حول السيادة على هذه الجزر الصغيرة كل من الصين والفيليبين وفيتنام وبروناي وماليزيا وتايوان. وتخشى دول المنطقة من لجوء الصين إلى القوة في الأرخبيل. وتتهم الولايات المتحدة الصينيين بإقامة «سور رملي عظيم» في بحر الصين الجنوبي و «بفرض وقائع على الماء» من أجل تعزيز مطالبهم الإقليمية. وجاء الرد الصيني على طلب وزير الخارجية الأميركي جون كيري أثناء زيارته الأخيرة إلى بكين «بتخفيض حدة التوتر» قاسياً، حيث شدد وزير الخارجية الصيني وانغ يي على أن «أعمال البناء تقع كلياً داخل مناطق السيادة الصينية وتعتزم الصين الحفاظ على وحدتها الإقليمية الصلبة كالصخر».
وكانت مجموعات عدة من صور ملتقطة من الأقمار الاصطناعية منذ كانون الثاني/ يناير أظهرت سعة أعمال البناء الصينية لجزر اصطناعية وتقدمها السريع. وأنشأ الصينيون على شعاب فيري كروس المرجانية التي حولوها جزيرة بطول ثلاثة كيلومترات، مدرج إقلاع، وهو منشأة لا تملك الصين مثيلاً لها في الأرخبيل، خلافاً لمنافسيها. أما في شعاب ميسشيف، فقد استصلحت بكين أراضي من البحر عبر ضخها إلى السطح كميات ضخمة من الرمل الأبيض ثم صلّبتها ببنى جامدة. وتجري الآن أعمال بناء قواعد عسكرية تكون لاحقاً مواقع متقدمة لـ «جيش التحرير الشعبي» [الصيني]. ويشير تقرير للبنتاغون إلى أن الصين وسعت اصطناعياً مساحة هذه الجزر من 202 هكتار إلى 810 هكتارات. وعلى الخرائط الرسمية الصينية تحدد خطوط جديدة المناطق البحرية الصينية التي تشمل 90 في المئة من بحر الصين الجنوبي. وتسمى هذه المناطق «لسان الثور» بسبب شكلها وتعادل مساحتها مساحة البحر الأبيض المتوسط. الأرجح أن هذه المياه المضطربة غنية بالنفط والغاز وتمر عبرها خطوط بحرية من الأهم في العالم. تهدد المطالب الإقليمية الصينية متزايدة التشدد، بتحويل المنطقة بحراً إقليمياً، ما قد يحد من حرية الحركة البحرية. ثمة بلدان أخرى تدّعي حقوقاً لها في هذا القطاع. وتنشئ فيتنام التي تنازع الصين على مناطق عدة في أرخبيلي بارسلز وسبارتليز جزراً على الشعاب المرجانية ستكون مقابلة للجزر الصينية لكنها أصغر بكثير. كما استحوذ على الفيليبين جنون البناء على جزر سبارتليز.
من ناحية ثانية، تسعى بكين وطوكيو إلى تهدئة الأجواء بينهما منذ عدة أشهر. تجددت الاتصالات على أرفع مستوى وعقد في آذار/ مارس لقاء حول الشأن الأمني هو الأول منذ أربع سنوات بين الرجل الثاني في الديبلوماسية اليابانية شنسوكي سوجياما ونظيره الصيني ليو جيانتشاو. مع ذلك ما زال انعدام الثقة جاثماً، فإعلان الصين «منطقة التعريف للدفاع الجوي» نهاية 2013 في بحر الصين الشرقي أثار أزمة عميقة بين بكين وبين طوكيو. وتقع اليابان في خط الرمي، ذلك أن منطقة تعريف الدفاع الجوي تشمل جزر سنكاكو التي تشرف اليابان عليها وتطالب الصين بها وتسميها ديايو. أجرت اليابان قبل أسابيع مناورات بحرية مشتركة مع الفيليبين في بحر الصين الجنوبي لتعزيز التعاون العسكري بين حلفاء الولايات المتحدة في وجه تصاعد العدائية الصينية.
وارتفعت حدة لهجتي القوتين العسكريتين العالميتين الأكبر في الأسابيع الماضية حيث أعلن العسكريون الأميركيون أنهم يبحثون في «خيارات» بناء على أمر من وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر لإظهار رفضهم الواضح فرضَ الصينيين أمراً واقعاً في بحر الصين الجنوبي. ويعتزم العسكريون الأميركيون إرسال سفن حربية تبحر عمداً على مسافة تقل عن 12 ميلاً بحرياً من الجزر الصغيرة المحتلة من الصين وعلى دفع طائرات استطلاع إلى التحليق في أجوائها لإظهار رفض السيادة الصينية على المنطقة. وتعتبر الولايات المتحدة أن إنشاء الجزر على الشعاب المرجانية لا يعطي الصين حق المطالبة بالسيادة الإقليمية. في المقابل، تتهم بكين واشنطن ومانيلا بالعمل معاً على المبالغة في الحديث عن «الخطر الصيني».
وضاعفت الولايات المتحدة عدد مناوراتها العسكرية المشتركة مع حلفائها في المنطقة المتنازع عليها. ويراقب الخبراء في الشأن الأمني الرهان الخطر الذي تمضي واشنطن فيه، ما ينطوي على خطر عمل عسكري محدود لكن مباشر. وفي حال أخفقت المبادرات الأميركية في احتواء العدوانية الصينية، ستواجه واشنطن عدداً من الخيارات السيئة: أما التراجع وتقويض صدقيتها أمام حلفائها في المنطقة أو السير في التصعيد والمجازفة بمواجهة مفتوحة مع بكين. يحمل الارتفاع الجديد هذا في الحمّى الأميركية- الصينية على الشك في الاعتقاد السائد أن التنافس على فرض النفوذ في المنطقة بين واشنطن وبين بكين لن ينتهي عاجلاً أم أجلاً بمواجهة بين الجانبين. نقلا عن الحياة.
باتريك سان
المركز العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية