منذ العام 2015، تحالفت الولايات المتحدة مع قوات سورية الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية في المعركة ضد “داعش”. وقد تبين أن هذه المجموعة تشكل قوة لا تقهر ضد “داعش” وأظهرت رغبة في التفاوض مع دمشق، لكن أنقرة تنظر إليها على أنها امتداد لتمرد كردي في الوطن، ولذلك استهدفتها. وأدى ذلك إلى وقوع اشتباكات مميتة بين الثوار السوريين الذين تدعمهم تركيا، والذين كانوا يتلقون الدعم سابقاً من وكالة المخابرات المركزية الأميركية، وبين قوات سورية الديمقراطية التي تدعمها الآن وزارة الدفاع الأميركية، والتي تسيطر على نحو ربع مساحة البلد.
* * *
قد تكون الصفقات التي أبرمتها تركيا مع روسيا والولايات المتحدة في سورية في خطر الآن، بعد التحديات المحلية التي ظهرت لترتيبَين دوليّين غير مستقرَّين مصممَين لتجنب اندلاع موجة جديدة من العنف، في حرب سورية المستمرة منذ أكثر من سبع سنوات.
في الشهر الماضي، اتفقت تركيا وروسيا على إقامة منطقة خفض للتصعيد في إدلب، آخر محافظة ما تزال تسيطر عليها حركة التمرد بقيادة إسلامية. وكان الاتفاق تحركاً هدف إلى منع هجوم شامل تشنه قوات الحكومة السورية على الثوار والجهاديين هناك. وبموجب شروط الاتفاق، سيترتب على قوات المتمردين المحلية أن تقوم بسحب أسلحتها الثقيلة من المنطقة المحددة بحلول 10 تشرين الأول (أكتوبر)، وإخلاء الجماعات الجهادية منها بحلول 15 منه.
في حين أن التقارير المحلية أشارت إلى نقل الأسلحة الثقيلة بنجاح قبل يوم من الموعد المقرر، فقد تبيّن أن إقناع المجموعات الإسلامية السنية الرئيسية، مثل ائتلاف هيئة تحرير الشام المهيمن، بالمغادرة بحلول الموعد النهائي المقرر يوم الاثنين، أكثر صعوبة من المتوقع. ويوم الجمعة، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان المؤيد للمعارضة، والذي يتخذ من المملكة المتحدة مقراً له، إنه “لم يكن هناك أي انسحاب لأي عناصر من ‘الجماعات الجهادية’ من المنطقة منزوعة السلاح”.
وفي رسالة نصية اطلعت عليها وكالة الأنباء الفرنسية، حذر الجيش السوري السكان المحليين بقوله: “يا أبناء إدلب ومحيطها… تجنبوا المسلحين، نهايتهم أصبحت وشيكة”. ووعدت رسالة أخرى بأن “المناطق التي سيُجبر المسلحون على الرحيل منها ستكون آمنة”. كما تقول رسالة ثالثة: “يا شعبنا العزيز من سكان المنطقة التي يُفترض أن يغاردها المسلحون، لا تسمحوا للإرهابيين بأن يستخدموكم كدروع بشرية”.
تشمل الجماعات المسلحة التي يجب أن تغادر المنطقة المعنيّة مجموعة هيئة تحرير الشام -التي تضم آخر تجسُّد لجبهة النصرة- بالإضافة إلى حلفاء آخرين لتنظيم القاعدة، مثل “حزب تركستان الإسلامي، و”حرس الدين”، و”أنصار الدين”. وقد حذرت مجموعات الإغاثة الدولية من أزمة إنسانية محتملة في حال لم تغادر هذه المجموعات وبدء عمليات عسكرية في المنطقة.
يوم الجمعة، قال فوتر شاب، المدير القطري لمؤسسة “كير” الدولية في سورية، في تصريح له: “يحبس سكان إدلب وعمال الإغاثة هناك أنفاسهم بينما يقترب الموعد النهائي لإبرام صفقة سياسية. وفي حين أن شروط الصفقة معروفة، فإننا لا نعرف ماذا ستكون الخطة في حال فشلت الأطراف على الأرض في تطبيقها. هل ستكون حرباً شاملة؟ مرة بعد الأخرى، انتهت صفقات مماثلة ببساطة إلى حمام دم. يجب إنقاذ حياة الناس العالقين في هذه المواجهة بأي ثمن”.
كانت تركيا قد انضمت إلى الغرب وحلفائها الإقليميين في العام 2011 لدعم انتفاضة شعبية ضد الرئيس السوري بشار الأسد، الذي اتهموه بارتكاب جرائم حرب خلال حملة قمع شنتها حكومته ضد الاحتجاجات المناهضة للدولة. وأدت الاضطرابات التي أعقبت ذلك إلى تقوية القوى الجهادية، بما فيها تنظيم القاعدة ومجموعة الدولة الإسلامية، “داعش”، التي أصبحت هدفاً لتدخل عسكري بقيادة الولايات المتحدة في العام 2014.
كما انضمت روسيا أيضاً إلى القتال في العام التالي لدعم القوات المسلحة السورية وحلفائها، بمن فيهم الميليشيات الإسلامية الشيعية التي تدعمها إيران، ضد المجموعات المختلفة التي كانت تحاول الإطاحة بالأسد. وتسيطر القوات الموالية للحكومة السورية الآن على معظم أجزاء البلد، تاركة إدلب لتكون المعقل الرئيسي الأخير لنفوذ الثوار والجهاديين، بالإضافة إلى كونها ملاذاً لما يصل إلى ثلاثة ملايين شخص غير راغبين في التصالح مع الحكومة. وقد حث الغرب كلاً من تركيا روسيا وإيران على عدم السماح للجيش السوري بالمضي قدماً في هجومه الوشيك بالنظر إلى المخاطرة بوقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين.
في حين أن الولايات المتحدة حذرت من أنها ربما تقوم بعمل عسكري لمنع شن مثل هذه العملية، خاصة في حال الاشتباه باستخدام أسلحة كيميائية، سعت تركيا إلى استخدام موقفها كشريك لكل من الطرفين للعمل على الحيلولة دون تصعيد العنف في إدلب. وفي العام الماضي، انضمت تركيا إلى عملية سلام ثلاثية مع روسيا وإيران للمساومة على فصائل المعارضة المحاصرة، بينما شرعت علاقاتها مع الولايات المتحدة في التدهور بسبب فصيل يتكون في معظمه من الأكراد، والمعروف باسم قوات سورية الديمقراطية.
منذ العام 2015، تحالفت الولايات المتحدة مع قوات سورية الديمقراطية في المعركة ضد “داعش”. وقد تبين أن هذه المجموعة تشكل قوة لا تقهر ضد “داعش”، والتي أظهرت رغبة في التفاوض مع دمشق، لكن أنقرة تنظر إليها على أنها امتداد لتمرد كردي في الوطن، ولذلك استهدفتها. وأدى ذلك إلى وقوع اشتباكات مميتة بين الثوار السوريين الذين تدعمهم تركيا، والذين كانوا يتلقون الدعم سابقاً من وكالة المخابرات المركزية الأميركية، وبين قوات سورية الديمقراطية التي تدعمها الآن وزارة الدفاع الأميركية، والتي تسيطر على نحو ربع مساحة البلد.
في العام الماضي، أدت أعمال العنف بين اثنين من حلفاء واشنطن إلى تفاهم نادر بين الولايات المتحدة وروسيا، حيث قامت قواتهما بدوريات مشتركة في مدينة منبج السورية الشمالية، انطلاقاً من المصلحة المتبادلة في منع أي تقدم تركي. ووسط التهديدات بتوغل تركي جديد في وقت سابق من هذا العام، اتفقت الولايات المتحدة وتركيا على تسيير “دوريات مستقلة ومنسقة” خاصة بهما في منبج، وعلى مغادرة قوات وحدات حماية الشعب -وهي ميليشيا كردية قوية وجزء من قوات سورية الديمقراطية- في نهاية المطاف.
في حين أن نزاعاً منفصلاً بين الولايات المتحدة حول مصير قس مسيحي كانت تحتجزه أنقرة قد انتهى إلى الحل فيما يبدو يوم الجمعة الماضي، فإن ترتيب البلدين في سورية ما يزال عرضة لمخاطر كبيرة. وقد حذر الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، من مغبة عدم مغادرة المقاتلين الأكراد. وبينما يهدد بإعادة إشعال فتيل الأزمة التي شهدت تعهد الجيش الأميركي بعدم التراجع رداً على تحذيرات تركية مشابهة في كانون الثاني (يناير)، فقد تعهد إردوغان بـ”عمل كل ما هو ضروري” فيما يتعلق بمنبج.
وقال إردوغان يوم الجمعة في تجمع حاشد في مقاطعة إسبرطة وسط البلاد، وفقاً لوكالة الأناضول الرسمية: “الآن، يقومون بحفر الخنادق في منبج. ما الذي يعنيه هذا؟ ‘لقد حفرنا قبورنا، فتعالوا لتدفنونا’. سوف نصل إلى هناك أيضاً”.
الغد