من أجل دخول المدينة، يضطر أبو يزن (33 سنة) وزوجته وأولاده الثلاثة أن يستقلوا عبّارة بدائية لقطع نهر الفرات. ثم تكمل العائلة طريقها إلى داخل الرقة على متن دراجة ناريّة تعبر النهر معها.
ويقول الرجل ذو اللحية السوداء: «هناك صعوبة والأولاد خائفون مع الاحتمال الدائم بأن تغرق» العبّارة. ويضيف: «نريد أن يتم إصلاح الجسر لأنه أكثر أمناً من التنقل في المياه».
من الضفة المقابلة للنهر، يمكن رؤية عبّارات وقوارب صغيرة تتجوّل ذهاباً وإياباً، تقل سيارات وشاحنات وأشخاصاً ودراجات نارية مقابل بدل مالي.
وليس بعيداً من مكان توقف العبارات، يمكن مشاهدة ما تبقى من أعمدة جسر يُعرف باسم «الجسر القديم»، بعدما استهدفته غارة للتحالف الدولي.
وتسببت غارات التحالف بتدمير كل الجسور المؤدية إلى الرقة، وكان الهدف منها تقطيع أوصال المدينة لمحاصرة «داعش» داخلها.
ويقول نائب مجلس الإدارة المحلية والبلديات في مجلس الرقة المدني أحمد الخضر: «هناك 60 جسراً بحاجة للإصلاح» في المدينة، مشيراً إلى أن «التحالف الدولي قدّم ثمانية جسور معدنية وُضعت على الطرق الرئيسة» في ريف الرقة لوصل المناطق ببعضها.
وقدرت منظمة العفو الدولية حجم الدمار في الرقة بثمانين في المئة، ويشمل المدارس والمستشفيات والمنازل الخاصة. وأحصت وجود «30 ألف منزل مدمرة بالكامل و25 ألفاً شبه مدمرة».
ويكاد لا يخلو حي أو شارع من الأنقاض، وإن كان المشهد صادماً أكثر في وسط المدينة الذي شهد على آخر وأعنف المعارك.
ولا يزال مستشفى الرقة الوطني، الأهم في المدينة، ينتظر إعادة تأهيله. وتمتلئ غرفه وأروقته بأجهزة أشعة تالفة وأسرة وكراسٍ متضررة، فضلاً عن أدوية وأطراف اصطناعية مرمية في كل مكان.
ويقول إسماعيل المعيدي (48 سنة) إنه فقد خلال المعارك ابنه الذي قاتل في صفوف «قسد» ومنزله. ويعيش اليوم مع عائلته وأحفاده لدى شقيقته في حي النهضة. ويضيف المعيدي: «دمر التحالف البناء كله. راحت كل أغراضنا معه». ويروي: «خسرت ابني ودفنته بيديّ. ذهب كل شيء، كان أملي كله أن يأويني منزلي مع وعائلتي». ويسأل الرجل الذي طغى الشيب على شعره وذقنه: «كيف لي أن أعيد بناءه؟ نريد المساعدة في إزالة الأنقاض، لكن أحداً لم يساعدنا».
وعاد خلال السنة الماضية أكثر من 150 ألفاً من سكان الرقة إليها، وفق تقديرات الأمم المتحدة.
في مقر «مجلس الرقة»، يضع أحمد الخضر خريطة المدينة أمامه ويشرح قائلاً: «أحياء وسط المدينة هي الأكثر دماراً، إذ بلغت النسبة 90 في المئة مقابل 40 إلى 60 في المئة في الأحياء المحيطة». ويضيف: «الدمار هائل والدعم غير كاف».
وساعد «التحالف» في أعمال إزالة الألغام والأنقاض فضلاً عن تأهيل بعض المدارس. كما يشكل وجود الألغام والمتفجرات التي خلفها التنظيم خلفه خطراً رئيساً يودي بحياة السكان. ويشكو السكان من النقص الكبير في الخدمات الأساسية مع دمار البنى التحتية.
على جانب طريق في حي الفردوس، يجلس عبد الإبراهيم (70 سنة) وهو يحمل عبوة بلاستيكية فارغة. ويقول العجوز الأسمر البشرة بحسرة: «أتسوّل المياه، آتي إلى هنا وأجلس ربما يمر أحدهم». والمياه مقطوعة منذ ثلاثة أيام عن منزل اتخذه بديلاً عن بيته المدمر.
وتنهمر الدموع على وجنتي الإبراهيم وهو يشير إلى أنقاض مبنى قربه. ويوضح: «منزلي بات كهذا الركام (…) كنا في جنة الله، أنظروا ماذا حصل لنا، حتى المياه بتنا نتسولها».
على مقربة من المكان، ينهمك عمال في البحث عن أسلاك حديدية ملتوية بين أنقاض الأبنية، قبل أن يضعوها في آلة تعيد تقويمها لإعادة استخدامها لاحقاً.
ويعتاش سامر فرواتي من بيع الدخان على بسطة صغيرة مقابل منزله المدمر في حي مساكن الطب الحديث. ويقول: «قصفه الطيران، لم يبق لنا منزل ولا أي شيء».
ولدى سؤاله عن جهود إعادة الإعمار، يجيب: «لا يوجد شيء اسمه إعادة إعمار، كله كلام فارغ»، مضيفاً: «هذا هو حالنا، أن ندفع 120 دولاراً بدل إيجار شهرياً».
ولم يعد فرواتي يثق بكلام المسؤولين المحليين بعدما تلقى وعوداً كثيرة. ويقول: «لو يساعدوننا قليلاً، نكمل نحن البناء لكن لا أمل أبداً». ويضيف: «حتى فرص العمل قليلة. أعمل يوماً وأتوقف عشرة، إذا توافر الطعام نأكله، وإذا لم يتوافر لا نأكل شيئاً».