تستمر الحرب في العراق في إفراز تكوينات مختلفة من الشركاء الغريبين. وقد يكون آخر زوج غريب هو الأكثر غرابة على الإطلاق. في الأراضي العراقية القريبة من الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد بشكل خاص، شرعت قوات الحشد الشعبي، وهي مجموعة من الميليشيات الشيعية في معظمها- في التعاون مع بعض مقاتلي “داعش” السابقين. وقد تبدو فكرة الشراكة مع هؤلاء الأعداء السابقين شاذة، لكنها تنطوي على فوائد حقيقية لكلا الجانبين. فمن جانبها، تقوم فصائل قوات الحشد الشعبي بتوسيع تواجدها في المناطق السنية. وفي الوقت نفسه، يستطيع مقاتلو “داعش” السابقون أن يعادوا دخول المجتمع العراقي. ومهما تكن النتيجة النهائية، فمن المرجح أنها ستكون سيئة للعراق.
كانت قوات الحشد الشعبي لاعباً رئيسياً في الحرب ضد “داعش” التي بدأت في العام 2014. وقد تم تشكيلها حصرياً من المحاربين الشيعة، والذين كثيراً ما كانوا يقاتلون تحت أعلام دينية شيعية، وأصبح يُنظر إلى بعض ميليشيات قوات الحشد الشعبي على أنها قوى وكيلة للإيرانيين. وجعل ذلك من الصعب عليها العمل في المناطق ذات الأغلبية السنية، ودفع شركاء الحكومة العراقية الدوليين، بما في ذلك الولايات المتحدة، إلى الإحجام عن التحالف مع هذه الميليشيات لتشارك في جهودهم الحربية الخاصة.
مع ذلك، نجحت قوات الحشد الشعبي في البقاء. واليوم، أصبحت هي المسؤولة عن الأمن في بعض البلدات التي كانت تخضع لسيطرة “داعش” حتى فترة قريبة، وهي تشكل قوة سياسية رئيسية في البلاد. وفي الانتخابات الوطنية الأخيرة، على سبيل المثال، فاز خليط من فصائل قوات الحشد الشعبي، والذي يسمى “تحالف الفتح”، بمجموع 48 من أصل مقاعد البرلمان العراقي الذي يضم 329 مقعداً.
حسب كل المظاهر، تسعى قوات الحشد الشعبي إلى المزيد من توسيع نطاق نفوذها. وحتى تتمكن من تحقيق ذلك، قامت بإحداث تغيير جذري في استراتيجية التجنيد لديها. والآن، أصبحت تجلب، بالإضافة إلى الشباب الشيعة، أعضاء سابقين في “داعش” أيضاً.
في مقابلات أجريناها معهم هذا الشهر، أكد عدد من المسؤولين الحكوميين والناشطين العراقيين وجود هذا الاتجاه، مؤكدين أن “منظمة بدر”؛ إحدى أكبر ميليشيات قوات الحشد الشعبي، التي تعمل في العراق، جندت نحو 30 من هؤلاء المقاتلين في بلدة جلولاء وحدها. وبالإضافة إلى ذلك، قامت “عصائب أهل الحق”، وهي من أكثر فصائل قوات الحشد الشعبي تطرفاً، بتجنيد حوالي 40 عضواً من أعضاء “داعش” السابقين في المنطقة نفسها، التي ما تزال محل نزاع بين الحكومة المركزية العراقية والأكراد. وقال لنا خليل خوداداد، وهو مسؤول كردي في البلدة: “بعد هزيمة الدولة الإسلامية في أواخر العام 2014، لم يتمكن أعضاء ‘داعش’ المحليون من العودة إلى جلولاء”. وذهبوا إلى مدن أخرى حيث انضموا إلى قوات الحشد الشعبي. وأضاف أنهم الآن عادوا “وهم يرتدون أزياء عسكرية جديدة”.
بالإضافة إلى أعضاء سابقين من المستويات الدنيا في “داعش”، يبدو أن العديد من قادة المجموعة دخلوا صفوف قوات الحشد الشعبي أيضاً. ووفقاً لمصادر في “الأسايش”، قوات الأمن الداخلي الكردية، فإن أحد هؤلاء المجندين هو مطشر التركي، الذي قاد المعركة ضد البيشمرغة في الجزء الجنوبي من جلولاء في الفترة بين حزيران (يونيو) وآب (أغسطس) من العام 2014. وهناك آخر هو زيد مولان، الذي نجح، حسب ما أفادت به مصادرنا، في إقناع أعضاء كتيبة شرطة الطوارئ العراقية بتسليم أسلحتها لمقاتلي “داعش” في العام 2014.
كانت لأعضاء قوات الحشد الشعبي الذين أجرينا مقابلات معهم آراء مختلطة حول ضم مقاتلي “داعش” السابقين. ونفى أحد المسؤولين الذين قابلناهم من “عصائب أهل الحق” وجود أي من أعضاء “داعش” السابقين في مجموعته. واعترف بأن قوته كانت مهتمة بانضمام السنّة، وإنما “بتجنيد السنة المحليين فقط من الذين ليست لهم أي علاقات معروفة بالدولة الإسلامية”. وقال الشيخ أبو أحمد، وهو قائد كتيبة في شمال ديالى: “عندما بدأنا التجنيد، انضم بعض أعضاء ’داعش‘. ومع ذلك، قمنا في وقت لاحق بإجراء تدقيق للخلفيات وطردنا جميع الأشخاص المشبوهين”. وعندما واجهنا مسؤولاً عراقياً محلياً آخر بأسماء أشخاص محددين في قوات الحشد الشعبي، والذين لهم روابط معروفة بتنظيم “داعش”، زعم أنها كانت هناك حاجة إلى هؤلاء المجندين الجدد لمواصلة القتال ضد تمرد “الدولة الإسلامية”. وقال، مسمياً أحد الأمثلة: “تبين أن مطشر التركي رجل صالح مباشرة بعد أن غير الولاء، وهو يقوم الآن بتأمين أمن مدينة الطوق ضد متمردي داعش”.
قد يبدو غريباً أن ينطوي مقاتلون من السُنة على حماس للانضمام إلى القوات الشيعية نفسها التي كانوا قد حاربوها مؤخراً. لكن هناك بعض الأسباب الوجيهة لذلك.
بالنسبة لبعض مقاتلي “داعش” السابقين، المسألة اقتصادية. وكان هؤلاء من المقاتلين الذين لم ينضموا إلى “داعش” بسبب الحماسة الدينية، وإنما لأنهم كانوا بحاجة إلى راتب. وعندما هزمت “الدولة الإسلامية” ووجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل، حان الوقت للبحث عن عمل آخر. وبالنسبة للرجال الذين لا يمتلكون مهارات يعتد بها إلى جانب خوض الحرب -وبالنظر إلى معدل البطالة المرتفع بين الشباب في العراق والبالغ 18 بالمائة- فإن الانضمام إلى قوة أخرى كان تصرفاً عقلانياً.
بما أن العراق، مثل العديد من مجتمعات ما بعد الصراع، ليست لديه سياسات رسمية لإعادة الدمج، فإن هؤلاء الرجال لا يستطيعون الانضمام إلى قوات الأمن العراقية الرسمية، ولذلك بدأوا يبحثون عن بدائل أقل رسمية. في البداية، لجأ الكثيرون منهم إلى “قوات الحشد القبلية”، النظائر السنية المدعومة من الولايات المتحدة لمجموعات قوات الحشد الشعبي الشيعية، والتي دفعت راتباً قدره 400 دولار. ومع ذلك، لم يتمكن سوى قلة من الانضمام، حتى لو كان لديهم روابط عائلية أو قبلية. وكانت الجهة التالية في عمليات بحث هؤلاء المقاتلين السابقن عن عمل هي قوات الحشد الشعبي. وقد تبين أن قوات الحشد الشعبي كانت أكثر استعداداً، نسبياً، للسماح لأعضاء “داعش” السابقين بالانضمام إلى صفوفها.
بالإضافة إلى الراتب الثابت، كان الانضمام إلى مجموع تابعة لقوات الحشد الشعبييعطي فرصة لمقاتلي “داعش” السابقين لغسل تواريخهم. وعندما هُزمت مجموعتهم وأصبح أعضاؤها رجالاً مطلوبين، أصبح عبور نقاط التفتيش الأمنية التي تملأ كل مدينة مهمة مستحيلة. لكن الأشخاص الذين يحملون هويات عسكرية -وهو شيء توفره العضوية في إحدى ميليشيات قوات الحشد الشعبي- لا يتم التحقق منهم عادةً في القوائم الرسمية لأعضاء “داعش” المشتبه بهم.
ومن المزايا الأخرى لحمل هوية إحدى ميليشيات قوات الحشد الشعبي أن العضو السابق في “داعش” يستطيع أن يستخدمها لإقناع مجتمعه بأن انتماءه السابق كان للغرض الوحيد المتمثل في التجسس. وهذه الحيل فعالة بشكل مدهش. فبناء على القانون العراقي، يُطلَب وجود شاهدين على الأقل لاتهام شخص ما بأنه جزء من “داعش”. ويصبح العثور على الشهود أكثر صعوبة عندما يكون لدى الشخص المعني أدنى قدر من حجة الإنكار المعقول على الأقل. وكما أخبرنا أحد مسؤولي إنفاذ القانون المحليين في الموصل، فإنه “لإدانة مثل هذا الشخص، نحتاج أولاً إلى اعتقاله، وسوف يشهد الناس فقط بعد أن يروا أن انتماءه العسكري كان غير شرعي”.
يبدو الحفاظ على الذات سبباً مقنعاً لمقاتل سني لكي ينضم إلى ميليشيا شيعية. لكن ذلك لا يفسر السبب في قيام قوات الحشد الشعبي، التي اكتسبت الاحترام بين المدنيين بسبب قتالها ضد “داعش”، بتنجيد هؤلاء المقاتلين. لكن هناك أسباب وجيهة عدة لذلك أيضاً.
سياسياً، تريد قوات الحشد الشعبي زيادة نفوذها في المناطق ذات الأغلبية السنية، ولذلك ستكون بحاجة إلى ضم أعضاء من السُنة.
وعلى ما يبدو، لم تضيع قوات الحشد الشعبي أي وقت للاستفادة من عمل جنود “داعش” السابقين لتحقيق هذا الهدف. ووفقاً لشرطي محلي في الموصل، فإنه “مباشرة بعد هزيمة الدولة الإسلامية في الموصل، قمنا باعتقال العديد من الأعضاء السابقين من “داعش” الذين يحملون قطعة رسمية من الورق تقول أنهم أعضاء في قوات الحشد الشعبي، وأن بطاقات هوياتهم قيد الصدور”.
ومن حيث المعرفة العسكرية، من الممكن أن يكون أداء قوات الحشد الشعبي أسوأ من أداء مقاتلي “داعش” السابقين. فبعد أربع سنوات من الحرب، يمتلك معظم المقاتلين في “داعش” خبرة قتالية واسعة. كما أنهم فعالون بشكل خاص عندما يتعلق الأمر باستئصال أعضاء “داعش” السابقين الآخرين الذين لم ينضموا إلى قوات الحشد الشعبي. وفي واقع الأمر، يمكن أن تعتمد قوات الحشد الشعبي على قدر معين من الولاء لدى هؤلاء، لأن مجنديها الجدد ليس لديهم أي مكان آخر يذهبون إليه. وإذا تم طرد مقاتل جديد من الميليشيات، فستتم مصادرة هويته. وسوف يصبح عندئذٍ عرضةً لخطر الاعتقال عند نقطة تفتيش والحكم عليه بالإعدام.
ثم هناك، بالطبع، الفساد وعدم الكفاءة. ففي مقابل الثمن المناسب، ﻗﺪ يدير ﺑﻌﺾ ﻣﺴﺆوﻟﻲ قوات الحشد الشعبي أنظارهم إلى الجهة الأخرى إذا تطابق ملف مجند جديد مع ﺷﺨﺺ ﻣﺸﺘﺒﻪ ﺑﻪ ﻣﻦ “داعش” ﻓﻲ ﻗﺎعدة اﻟﺒﻴﺎﻧﺎت اﻟوطﻨﻴﺔ. ووفقاً لسكان محليين في الموصل، يتراوح سعر بطاقة هوية قوات الحشد الشعبي بين 500 دولار مقابل بطاقة الهوية فقط، وآلاف عدة من الدولارات مقابل الهوية والتسجيل في قائمة عضوية منظمة بدر. وبالإضافة إلى ذلك، قد لا تملك بعض مكاتب قوات الحشد القدرة على التحقق من خلفية المجند المحتمل. ووفقاً لأحد أعضاء سلطة تطبيق القانون في الموصل، فإنه “بعد انتهاء معركة الموصل مباشرة، لم يكن هناك تنسيق بين الجماعات المسلحة المختلفة، ولذلك سادت فوضى عارمة فيما يتعلق ببطاقات الهوية. لكن الوضع تحسن بالفعل بعد تأسيس مكتب تنسيق قوات الأمن في بغداد، الذي يقوم بالتنسيق بين مختلف الجماعات المسلحة”. لكن هذا التنسيق لم يمتد بعد إلى جميع المناطق التي كان يسيطر عليها “داعش” حتى وقت قريب.
يشكل تحالف مقاتلي “داعش” ومجموعات قوات الحشد الشعبي مشكلة أمنية واضحة للعراق. صحيح أنه ليس من المؤكد أن جميع المجندين الجدد يشكلون خطراً، وفي العديد من البلدان الخارجة من صراع، تظل إعادة إدماج المقاتلين السابقين من المستوى المنخفض ممارسة شائعة. ومع ذلك، تحتاج بغداد إلى أن تكون قادرة على مراقبة أعضاء “داعش” السابقين الذين انضموا إلى قوات الحشد الشعبي، وسيكون من الصعب عليها أداء هذه المهمة في الوقت الحالي.
بالإضافة إلى ذلك، وبالنظر إلى الروابط المحتملة لقوات الحشد الشعبي مع إيران، فإن توسعها في المناطق السنية يبعث على القلق بالنسبة للولايات المتحدة والمجتمع الدولي. وطالما ظلت الميليشيات الطائفية المختلفة هي التي توفر الأمن العراقي، فإن العراق سيواجه صعوبة في إنهاء سنوات وسنوات من سفك الدماء في نهاية المطاف.
كما أن هذا التجنيد سيئ أيضاً بالنسبة للسكان السنة المحليين الذين دمرتهم الحرب مع “داعش”. ووفقاً لأحد أعضاء القبيلة العربية السنية الرئيسية في جلولاء، فإنه “في المناطق العربية الكردية المختلطة، هناك الكثير من العرب الذين يقدرون الاستقرار والأمن الذي كان قائماً خلال عهد يعقوب الحِبّي” -أي عندما كان يحكم البلدة عربي سُني يتمتع بعلاقات وثيقة مع الأحزاب السياسية الكردية. “ومع ذلك، لم تكن تمثل هؤلاء المعتدلين من العرب السنة أي قوة عسكرية”. لكن المتطرفين -أو أولئك الذين كانوا مرتبطين منهم بالمتطرفين على الأقل- وجدوا طريقهم إلى الواجهة مرة أخرى.
الغد