بغداد – تستعد الأحزاب السياسية العراقية لاستئناف المعركة على الحقائب الوزارية أملا في الفوز بإحدى الوزارات الثماني التي لم يظ المرشحون لشغلها بثقة البرلمان في التصويت الذي جرى الأربعاء الماضي.
وتشير الأنباء إلى أنّ حقيبتي الداخلية والدفاع هما مدار الصراع الأشرس الذي تحوّل إلى معركة كسر عظم. وبعد أن نال 14 وزيرا ثقة البرلمان من مجموع الأعضاء الـ22 بكابينة رئيس الوزراء الجديد عادل عبدالمهدي، استأنف الأخير مشاوراته لملء الحقائب الشاغرة.
وعلمت “العرب” أن “أحزابا عراقية بارزة طلبت من عبدالمهدي أن يستكمل حكومته بمرشحين من صفوفها”. وقالت مصادر قريبة من رئاسة الوزراء إن أحزابا عديدة بدأت بممارسة ضغوط كبيرة على عبدالمهدي لتكليف مرشحيها بإحدى الحقائب المتبقية.
وسمح الدعم الذي وفره الزعيم الشيعي مقتدى الصدر لعبدالمهدي بأن يختار نحو 10 وزراء من أصل 22 بحرية وهو أمر يحدث لأول مرة منذ تشكيل أول حكومة دائمة في 2005. وباستثناء الحصة الكردية من الوزارات لم يحصل مرشح حزبي حتى الآن على أي حقيبة أمنية أو سيادية، وهو الخيار الذي ألزم الصدر به نفسه مبكرا.
ومع ذلك يرى مطّلعون على الشأن السياسي العراقي أنّ هناك قدرا من المبالغة في ما يتعلق باستبعاد مرشحي الأحزاب من التوليفة الوزارية. ويقول هؤلاء إنّ “الحرية” التي تمتع بها عبدالمهدي في اختيار وزرائه هي نوع من الغطاء. فقراءة سريعة في ملفات أولئك الوزراء يمكنها أن تكشف عن حقيقة قربهم من زعماء الأحزاب أو الجهات المهيمنة على العملية السياسية. وهو ما يعني أن رئيس الوزراء لم يمد نظره بعيدا ولم يتعب نفسه في البحث عن كفاءات حقيقية خارج ما كان محتملا.
ويقول أحد المعلّقين على تركيبة الحكومة العراقية الجديدة إن رئيس الوزراء لم يقدم على ما يمكن اعتباره تحديا للأحزاب أو الميليشيات، “فوزراؤه المعينون -يضيف المعلّق ذاته- أضعف من أن يتصدوا لمافيات الفساد التي باتت مسيطرة على الوزارات، ولذلك يمكن اعتبارهم مجرد واجهات لوضع سائد. وما يُقال عن معارك كسر العظم حول الوزارات السيادية ينطوي أيضا على الكثير من التضخيم. فعبدالمهدي وهو ابن العملية السياسية ليس في نيته الاصطدام بالتيار الموالي لإيران الذي سيجد طريقه سالكة إلى وزارة الداخلية أولا باعتبارها هدفا لا يمكن الاستغناء عنه. وما التركيز على فالح الفياض من قبل كتلة الفتح إلا نوع من السقف العالي الذي يمكن خفضه من خلال القبول بتقديم مرشح آخر ينتمي إلى الكتلة نفسها. حينها سيظهر عبدالمهدي كما لو أنه قد فرض إرادته المستقلة.
وزراء حكومة عادل عبدالمهدي أضعف من أن يتصدوا لمافيات الفساد التي باتت مسيطرة على أغلب مفاصل الدولة
وإذا ما كانت إيران قد حسمت بصمت، في وقت سابق، مسألة وزارة الخارجية لصالحها، فإن الضجة التي تثار الآن حول وزارة الداخلية ما هي إلا زوبعة مؤقتة تخفي تحتها حقيقة أن الأحزاب الحاكمة كلها متوافقة على أن ملفات تلك الوزارة ينبغي أن تبقى طي الكتمان، وهو ما يمكن أن تتكفل به إدارة قريبة من إيران وموالية لها”.
ويصر تحالف الفتح الذي يتزعمه هادي العامري، ويضمّ عددا من الأحزاب الحليفة لإيران على إسناد حقيبة الداخلية لرئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض.
ويبدو أن تحالف الفتح يترجم رغبة إيرانية صريحة في هذا الأمر. ووفقا لمراقبين فإن طهران لن تسمح بخروج حقيبة الداخلية من دائرة أصدقائها المقربين في العراق، نظرا لحساسية الدور الذي تعلبه. وحتى الآن يبدو الصدر متصلبا في موقفه إزاء حقيبة الداخلية، وأعلن أنه يدعم مستقلا لشغلها. وفضلا عن ضمان ولائه، تريد طهران مكافأة الفياض على انشقاقه عن قائمة رئيس الوزراء حيدر العبادي بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو الماضي، الأمر الذي قضى على حظوظه في ولاية ثانية في منصبه.
وعلى صعيد مواز، تتصارع القوائم السنية بشأن المرشح لحقيبة الدفاع. ورشح السياسي الشيعي العلماني، إياد علاوي الذي يرأس قائمة مختلطة، أحد كبار الضباط الذي ينحدر من مدينة الموصل أحد معاقل الطائفة السنية في العراق، وهو فيصل الجربا لشغل حقيبة الدفاع، فيما دفع جمال الكربولي زعيم “حركة الحل” بمرشح من مدينة سامراء في صلاح الدين، وهو هشام الدراجي لهذا الموقع. وتبدي الأطراف الشيعية ميلا أكبر نحو الدراجي ما يعزز حظوظه في نيل هذه الوزارة.
ولجأ عبدالمهدي إلى أسلوب تقليدي في ملف الحقائب الأمنية المؤجلة عندما قرر إدارتها بالوكالة، وهي الطريقة التي اتبعها المالكي في ولايتين متتاليتين كلما احتدم الجدل بشأن المرشحين لهما. ويؤشر قرار الإدارة بالوكالة على أن الخلافات بشأن حقيبتي الداخلية والدفاع ربما تطول. وبشأن حقيبة التعليم العالي التي وقعت ضمن حصة ائتلاف دولة القانون بقيادة نوري المالكي، فقد تسرب أن هناك مساعي لاستبدالها بحقيبة أخرى بعدما اعترض مقتدى الصدر على ترشيح قصي السهيل لها.
والسهيل هو إحدى أبرز القيادات السابقة بالتيار الصدري قبل أن ينشق ويلتحق بائتلاف المالكي الذي يصرّ قادته على أن يحصل على “استحقاقه الانتخابي” ولن يدعم مستقلين للحقائب المتبقية بعد الآن.
ويقول مراقبون إن عبدالمهدي يراهن على الغطاء البرلماني الواسع الذي يضمنه له تنسيقه مع الصدر، لكن استفزاز حلفاء إيران بهذه الطريقة ربما يدفعهم إلى الاتحاد لإسقاط الحكومة الجديدة.
ويراهن حلفاء إيران على دعم العشرات من النواب العراقيين الناقمين على عبدالمهدي، بعدما قرر عدم استيزار أحد من أعضاء البرلمان الحالي. وتقول المصادر إن عبدالمهدي سيراقب الحراك النيابي في أول جلسة برلمانية قادمة، لقراءة إمكانية الاستمرار في مواجهة الضغوط الإيرانية. وسيتبين حجم القوى التي يتمتع بها حلفاء إيران في البرلمان العراقي خلال الجلسة القادمة، عندما يحاولون جمع الأغلبية اللازمة لتمرير الفياض وزيرا للداخلية، برغم اعتراض الصدر، وتردد عبدالمهدي.
العرب