يعيش الإيرانيون حالة من القلق والترقب، قبل أيام قليلة من دخول الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية حيز التنفيذ. والحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية تشمل الشركات التى تدير الموانئ الإيرانية، إلى جانب الشركات العاملة فى الشحن البحرى وصناعة السفن، وقطاع الطاقة الإيرانى، وخاصة قطاع النفط، وفرض عقوبات على البنك المركزى الإيرانى وتعاملاته المالى، وبينما تراهن الإدارة الأمريكية على تشديد العقوبات وشل الاقتصاد الإيرانى لإجبار مسؤولو البلاد إلى الجلوس لطاولة المفاوضات والقبول باتفاق جديد يلقى قبولا لدى ترامب ويصحح عيوب الاتفاق النووى المبرم فى 2015، أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن العقوبات الأمريكية قد يكون لها تداعيات اقتصادية لكنها لن تغير من سياسات طهران.
ومع اقتراب موعد سريان الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية على إيران والتى تستهدف القطاعين النفطى والمصرفى، فى الـ 4 من تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، هذه العقوبات، تعد معضلة كبيرة لبلد يعتمد بشكل رئيسي على عائداته النفطية. وينبغى الإشارة إلى أن طهران تمتلك رابع أكبر احتياطيات للنفط في العالم وثاني أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعى، وتعد ثالث أكبر منتج للنفط فى “أوبك”، حيث تنتج نحو 3.8 مليون برميل يوميا، وعليه يعتمد اقتصادها بشكل رئيسى على أموال بيع النفط والغاز، إذن لن يكون سهلا عليها أن يصل بيعها من النفط إلى “صفر” بفعل العقوبات، فى الوقت نفسه أكد مسئوليها على أنها ستجد “طرقا أخرى” للحفاظ على مستوى صادراتها النفطية بحسب تصريح لوزير النفط بيجن نامدار زنجنة أيلول/ سبتمبر الماضى، ومن خلال البحث فى حيل طهران القديمة، والخيارات الجديدة التى أطلقتها مؤخرا يمكن القول أن المرشد الإيرانى على خامنئى سيكون أمام 5 حيل للحفاظ على مستوى الانتاج، بعد استئناف العقوبات الأمريكية يوم الأحد 4 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي.
وتأتي هذه العقوبات مع تدهور سعر العملة الإيرانية، يرتقع مستوى التخوف من العقوبات التي ستفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعيشها طهران. وفي ظل غليان الشارع الذي انتفض على سوء الوضع الاقتصادي وانتشار الفساد والقمع في البلاد. ويترقب الإيرانيون بقلق بدء سريان حزمة العقوبات الأميركية الجديدة بعد يومين والتي قد تدخل البلاد في طور لم تشهده من قبل عبر انفجار شعبي غير مسبوق ضد النظام. ويرى مراقبون للشأن الإيراني أن ما اعتبره الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقوبات لم يشهد التاريخ مثيلها من قبل، هو تماما ما تتخوف منه الأوساط الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك المناصرة لنظام الولي الفقيه أو تلك المنتفعة من امتيازات يوفرها لها.
ولفت مراقبون إلى أن تصريحات رئيس الجمهورية الأسبق محمد خاتمي حول التداعيات الموجعة للعقوبات المقبلة، واعتراف وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بقسوة العقوبات على الاقتصاد الإيراني، يعبران عن بداية تعامل الواجهات القديمة والحديثة للنظام الإيراني مع الاستحقاق الجديد، وبداية استعداد نظام طهران لاتخاذ قرارات مفصلية باتجاه إيجاد المخارج بما في ذلك العودة إلى طاولة التفاوض على النحو الذي يطالب به الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وعلى الرغم من أن طهران تحاول أن تشتري الوقت وتعول على نتائج الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة في السادس من الشهر الحالي علها تغير شيئا في مقاربة الإدارة الأميركية للشأن الإيراني، إلا أن المراقبين رصدوا تبدلا في المزاج الدولي العام لصالح الالتزام بالعقوبات الأميركية، بما في ذلك التوقف عن شراء النفط من إيران.ورأى خبراء في الشؤون الدولية أن الالتزام الدولي العام يعبر عن رغبة دولية لدى كافة العواصم في تغيير نهج النظام الإيراني في مقاربة العلاقات الدولية.وأكد هؤلاء أن الصين وروسيا واليابان ودول الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال والتي لا تتحفظ على مسألة انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي وفرض عقوبات ضد إيران، تشارك الولايات المتحدة قلقها المتعلق بمستقبل البرنامج النووي وطبيعة البرنامج الصاروخي وأجندات إيران داخل الشرق الأوسط.
نقلت صحيفة “واشنطن تايمز” الأمريكية عن بريان هوك، الممثل الأمريكي الخاص لإيران الذي عُيِّن حديثاً، قوله إن العقوبات الأمريكية على إيران لها هدف طويل الأجل، وإن إدارة البيت الأبيض تأمل أن تسهم تلك العقوبات في إجبار طهران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع واشنطن. وتبذل الولايات المتحدة جهوداً حثيثة لإقناع دول العالم بالتوقف عن شراء النفط الإيراني. وقال هوك في ندوة عُقدت بمعهد الفكر في واشنطن، نظمها نشطاء مناهضون للحرب: إن “إيران سترغب في التفاوض عندما تشعر بالضغط، فهدف ترامب من الانسحاب من الاتفاق النووي الموقع عام 2015 هو دفع إيران إلى القبول بمعاهدة جديدة تتجاوز تلك التي وقَّعتها مع إدارة الرئيس السابق باراك أوباما”.ونوَّه هوك إلى أن إدارة الرئيس أوباما فعلت الشيء ذاته مع إيران قبل إجبارها على التوقيع على المعاهدة في 2015، حيث فرضت عقوبات اقتصادية استمرت من عام 2012 وحتى 2014، والبيت الأبيض حالياً يسير على الاستراتيجية ذاتها.التحدي الأكبر أمام إدارة ترامب يتمثل فيما إذا كان بإمكان واشنطن إقناع دول كبرى، مثل الصين والهند، بعدم شراء النفط الإيراني، حيث تعتمد كلتاهما بشكل كبير على مشترياتهما من الخام الإيراني، خاصة أن كلتيهما غير متحمسة إلى مثل هذا القرار.
وسعى هوك للدفاع عن قرار ترامب إعادة فرض العقوبات على إيران، والانسحاب من الاتفاق النووي، قائلاً: إن “البيت الأبيض لا يمكنه أن يتعايش مع اتفاق فشل في منع إيران من التدخل بالشرق الأوسط ودعم وكلائها المحليين، وفشل في منعها من تطوير صواريخها الباليستية”.وبيَّن هوك أن “إيران زوَّدت الحوثيين في اليمن بقذائف مسيَّرة تُطلَق على السعودية، ولدى إيران أكبر قوة صواريخ باليستية في الشرق الأوسط، وأكثر من 10 أنظمة صواريخ باليستية قيد التطوير، وبرنامج إيران الصاروخي أهم التحديات التي تواجه جهود الحد من انتشار الأسلحة النووية في المنطقة، ما يشكل تهديداً دائماً لحلفائنا”.وانتقد هوك إدارة أوباما السابقة؛ بسبب تخفيف العقوبات مقابل الحد من الأنشطة النووية الإيرانية بموجب اتفاق 2015، على أمل أن تخفف إيران من سياستها الإقليمية وعسكرة المنطقة.وتابع الممثل الأمريكي الخاص لإيران القول إن وتيرة بناء إيران برنامجها الصاروخي تصاعدت ولم تتراجع رغم دخول الاتفاق حيز التنفيذ، كما أن الهجمات السيبرانية “الخبيثة” تتواصل، والتهديدات بإغلاق مضيق هرمز لم تتوقف.الاستراتيجية الجديدة لإدارة ترامب، بحسب هوك، هي التوصل إلى صفقة جديدة تتناول مجمل التهديدات التي تتسبب فيها إيران.
ومع تطبيق الحزمة الثانية من العقوبات الامريكية على ايران، ذلك يؤكد إصرار إدارة ترمب ضرب اقتصاد إيران وجعله معزولاً كلياً عن العالم، لجعل طهران ترضخ جبراً إلى العودة إلى المربع الأول في اتفاق نووي جديد، ومن المرجح أن تكون العقوبات فعالة على طهران في الوقت الراهن بسبب الهيمنة المالية الأمريكية التي تعود لحقيقة أن الدولار الأمريكي يعد أضخم عملة نقدية احتياطية أجنبية على مستوى العالم، وفي سياق متصل، يسود العالم حالة من الترقب والحذر لم تخفها الخارجية الأمريكية، حيث خصصت صفحة عد تنازلي لسريان العقوبات، تعرض من خلالها أسباب فرض العقوبات وما كان ينبغي على النظام الإيراني فعله حتى يتجنبها.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية