واشنطن وطهران.. عقوبات قاسية في “يوم الاستكبار”

واشنطن وطهران.. عقوبات قاسية في “يوم الاستكبار”

“أشاع أعداؤنا أن الوضع سيزداد سوءا وأن يوما أسود يحمل اسم الثالث عشر من آبان (الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني) بانتظاركم، أنا كرئيس للدولة كررت مرارا بأن هذا اليوم لا يحمل شيئا، ولن يؤثر علينا، كل ما أرادت الولايات المتحدة أن تفعله ضدنا قد فعلته من قبل”، بهذه الكلمات تحدث الرئيس الإيراني حسن روحاني عن يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني، أو “13 آبان” بحسب التقويم الفارسي.

في هذا اليوم يفترض أن تدخل المرحلة الثانية من العقوبات الأميركية على إيران حيز التنفيذ، والتي وصفها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنها ستكون أقسى من أي زمن آخر، وأن أي دولة لا تتماشى مع السياسة الأميركية ضد إيران ستواجه بعقوبات واسعة.
مقارعة الاستكبار
فلماذا اختار الرئيس الأميركي دونالد ترامب هذا اليوم لتنفيذ ما يصفه بالعقوبات الأقسى على إيران، وهل لهذا الاختيار دلالات سياسية واضحة، نظرا إلى موقعه الخاص في الذاكرة الإيرانية؟

فهذا اليوم هو “اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار العالمي” في التقويم الإيراني، وفيه شهدت إيران ثلاثة أحداث جسام لعبت دورا محوريا في الثورة الإيرانية، هي: إبعاد مؤسسها آية الله الخميني إلى تركيا عام 1964، ومقتل 56 من طلاب المدارس وجرح المئات عام 1978 على يد قوات الشاه محمد رضا بهلوي.

كما شهد هذا اليوم احتلال السفارة الأميركية في طهران من قبل الثوار الإيرانيين عام 1980، والتي تسمى في أدبيات الثورية الإيرانية بـ”وكرة الجواسيس”، وعلى وقعها قطعت العلاقات الثنائية بين البلدين.

ويحتفل الإيرانيون في كل سنة بهذه المناسبة رافعين شعار “الموت لأميركا” كرمز للاستكبار العالمي بحسب اعتقادهم.

فاختيار ترامب لهذا اليوم -بحسب قول العميد رسول سنائي‌ راد نائب رئيس التوجيه السياسي في قيادة القوات المسلحة الإيرانية- لتنفيذ عقوبات وصفها وزير خارجيته أيضا بأنها “الأقسى في التاريخ”، يوحي بأنه يستهدف الانتقام من الثورة الإيرانية على سياساته المناهضة للولايات المتحدة الأميركية، وبالذات لحادث احتلال السفارة الأميركية واحتجاز الرهائن الأميركيين لمدة 444 يوما.

كما أن ترامب يريد تحويل هذه المناسبة الوطنية إلى ذكرى مريرة في الذاكرة الثورية الإيرانية، وفقا لتصريح الرئيس روحاني في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

لكن روحاني عاد للتأكيد أن الإدارة الأميركية لم يحالفها الحظ في اختيار يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل لفرض عقوبات جديدة، “لأن هذا اليوم يصادف أربعينية الإمام الحسين، وبعده تأتي مباشرة أيام استشهاد الإمام حسن المجتبى، والإمام الرضا، ووفاة نبي الإسلام؛ والشعب الإيراني في هذه الأيام مفعم بالمعنويات وسيفشل الأميركان”.

طبيعة العقوبات
وتشمل العقوبات التي ستفرض في هذا اليوم بحسب بيان لوزارة الخزانة الأميركية، حظر كل من: الموانئ والأساطيل البحرية وخطوط الملاحة للجمهورية الإسلامية في إيران، وشراء النفط والمنتجات النفطية أو المنتجات البتروكيمياوية من إيران، والمعاملات مع البنك المركزي الإيراني والمؤسسات المالية الإيرانية، وأنواع خدمات التأمين، وقطاع الطاقة الإيراني.

ويترقب الإيرانيون بقلق شديد يوم الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني وما يمكن أن يحدث بعده، مما دفع بعضهم إلى تخزين السلع الأساسية. فهناك من يحاول تخويف الناس ورسم صورة سوداوية بكل ما تعنيه الكلمة، وعلى رأسهم المعارضة الإيرانية في الخارج. وهناك من يسعى في الحكومة وأنصارها إلى طمأنة الناس وتقليل مخاوفهم، بأن هذا الموعد سيمر بشكل عادي.

في هذا الصدد، يقول حامد تاراجيان صاحب محل لبيع الأدوات المنزلية في سوق “أمين حضور” جنوب العاصمة طهران، للجزيرة نت، “لا شك أن العقوبات التي سيعاد فرضها سوف ترفع أسعار السلع مجددا، وهذا يقلل قدرة الناس الشرائية التي تأثرت بفعل تنفيذ المرحلة الأولى من العقوبات، هذا الأمر أصبح مقلقا للجمهور بما يمكن أن يحدث في هذا اليوم. إن شاء الله سيمر بسلام”.

وسبق لنائب الرئيس الإيراني أن قال في يوليو/تموز الماضي إن البلد مقبل على أيام خطيرة وصعبة، عزاها الرئيس روحاني قبل فترة وجيزة إلى أن وجود فريق أكثر عداء وحقدا لإيران في التاريخ الأميركي، يحكم البيت الأبيض حاليا.

وتستهدف قائمة العقوبات التي ستعيد واشنطن فرضها، مفاصل الاقتصاد الإيراني الذي يعتمد على عوائد صادرات النفط بشكل أساسي. وتقول طهران إنها من خلال مواصلة العمل مع بقية شركاء الاتفاق النووي -أي: الصينيين والروس والأوروبيين، كل على حدة- ستحاول الالتفاف على العقوبات الأميركية ومواجهة آثار وتداعيات ما بعد الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني.

إلا أن تشابك العلاقات التجارية الأميركية مع كل هذه الجهات -رغم خلافات ترامب معها- لا يضمن لطهران نجاح هذه السياسة، مما يجعلها لا تثق كثيرا بقدرات هذه الأطراف ولا سيما الأوروبيين، كما أكد ذلك أكثر من مسؤول إيراني.

وقد لا تتمكن واشنطن من خلال هذه العقوبات من إغلاق كافة الأبواب والنوافذ أمام طهران، كما تقول الأخيرة، إلا أن المراقبين والمحللين يتوقعون أنها على الأغلب ستُدخل الاقتصاد الإيراني في وضع أصعب.

ومما يفاقم تأثير العقوبات الأميركية، الحرب النفسية المترافقة معها، لكن يبدو أن حادث اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي -برأي مراقبين- أثر سلبا على الضغوط الأميركية على طهران إعلاميا وسياسيا قبيل سريان العقوبات الجديدة، لجعلها الأكثر إيلاما وإيجاعا.

الجزيرة