نتيجة الانتخابات النصفية الأميركية: حكومة مقسمة لدولة مقسمة

نتيجة الانتخابات النصفية الأميركية: حكومة مقسمة لدولة مقسمة

 

بداية، تحققت النتيجة التي كانت متوقعة بالفعل. فقد سيطر الديمقراطيون على مجلس النواب بعد الانتخابات النصفية الأميركية التي أجريت في السادس من تشرين الثاني (نوفمبر)، وسوف يقدمون بعض الإشراف المرحَّب به على البيت الأبيض عندما يحتل أعضاء الكونغرس الجديد مقاعدهم في كانون الثاني (يناير). وسيطر الجمهوريون على مجلس الشيوخ -بأغلبية أكبر، مما سيجعل من أمر تأكيد التعيينات الرئاسية أكثر سهولة. وأعلن كلا الجانبين النصر. والآن، أصبحت دولة مقسمة بعمق مسبقاً لديها حكومة مقسمة. ومع ذلك، ثمة تحت هذه النتائج تعميق لتحوُّل هيكلي في السياسة الأميركية، والذي سيجعل من مهمة حكم البلاد أكثر صعوبة في المستقبل المنظور. ويمثل الديمقراطيون غالبية بين الناخبين الأميركيين، لكن الجمهوريين يهيمنون على البلد جغرافياً.
فاز الديمقراطيون بالتصويت الشعبي لمجلس النواب بهامش مريح. وقد تعزز موقفهم كحزب يتمتع بالدعم الأكبر بين الأميركيين، بفضل قوتهم في المراكز الحضرية، من خلال زيادة في الدعم القادم من مناطق الضواحي؛ حيث كان الاشمئزاز من الرئيس دونالد ترامب واضحاً. وفي الوقت نفسه، تمكن الجمهوريون من تشديد قبضتهم على الولايات الأقل اكتظاظاً بالسكان؛ حيث تغلبوا على الديمقراطيين بسهولة في ولايات إنديانا وميسوري وداكوتا الشمالية. وفي بلد حيث يعتمد أحد فرعي الهيئة التشريعية على السكان والآخر على المناطق، فإن هذا التقسيم يشكل وصفة للجمود، والحكم الرديء -وفي النهاية، خيبة الأمل والاستياء من النظام السياسي نفسه.
يبدو اتساع الفجوة لافتاً للنظر. فقبل عشر سنوات، كانت هناك 17 ولاية لها عضو جمهوري واحد في مجلس الشيوخ وواحد ديمقراطي. ومنذ كانون الثاني (يناير) 2019، ستكون هناك سبع ولايات بهذا الترتيب فقط. في الانتخابات الفيدرالية، ثمة بالكاد مرشح يستطيع البقاء في مناطق الحزب المنافس. وقد فاز ستة مرشحين ديمقراطيين لمجلس الشيوخ فقط في ولايات كان ترامب قد كسبها في العام 2016. وتبدو الصورة أقل صرامة في انتخابات حكام الولايات، لكن النمط يعيد تأكيد نفسه في انتخابات المجالس التشريعية للولايات. واعتباراً من كانون الثاني (يناير)، ستكون مينيسوتا هي الولاية الوحيدة حيث يسيطر الديمقراطيون على أحد فرعي المجلس ويسيطر الجمهوريون على الفرع الآخر. وكانت آخر مرة شهدت فيها البلاد مثل هذه الحالة في العام 1914.
قد يكون هذا التوازن مستقراً، ولكنه ضار بالبلاد وبكلا الحزبين على حد سواء. بالنسبة للجمهوريين، سوف يكون الخطر كامناً على المدى الطويل. إنهم يحتفظون في الوقت الحالي بالبيت الأبيض، ولديهم أغلبية متزايدة في مجلس الشيوخ. ولكن في نظام ثنائي الأحزاب، فإن الحزب الذي يسود في حين يخفق باستمرار في الحصول على أغلبية الأصوات، سوف يجد في يوم من الأيام أن غالبية من الناخبين لم تعد تنظر إليه على أنه يمارس السلطة بصورة مشروعة. أما بالنسبة للديمقراطيين، فإن التحدي فوري. وقد يحتجون على نظام يعيقهم ويضر بهم بطرق هيكلية، لكنهم لن يتمكنوا من تغيير ذلك النظام حتى يتمكنوا من معرفة كيفية تحقيق الفوز من داخله هو نفسه. وقد يكون كسب حصص كبيرة من الأصوات في نيويورك وكاليفورنيا أمراً جيداً بالتأكيد، لكنه لن ينتج وحده أغلبية حاكمة.
ولكن، ما هو طريق الخروج من هذا الطريق المسدود؟ يقع العبء الأساسي الآن على كاهل الديمقراطيين. فحتى يخدموا مصلحتهم، ناهيك عن مصالح البلد بشكل عام، يتوجب عليهم إيجاد طرق ليحظوا بالقبول في قلب الأرض الأميركية.
وينبغي أن يبدأ هذا بممارسة ضبط النفس. نعم، يجب عليهم أن يستخدموا أغلبيتهم في مجلس النواب لضبط رئيس يظهر ازدراءه للمعايير والأعراف التي كانت قد قيدت الرؤساء السابقين. ويجب عليهم أن ينظروا بعناية في ما يجري في الوكالات الفيدرالية، وأن يحققوا في الاستغلالات الرئاسية المحتملة للسلطة أو سوء استخدام المنصب لتعظيم المكاسب الشخصية. لكن على الديمقراطيين أن يقاوموا الرغبة في استخدام أغلبيتهم في مجلس النواب من أجل الثأر، ومطاردة الرئيس بالطريقة التي طارد هو بها نيوت غينغريتش، أو التي طارد بها زملاؤه الجمهوريون ذات مرة بيل كلينتون. يجب أن تُترك شؤون الادعاء للمدعين العامين. وعلى سبيل المثال، ليس من الواضح أن هناك الكثير الذي يمكن كسبه من خلال التحقيق في ظروف تأكيد تعيين القاضي بريت كافانوه في المحكمة العليا. ومن المؤكد أنها لا توجد أي أسس لمحاولة عزله، كما يريد بعض الديمقراطيين.
يجب أن تكون الأولوية الثانية للديمقراطيين هي إظهار أن لديهم الأفكار والقدرة على الحكم، والتي يمكن أن تروق لشريحة واسعة من الناخبين. وإحدى الطرق للقيام بذلك هي بذل جهد حسن النية للعمل مع الرئيس والجمهوريين. وهناك صفقات ينبغي إبرامها بشأن البنية التحتية وعلى أسعار الأدوية. كما أنهم أيضاً بحاجة إلى جعل موضوع الهجرة أقل سُميّة.
في العام 2010، عندما فاز الجمهوريون بمجلس النواب خلال رئاسة باراك أوباما وشرعوا في عرقلة كل شيء أراد أن يفعله الديمقراطيون، جادل البيت الأبيض بأنه من غير العدل أن يقف نصف فرع من الحكومة الفيدرالية في طريق كل شيء آخر. كان ذلك صحيحاً في ذلك الوقت، وما يزال صحيحاً في الوقت الحالي. يجب أن لا يعلن الديمقراطيون في مجلس النواب، كما قال ميتش ماكونيل ذات مرة، أنهم سيعارضون كل شيء يفعله الرئيس. يجب أن لا يكون هناك تكرار لممارسة أخذ الرهائن التي شهدت مجلس النواب الجمهوري وهو يتغاضى عن عيب سيادي خلال فترة ولاية أوباما الثانية.
سوف يشير الكثير من الديمقراطيين ضد ضبط النفس والامتناع عن الرد، محتجين بأن استراتيجية الأرض المحروقة التي استخدمها الجمهوريون عندما كانت لديهم أغلبية في مجلس النواب عملت بشكل جيد بالنسبة لهم. وسوف يسألون: لماذا يجب أن يكون الديمقراطيون هم حزب التسوية باسم تحقيق حكومة أفضل، في حين رفض خصومهم في كثير من الأحيان التنازل حتى عن بوصة واحدة؟
لسببين. أولاً، أن هذه السياسة قد تؤدي إلى نتائج فحسب. من المسلم به أن سلوك ترامب في الآونة الأخيرة لا يبشر بالخير. وليس توجيهه الاتهام إلى الديموقراطيين بتسهيل قتل رجال الشرطة، كما فعل في المراحل الأخيرة من الحملة، أفضل طريقة لتعزيز روح الحزبين. ويمكن أن يتخلى ترامب تماماً عن فكرة تقديم أي تشريع للمصادقة في العامين المقبلين، وأن يفضل الحكم بالأوامر التنفيذية والمراسيم، بينما يواصل صراخه وشكاواه الغاضبة ضد المعارضة.
لكنه قد يصنع مفاجأة أيضاً، فيبرهن على أنه أكثر استعداداً للتعامل مع الديمقراطيين من الرؤساء الجمهوريين الآخرين. ذلك أن المبدأ التحفيزي لترامب هو المصلحة الذاتية أكثر من الولاء للحزب. وقد برهن على استعداده للتخلي عن بعض مواقف الحزب القائمة منذ أمد طويل، سواء كان ذلك للخير أو للشر. ويمكن أن يتناسب دور صانع الصفقات المسؤول مع الأنا المتضخمة عنده.
ثانياً، حتى لو فشلت جهود إيجاد التناغم بين الحزبين، فإن التصرف بمسؤولية سيكون في مصلحة الديمقراطيين على المدى الطويل. فهم يريدون بشكل عام أن تعمل الحكومة الفيدرالية بشكل جيد. وعلى النقيض من ذلك، ما يزال الجمهوريون ينظرون إلى عبارة “أنا من الحكومة، وأنا هنا للمساعدة” على أنها نوع من التمييز والعدوانية. لن يفعل الجمود أي شيء لتعزيز الثقة في الحكومة، وهي شيء يحتاج إليه الديمقراطيون إذا أرادوا كسب المزيد من ثقة الناخبين. وسواء أعجبهم ذلك أم لا، فإن لديهم ما يخسرونه من الخلل الوظيفي أكثر مما قد يخسره الجمهوريون.

الغد