ماذا بعد انتخابات التجديد النصفى للكونجرس الأمريكى.. ترامب محاصر.. والشرق الأوسط أكبر المتأثرين

ماذا بعد انتخابات التجديد النصفى للكونجرس الأمريكى.. ترامب محاصر.. والشرق الأوسط أكبر المتأثرين

بعد السكرة تأتى الفكرة.. لا عجب أن يشعر الرئيس الامريكى دونالد ترامب بعد إعلانه «الانتصار الكبير» فى ضوء نتائج الانتخابات النصفية للكونجرس الأمريكى الأسبوع الماضي.

لا عجب أن يشعر صباح اليوم التالى بـ «الفزع» و«الصدمة».

فالنتائج، وإن لم تكن «سيئة» بالنسبة للرئيس وحزبه، فإنها أيضاً لم تكن «مبهرة» كما أراد ترامب أن يصورها للداخل الأمريكى والعالم.

فقد حافظ الجمهوريون على أغلبيتهم فى مجلس الشيوخ، بينما انتزع الديمقراطيون 34 مقعداً من الجمهوريين فى مجلس النواب.

ولأن الجمهوريين فازوا بمقعدين فقط من الديمقراطيين فى المجلس، يجعل هذا صافى مكاسب الديمقراطيين 32 مقعداً فى مجلس النواب، وهذا أكبر عدد من المقاعد يفوز بها الديمقراطيون فى انتخابات واحدة منذ «ووترجيت».

ففى عام 1974، وبعد استقالة الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون، عاقب الناخبون الحزب الجمهورى بعد الفضيحة بانتخاب 49  نائباً ديمقراطياً فى مجلس النواب، وبينما لم يحصد الحزب الديمقراطى هذا العدد من المقاعد فى انتخابات الأسبوع الماضي، فإن هناك ثمانية مقاعد لم تحسم بعد، مما يعنى أنه بمقدور الديمقراطيين الوصول إلى 40 مقعداً إضافيا، وهو ما من شأنه أن يجعل نتائج هذه الانتخابات رابع أفضل انتخابات للديمقراطيين منذ الحرب العالمية الثانية.

وشهدت انتخابات التجديد النصفى نسبة مشاركة عالية بكل المقاييس – نحو 115 مليون أمريكى صوتوا فى الانتخابات – ومن بين الـ16% الذين صوتوا لأول مرة، حصد الديمقراطيون غالبية أصوات الشباب. أما شريحة النساء البيض من سكان الضواحي، فقد صوتت بـعشرين أعلى للحزب الديمقراطى مقارنة بالحزب الجمهوري.

النتائج تضع ترامب فى وضع معقد وخيارات صعبة على المدى القصير وعلى المدى الطويل.

فعلى المدى القصير، تطرح نتيجة الانتخابات تحديات كبيرة أمام ترامب فيما يتعلق بتحقيقات المحقق الخاص روبرت موللر الذى ينظر فى اتهامات التواطؤ المحتمل بين حملة ترامب الانتخابية وروسيا وسجله الضريبى وشئونه المالية.

فالديمقراطيون الذين يسيطرون الآن على مجلس النواب ولجانه الفرعية، لديهم كل الأدوات اللازمة لمراقبة وفحص أداء السلطة التنفيذية ويمكن إذا أرادوا أن يخضعوا ترامب لتحقيقات إضافية وهو التهديد الذى رد عليه ترامب بعد ساعات من إعلان النتائج، بإقالة وزير العدل جيف سيشنز، وتعيين ماثيو وايتيكر مكانه، ووايتيكر معروف بعدائه لتحقيقات موللر، ومن المتوقع أن يسعى، بوصفه وزيراً مؤقتاً للعدل، لتقييد تمويل تحقيقات موللر ورفض توسيع نطاقها. وسواء نجح أو فشل، ستظل حقيقة سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب بمنزلة سيف معلق على رقبة ترامب.

أما على المدى الطويل، فتشكل نتائج الانتخابات مصدر قلق أمام ترامب وفريقه بسبب ما أظهرته من خسارته فئات ديموجرافية مهمة من التى صوتت له فى الانتخابات الرئاسية 2016، على رأسها فئة النساء البيض من المنتمين للطبقة الوسطى وسكان الضواحى والمدن الكبيرة عموماً. فالسباق للانتخابات الرئاسية 2020 بدأ مع انتخابات التجديد النصفى للكونجرس.

وبرغم أن الحزب الجمهورى فاز فى الولايات المحافظة المعروفة بولائها للجمهوريين – أو الولايات الحمراء – مثل تكساس وجورجيا وآيوا وأريزونا، فإن مرشحى الحزب الديمقراطى خسروا بفوارق ضئيلة، مما يجعل هذه الولايات أشبه بالولايات المتأرجحة مثل اوهايو التى فاز بها الجمهوريون أيضاً بفارق ضيق.

وإضافة إلى تقارب السباق فى هذه الولايات، هناك علامات أخرى تدعو للتفاؤل فى معسكر الديمقراطيين مثل انتخاب حكام ديمقراطيين جدد فى ولايات  ميشيجان وويسكونسن، وإعادة انتخاب توم وولف حاكماً فى بنسلفانيا.

وبرغم الحديث المتزايد للحزبين الكبيرين عن توسيع قواعدهم الشعبية، فإن انتخابات التجديد النصفى للكونجرس أوضحت أن ما سيحسم الانتخابات الرئاسية هو الولايات الست أو السبع نفسها المتأرجحة. فمنذ عام 2000 وحتى اليوم صوتت 40 ولاية من أصل الولايات الامريكية الخمسين أمريكية لصالح نفس الحزب، وليس هناك ما يدعو للاعتقاد ان هذا سيتغير 2020.

فتاريخياً ولايات مثل فيرجينيا وفلوريدا وميشيجان وبنسلفينيا وويسكونسن وكولورادو وجورجيا وأريزونا ونيفادا هى التى تحسم نتائج الانتخابات الأمريكية، وبعض هذه الولايات أعطى للديمقراطيين إشارات إيجابية يمكن البناء عليها للانتخابات الرئاسية. فولاية جورجيا وهى ولاية «حمراء» بامتياز، أى تميل غالباً للتصويت للجمهوريين، كان التنافس عليها مشتعلاً فى انتخابات التجديد النصفي، ويعود هذا إلى التحولات الديموجرافية فيها، وقد خسرتها المرشحة الديمقراطية لمنصب حاكم الولاية ستايسى أبرامز أمام منافسها الجمهورى بأقل من نقطتين.

لكن هناك أيضا ولايات «حمراء» ظلت عصية على الديمقراطيين من بينها تكساس. فبرغم تحفيزه عشرات الآلاف من الشباب، فشل المرشح الديمقراطى بيتو أورورك، فى الإطاحة بالمرشح الجمهورى السيناتور تيد كروز. أما الحاكم الجمهورى الحالى للولاية، جريج أبوت، فقد أعيد انتخابه بسهولة، إذ حصل على أكثر من 13 نقطة مئوية أعلى من منافسه الديمقراطي. لكن الانتخابات النصفية أكدت حقيقة ستثير ارتياح الحزب الديمقراطى وهى أن ترامب «يمكن هزيمته» بسبب استمرار اعتماده على «قاعدته الشعبية الضيقة».

فقاعدة ترامب الشعبية لم تتراجع بسبب خطابه القومى المنغلق والحمائى ضد المهاجرين والمنافسة الخارجية والصين، لكن نتائج الانتخابات النصفية أشارت إلى أن قاعدته الشعبية «لم تتسع أيضاً».

فقد خسر ترامب ولاية مينسوتا بنسبة 1.5 نقطة مئوية فقط فى عام 2016، وقال قبل انتخابات الكونجرس الأسبوع الماضى إنه سيكون «من السهل» بالنسبة له الفوز مينسوتا فى عام 2020. لكن الديمقراطيين فازوا بمنصب حاكم الولاية وأربعة مقاعد فى مجلسى النواب والشيوخ، كما اكتسح الديمقراطيون ولاية كولورادو.

أما فى نيفادا التى توجه إليها ترامب لدعم الحملة الانتخابية لحاكمها الجمهورى دين هيلير، فقد خسرها لمصلحة المرشحة الديمقراطية جاكلين روزن. بعبارة أخري، كما أخفق الديمقراطيون فى اختراق تكساس وجورجيا، أخفق الجمهوريون فى اختراق نيفادا ومينسوتا، وهذا يعنى أن الانتخابات الرئاسية 2020 ستكون مفتوحة على كل الاحتمالات. وخلال العامين المقبلين سيكون ترامب «رئيسا تحت المراقبة» من مجلس النواب بأغلبيته الديمقراطية.

ويمكن التنبؤ بعلاقة عاصفة والكثير من الخلافات بين البيت الأبيض والكونجرس، وسيكون لذلك أثره على منطقة الشرق الأوسط، مثل باقى مناطق العالم.

ومن المرجح أن تظهر أول تأثيرات تغيير موازين القوى فى واشنطن فى الملف اليمني، فهناك عدد كبير من الديمقراطيين، ومن الجمهوريين أيضا، الذين يريدون من الإدارة أن تتخذ مواقف أكثر حزما من استمرار الحرب فى اليمن.

وتصريحات وزيرى الدفاع جيمس ماتيس، والخارجية مايك بومبيو بضرورة وقف الحرب خلال الفترة القصيرة المقبلة، ثم إعلان وقف تزويد طائرات التحالف فى الجو بالوقود، كلها مؤشرات على تغييرات لافتة فى هذا الملف. وإضافة إلى ملف اليمن، يمكن توقع تراجع كبير فى الترويج الأمريكى لمشروع «صفقة القرن»، فالظروف الإقليمية ووضع الإدارة الحالى لن تساعد ترامب فى تحريك هذا الملف فى أى اتجاه قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة. أما فى الملف الإيراني، فإمكان مجلس النواب نظرياً رفض إعادة فرض العقوبات على طهران، إذا وجد أن هذا لم يخدم الأمن القومى الأمريكي.

وكل هذا يعنى عامين من الجحيم لترامب، فالشيء المؤكد أن الحزب الديمقراطى لن يدخر وسعا لتعطيل خططه وتقييد سلطاته ومراقبة أدائه.

الاهرام