في السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ينوي ترشيح ماثيو تولر لشغل منصب السفير الأمريكي في العراق خلفاً لدوغلاس سيليمان. تأتي هذه خطوة متماهية مع السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، في ما يتعلّق بالشؤون العراقية والعقوبات الاقتصادية على إيران.
تولر ليس جديداً على قضايا الشرق الأوسط، فالرجل الذي يشغل منصب سفير بلاده في اليمن منذ أيار/مايو 2014 هو من كبار أعضاء السلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية الأمريكية، وسبق أن تولى عدة مناصب في سفارات أمريكية في المنطقة، منها منصب السفير الأمريكي في الكويت (2011-2014)، مباشرة قبل نقله إلى اليمن. وقبل ذلك، شغل منصب نائب رئيس البعثة في السفارات الأمريكية في كل من القاهرة، الكويت، الدوحة، إضافة إلى مناصب مستشار سياسي في السفارة الأمريكية بالرياض، مدير قنصلية الولايات المتحدة بعدن، ضابط سياسي وقنصلي في السفارة الأمريكية بعمّان، ومستشار سياسي في السفارة الأمريكية ببغداد، كما عمل من واشنطن نائب مدير في مكتب شؤون شمال الخليج، ومسؤولاً للشؤون المصرية في وزارة الخارجية.
ومن المفيد الإشارة هنا أن السفير الجديد يختلف عن سفراء الولايات المتحدة الأمريكية في العراق، حيث كان ماثيو تولر منسقًا بين الحكومة الأمريكية والمعارضة العراقية في الأعوام 1995 و1996و 1997، هذا يعني أنه لديه خبرة ومعرفة سابقة بهم، وما يزيد من أهمية هذا السفير أن المعارضة السياسية العراقية في ذلك الوقت، أصبحت معظمها الطبقة السياسية التي تحكم العراق في مرحلة ما بعد عام 2003م.
ويتقن تولر العربية ببراعة، ويصفه زميله في السلك ريان كروكر الذي عمل معه في العراق والكويت بأنه “أفضل مَن يتحدث العربية في سلك الخارجية ربما”. فقد قضى أربع سنوات في المغرب عندما كان والده، وهو دبلوماسي سابق، يعمل هناك، ودرس العربية العامية، كما درس العربية في الجامعة وفي القاهرة.
إلى ذلك، رأى مراقبون ومحللون سياسيون عراقيون أنّ ترامب اختار تولر “كونه أكثر المنتقدين للسياسات الإيرانية ونفوذ طهران في العراق وسورية والمنطقة العربية، وأنه مستمع جيّد لخطاب ترامب، وكان كثير العمل على إرضاء الرؤساء الأميركيين خلال فترات عمله في سفارات بلده في البلدان العربية”، لافتين إلى أنّه “خلال فترة عمله في اليمن، انتقد تولر كثيراً سياسة إيران في دعم الحوثيين، وهو الأمر الذي سيقوم على تثبيته بالنسبة لمليشيات الحشد الشعبي المقربة من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، بالإضافة إلى إرساء مبادئ أميركا لتعميم وتثبيت التزام العراق بقرار العقوبات الاقتصادية على إيران”.
ولتولر تعليقات هاجمت إيران في مناسبات عدة، وخصوصاً بشأن تحركها في اليمن، بالإضافة إلى مهاجمته مليشيا “الحوثي”، فقد قال في تصريح سابق إنّ “حكم الحوثيين في المناطق التي يسيطرون عليها، هو حكم وحشي بالنسبة للشعب اليمني”، فيما شدّد في تصريحات قبلها على أنّه “لا تهاون مع مساعي إيران لفرض هيمنتها في اليمن”.
ورأى مراقبون ومحللون سياسيون عراقيون إنّ “هناك ترقّبا لخطوة ترامب المتمثّلة بتسمية تولر سفيراً للولايات المتحدة في بغداد، فهو معروف من قبل قيادات الصف الأول بالعملية السياسية في العراق، وكان موجوداً بعد الاحتلال الأميركي وشارك بترتيب بعض الملفات”، مبينين أنه “شرس جداً ضد إيران، وقد يكون وصف فترة وجوده في بغداد بالمريحة غير صحيح، فالسفير الحالي دوغلاس سيليمان شخص مسالم، لكن الجديد يمكن وصفه بالسفير الحربي”. وينسجم وجوده في بغداد مع سياسة أمريكية أكثر هجومية تجاه نفوذ طهران والميليشيات الموالية لها في العراق، خاصة أن معارضي النفوذ الإيراني هناك يتهمون السفير الأمريكي الحالي دوغلاس سيليمان، هو ومبعوث الولايات المتحدة إلى التحالف الدولي لمحاربة داعش بريت مكغورك، بالضعف في مواجهة تحركات طهران وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.
ويرى المحللون السياسيين العراقيين أن دور السفير الجديد في تحجيم دور المليشيات ومنع التطبيع مع إيران، قائلين إنّ “الرئيس الأميركي يعرف أنّ للعراق خصوصية تتعلّق بالنفوذ والوجود الأميركي فيه، ومن خلال هذه النقطة، لا يتعامل مع العراق بمثل ما يتعامل مع باقي الدول”، مضيفين أنّ “الفصائل التابعة لإيران في العراق ستُحاصر، ولن تستطيع التطاول على السفير الجديد، بسبب تراجع الكيانات السياسية الشيعية الداعمة للفصائل على المستوى الشعبي. حتى أنّ طهران لن توجه الفصائل الموالية لها لمواجهة السفير الجديد، لأنها تقرأ المعطيات قراءة جيدة وهي تعرف أنّ لا جدوى بالاشتباك مع أميركا، في ظلّ ظروفها الاقتصادية الحالية، وبالتالي ستميل بوصلة الفصائل إلى العمل السياسي أكثر ومعاملة إيران بالحسنى بدون الإذعان لها”.
أنّ ترشيح ماثيو تولر سفيرًا جديدًا للولايات المتحدة الأمريكية في العراق يوكّد أنّ إدارة ترامب ماضية في مشروعها الهادف لمحاصرة إيران، والأهم الآن كيف سيتمكّن تولر من لملمة شتات العملية السياسية المبعثرة والتي أصبحت رهناً لسياسات إيران؟”. فمهمته لن تكون سهلة حتى لو امتلك تولر المؤهلات اللازمة لذلك، فهو سيحتاج إلى دعم بلاده له على الأرض، وهو الأمر الذي مازال يصعب على أميركا تحقيقه”. وختم الدليمي بالقول “نعم تولر سفير برتبة محارب، غير أنّ سلاحه سيكون معنوياً وليس مادياً”.
قريباً، سيصل تولر إلى العراق وسيمارس مهماته منطلقاً من ثوابت لديه: التقارب مع السعودية والإمارات، والعداء لإيران والميليشيات الموالية لها. ستنعكس آثار ذلك بشكل سريع على مطالب الأمريكيين من الحكومة العراقية، وستكون سياسات ممثل واشنطن الجديد أكثر هجومية وأكثر “جرأة” من سياسات سلفه، ويمكن منذ الآن توقّع صدامات بين فريقه وبين حلفاء طهران في العراق.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية