في شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2013، أعلن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عن معارضته سياسة مصر الرامية إلى مطاردة أعضاء «الإخوان المسلمين» واعتقال المتعاطفين معهم.
وأعرب الرئيس أوباما عن امتعاضه واستيائه من النظام المصري الجديد، عبر تأجيل مساعدات عسكرية للقوات المسلحة المصرية، تضمنت حزمة من الأسلحة المختلفة، بينها 12 طائرة مقاتلة من طراز «أف- 16»، وعشرون صاروخاً من نوع «هاربون»، و125 دبابة من طراز «أبرامز».
صحيح أن تجميد تلك الصفقة المجانية لم يطل، ولم يتأخر تسليمها أكثر من 8 أشهر… لكن الصحيح أيضاً أن القرار الأميركي السلبي دفع الجنرال عبد الفتاح السيسي إلى إثبات شعبية سياسته، عن طريق خوضه انتخابات الرئاسة التي جرت في أيار (مايو) 2014. ومع أنه حصل على 95 في المئة من أصوات المقترعين، إلا أن الرئيس أوباما ظل مصرّاً على موقفه حيال رئيس رفض توجيه دعوة رسمية إليه.
وعندما وصل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، قام بتعديل سياسة بلاده الخارجية، واعتبر مقاومة السيسي لـ»الإخوان المسلمين» جزءاً مكملاً لحملة مكافحة الإرهاب. وأيّد على الفور وجود حاكم عسكري في مصر، الأمر الذي فتح باب الاتصال بينهما، وشجّع ترامب على توجيه دعوة رسمية إليه.
ولوحظ خلال زيارة السيسي إلى واشنطن، أن الرئيسين تجاهلا موضوع حقوق الإنسان، كما تحاشيا في ردودهما على الصحافيين التحدث عن المعتقلين، وفي طليعتهم الرئيس المخلوع محمد مرسي. وكان واضحاً من خلاصة المؤتمر الصحافي الذي عقداه معاً، أن الانسجام بينهما كان يدل على وجود عوامل إيجابية تؤيد دعم دور مصر في سيناء والخليج وبلدان أفريقيا الشمالية.
وعقب المجزرة التي ارتكبها أفراد ينتمون إلى تنظيم «داعش»، راح ضحيتها أكثر من 300 مدني مصري في مسجد الروضة، حدث أن هدّد الرئيس عبد الفتاح السيسي باستخدام القوة المسلحة ضد هذه العناصر الشريرة.
وعلى الفور أيده ترامب في خطوته الانتقامية هذه، وأبرق له قائلاً: «إن شراً بهذا الحجم لا يمكن التغلب عليه إلا بالقوة العسكرية».
ويبدو أن تلك الحادثة المروعة أثارت اهتمام الكونغرس الأميركي الذي كلّف «مركز التنمية والاستقرار» في شيكاغو إعداد دراسة وافية عن هذا الموضوع.
وجاءت حصيلة الدراسة مخيبة لآمال الكونغرس والرئيس السيسي، كونها انتقدت استخدام القوة المسلحة كحلّ نهائي. وقالت الدراسة أيضاً إن استراتيجية القوة في سيناء ستجعل من هذه الصحراء مركزاً لإنتاج جيل ثانٍ من تنظيمَي «داعش» و»القاعدة». لذلك اقترحت معالجة مسألة الدولة الليبية التي تسمح باستضافة هذه التنظيمات الإرهابية التي أسست فرع تنظيم «داعش» في «ولاية سيناء»، ما شجّع الرئيس السيسي على حضور مؤتمر «باليرمو» في إيطاليا مطلع هذا الأسبوع، بهدف تسوية الأزمة الليبية.
وكانت فرنسا حاولت إيجاد تسوية تؤمّن الاستقرار لليبيا الممزقة بين كيانَين وحكومتَين: الأولى حكومة فايز السراج الموجودة في طرابلس بتأييدٍ من الأمم المتحدة، والثانية حكومة موازية في الشرق يدعمها برلمان منتخب سنة 2014 وقوات مسلحة بقيادة المشير خليفة حفتر. ولقد فشلت الحكومة الفرنسية في حينه، لأن الولايات المتحدة وإيطاليا اعترضتا على مقترحاتها.
ويتوقع المراقبون أن يشكّل مؤتمر «باليرمو» منطلقاً لما وعد رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي بتحقيقه، أي الاتفاق على خطة أساسية تساعد ليبيا وجاراتها على استعادة الأمن الداخلي لدولة عربية مهمة مزقتها الحرب الأهلية. ووُصفت المحادثات التي أجراها السيسي مع وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني ومبعوث الأمم المتحدة الخاص غسان سلامة، بأنها مفيدة للطرفين، أي لجناح فايز السراج وجناح خليفة حفتر.
في هذه المناسبة، أعلن سلامة عن ضرورة إجراء انتخابات تساعد على توحيد البلاد، لكنه طالب بعقد مؤتمر وطني مطلع السنة المقبلة، من أجل الاتفاق على طبيعة الانتخابات، وما إذا كانت برلمانية أم رئاسية!
الرئيس السيسي لم يكن مهتماً بنوع الانتخابات، بمقدار اهتمامه بنزع سلاح الميليشيات وتوفير ترتيبات أمنية تبعد أنصار «داعش» و»القاعدة» عن سيناء. والثابت أن هذين التنظيمين وجدا في ليبيا مرتعاً خصباً لإرهابهما، اعتمداه بديلاً من فقدان العراق وسورية واليمن. ولقد استغلا تفكيك النظام الذي صنعه معمر القذافي، لافتعال مجازر في مختلف المحافظات. وكان لافتاً إصرار «داعش» على إرهاب الشعب الليبي، الأمر الذي دفع الى إنشاء قوة شعبية سميت «البنيان المرصوص»، وهي قوة تابعة لحكومة الوفاق الوطني. وأهم ما فعلته في هذا المجال هو أنها منعت سيطرة «داعش» على المدن والبلدات الممتدة شرقاً وغرباً على طول 250 كيلومتراً من خليج «سرت» إلى مدينة «مصراتة» التي تبعد مسافة 250 كيلومتراً شرق طرابلس.
بعد طرد «داعش» في نهاية العام 2016 من «درنة» و»سرت»، انتشرت عناصره المسلحة في صحراء سيناء. وخلال النصف الأول من عام 2017، أُبعدت تلك العناصر من ليبيا، خصوصاً في المنطقة الممتدة من جنوب سرت إلى الجنوب الشرقي لمدينة «بني الوليد» حيث تكثر الوديان، الأمر الذي جعلها مكاناً مناسباً لاختباء الإرهابيين. وعندما حاولت قوات هذا التنظيم الاستيلاء على «حقل الظهر» النفطي في منطقة «زلة»، تصدت لها قوات خليفة حفتر وأبعدتها. وهنا تدخل الطيران الحربي الأميركي ليشترك في المواجهة، ويساهم في شلّ قدرات «داعش» داخل ليبيا.
تشير المعلومات إلى اهتمام السيسي بإقصاء الإرهابيين عن الساحة المصرية منذ سنة 2013، عندما كان يشغل منصب وزير الدفاع. وعلى رغم نجاح متواضع حققه في عرقلة عمل التنظيمات المتشددة، إلا أن «داعش» بقي قادراً على شنّ هجمات ولو متقطعة ضد الجنود والشرطة ورجال الدين الأقباط.
وترى وزارة الداخلية المصرية أن جماعة «الإخوان المسلمين» هي التي تقف وراء عمليات التحريض ضد الأقباط، كونهم يمثلون قوة مؤثرة في الولايات المتحدة تعمل لمصلحة النظام الذي يرأسه السيسي. ومع أنهم لا يشكلون أكثر من 10 في المئة من عدد سكان مصر، إلا أن ولاءهم لسيد العهد جعلهم هدفاً سهلاً للهجمات المتواصلة في القاهرة والأرياف.
وآخر عملية إرهابية استهدفت أقباطاً أثناء عودتهم من رحلة دينية، أدت الى مقتل 7 أشخاص وجرح آخرين.
واختار الإرهابيون توقيت افتتاح مؤتمر «منتدى شباب العالم» برعاية السيسي في محافظة شرم الشيخ، لكي يعرقلوا كل مسعى لإنعاش القطاع السياحي في مصر، علماً أن السياحة تُعتبر من أهم مصادر الدخل القومي وأكثرها ثباتاً. لذلك قامت وزارة السياحة بعقد ندوة استمرت 4 أيام، حضرها أكثر من 5 آلاف شخص يمثلون 160 دولة حول العالم.
بعد الحادث، بادر الرئيس السيسي الى إجراء اتصال هاتفي بالبابا تواضروس الثاني، مقدّماً له تعازيه بالضحايا الأبرياء.
ونتيجة اهتمام الدول العربية والإسلامية بسلامة الوحدة الوطنية في مصر، صدرت سلسلة إدانات واستنكار للعمل الإرهابي الذي استهدف باصاً يقلّ أقباطاً.
ودان العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز هذا العمل الإجرامي، في برقية تعزية ومواساة بعث بها إلى رئيس مصر وشعبها.
كذلك صدرت عن الكويت ودولة الإمارات والبحرين بيانات رسمية تشجب العنف والإرهاب وكل ما يمسّ باستقرار مصر ووحدة نسيجها الاجتماعي.
بقي السؤال المتعلق بالتدابير والإجراءات التي اتخذها السيسي، وما إذا كانت ستنجح في ضبط الأمن والاستقرار في مصر.
هذا السؤال يقود الى فتح ملف «الإخوان المسلمين»، وما خططوا له خلال سنةٍ حكم فيها محمد مرسي. وتقول المعلومات إن السيسي اكتشف عبر مراقبة خطوط هاتف الرئيس مرسي، أن الأخير يتآمر مع زعيم «القاعدة» لحل الجيش النظامي تدريجاً، واستبداله بحرس ثوري، على غرار ما فعل نظام الملالي في إيران!
وكتبت مجلة «إيكونومست» في عدد سابق، تقول إنه على رغم مؤشرات إيجابية ظهرت في مصر، بعدما حصل السيسي على ولاية ثانية بنسبة 92 في المئة، إلا أن رقابة الدولة على أخبار الصحف دفعت الشعب الذي تخطى عدده المئة مليون نسمة، إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتعويض عما يفوته من أنباء. وتؤكد الصحف الأجنبية أن ظروف مصر تحسنت بعد ركود طويل، أعقبه نمو اقتصادي مرتفع. إضافة إلى هذا، فإن شركات التنقيب عن الغاز الطبيعي اكتشفت كميات ضخمة يمكن استثمارها في بناء العاصمة الجديدة التي تشيّد في الصحراء الشرقية، وهي ثمرة دراسات وضعت بهدف التخفيف من الضغط السكاني على القاهرة.
عندما أمسك السيسي بمقاليد الحكم سنة 2013، توقع المواطنون ظهور نهج اقتصادي مختلف عن ذاك الذي ساد في عهد حسني مبارك. لكنهم سرعان ما اكتشفوا أن أسعار المعيشة ارتفعت بنسبة النصف تقريباً عما كانت عليه. وبسبب ازدياد عدد العاطلين عن العمل، شهدت خلايا «الإخوان المسلمين» أعداداً كبيرة من «المتطوعين» الذين يبحثون عن «لقمة العيش».
ومن المؤكد أن هذه المسألة الشائكة ستكون في طليعة اهتمامات السيسي، في حال تم تعديل الدستور لانتخابه مرة ثالثة.
لكن الأمم المتحدة مهتمة حالياً بنزع فتيل الحرب المتوقعة، إذا تجاهلت إثيوبيا مطالب مصر ومضت في بناء «سد النهضة» وتحويل مياه النيل!