شذى خليل*
كشفت الوثائق الرسمية الحكومية العراقية ، عن أكبر عملية فساد وتهرب ضريبي ، بخسائر تقدر بأكثر من (180) مليون دولار في عقد تطوير حقل الأحدب النفطي ، الذي يقع في محافظة واسط ، بناحية الأحرار على بعد (27) كيلومتر غربي مدينة الكوت ، ويقدر الاحتياطي النفطي في حقل الأحدب بأكثر من مليار برميل.
في يوم 10/11/2008 وقعت شركة البترول الصينية CNPC عقد مدته 23 عام لتطوير الحقل ، حيث بدأ العمل في الحقل عام 2009 من قبل شركة الواحة الصينية بعد اجراء المسوحات الزلزالية الثلاثية الابعاد (3D) وحفر آبار استكشافية جديدة ، بالإضافة الى الآبار القديمة , يتكون الحقل من ثلاث قبب (القبة الاولى , القبة الثانية , القبة الرابعة) وجاءت تسمية القباب نسبة الى الآبار الأولى التي حفرت في هذه القباب ، ويعمل الحقل بطاقة انتاج بدأت بـ60 ألف برميل ووصلت الى 120 ألف برميل يوميا.
وتم اعتبار الضريبة لـ(شركة الواحة الصينية) ككلف نفطية مستردة ، أي انها تدفع وتسترد تلك المبالغ الضريبية التي قدرت بأكثر من (180) مليون دولار ، لكنها لم تدفع منذ عام 2009 ولغاية 2014 ، إذ انه تلاعب بالمال العام بناءً على مخالفات قانونية وإدارية وفقا لمحضر اجتماع الرقابة الداخلية لوزارة النفط العراقية ، بحسب الوثائق الأتية:
مخالفة القانون العراقي النافذ ، قيام شركة الواحة (الصينية) بإعفاء جميع الشركات والمقاولين الثانويين التابعين لها المتعاقدة معهم من الدفع الضريبي.
التهرب الضريبي ، إذ تعمل الواحة جاهدة بالتنسيق مع الهيئة العامة للضرائب بعدم احتساب الغرامات التأخيرية وتبويبها بأبواب أخرى في وصولات الدفع ليكون استردادها من وزارة النفط ككلف بترولية أمرا طبيعيا.
لا يجوز اعتماد أسلوب صافي السعر (net price) في التعاقدات الحكومية العراقية ، كما لا يجوز تحميل الحكومة سداد نفقات المقاولين الثانويين.
وقعت الواحة مع الشركات التابعة لها عقودا بمبالغ صافية وبدون دفع ضريبي ، وبالتالي تسترد تلك المبالغ المدفوعة ككلف بترولية.
عملت (الواحة الصينية) على إيهام شركة نفط الوسط بدفعها (30) مليون دولار ، لإبعاد الأنظار عما تبقى في عهدتها من الـ(150) مليون دولار بحسب مصادر في وزارة النفط العراقية .
بعد كشف الرقابة المالية في وزارة النفط العراقية هذا الفساد والتحايل على القانون ، سارعت الواحة الى تقديم الرشاوى لكبار المسؤولين في الوزارة وإيفادهم الى الصين للتغطية على عمليات الاختلاس الكبيرة .
على الرغم من تقديم تقارير الرقابة المالية واللجان المشكلة التي أفضت الى الكشف عن حجم الفساد والتهرب الضريبي ، الا ان وزارة النفط لم تستقطع لغاية الآن أية مبالغ من دفعات شركة الواحة وما بذمتها من عائدات لخزينة الدولة ، ما يضع أكثر من علامة استفهام عن هذا التغاضي المتعمد من قبل المسؤولين في الوزارة.
قيام مدير مكتب شركة الواحة الصينية في بغداد والذي يتحدث اللغة العربية المدعو (Li Zhenmin) والملقب بـ(عبد العزيز) عراب الصفقة ، بتقديم الرشاوى المادية والمعنوية والسفرات لكل المعنيين بهذا الملف ، بما فيها الجهات الضريبية ، المتواجدون حاليا في الصين بدعوى رتبها الصيني (عبد العزيز) بغية عدم استقطاع أية مبالغ من شركة الواحة ، بحسب ما ذكرته مصادر الوثائق.
احتياطي العراق:
يملك العراق (118) مليار برميل من احتياطيات النفط المؤكدة ، ويمكن إضافة (235) مليار برميل آخر إلى هذا الاحتياط ، كذلك يملك العراق (78) تريليون قدم مكعب من احتياطيات الغاز المثبتة التي يمكن أن يضاف إليها (110) تريليون قدم مكعب آخرى ، من خلال تعزيز عمليات التنقيب وتطويرها واستخدام التكنولوجيا المتقدمة ، وان الاكتشافات الجديدة أظهرت أن العراق يملك ما يصل إلى (350) مليار برميل ، وهذا يمثل الاحتياط الأكبر في العالم.
يعادل هذا الرقم ثلاثة أضعاف الاحتياط المثبت الحالي ، وهو أعلى من احتياط النفط السعودي الحالي المقدر بنحو (246) مليار برميل .
إنّ التقديرات الجديدة قد تمّت استناداً إلى آخر عمليات المسح الجيولوجي والزلزالي للبيانات التي جمعتها شركات البترول العالمية ذات السمعة التكنولوجية العالية.
كل هذه الثروة الطائلة ، والعراق يعاني من الفقر والبطالة وتوقف عجلة الإنتاج ، منظمة الشفافية الدولية تقول بأن الفساد في العراق ليس من جراء إساءة استعمال السلطة للحصول على مزايا شخصية ، إنما من خلال توظيف السلطة لممارسة الفساد وتوظيف الفساد لبلوغ السلطة ، والفساد بات يشرعن ويقنن ويمارس علناً .
ويجب على الحكومة العراقية ان تضع حداً للفساد المستشري في جسد وأروقة الدولة ومؤسساتها ، وأن تحقق نتائج حاسمة في مواجهته ، والخطوة الأهم اليوم هي توافر الإرادة السياسية لمعالجة هذه المشكلة على نحو جدي ، فمشروع محاربة الفساد في العراق أصبح ضرورة ملحة ومهمة ليست بالسهلة إطلاقاً ، ولكنها ليست مستحيلة ، فالفساد في العراق سبب ونتيجة.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية