دخلت ألمانيا على خط الصراع الصحراوي، وهو ما يثير توجس المغرب الذي بعث بوزير خارجيته ناصر بوريطة الجمعة، إلى برلين تزامنا مع لقاء جمع المبعوث الأممي إلى الصحراء هورست كوهلر ووزير الخارجية الألمانية هايكو ماس.
وعقد وزير الشؤون الخارجية الألماني الخميس في العاصمة برلين، اجتماعين منفصلين الأول مع ناصر بوريطة، والثاني مع هورست كوهلر، حيث تدعم ألمانيا الخطوات التي يقوم بها المبعوث الأممي إلى الصحراء وإشرافه على المسلسل الأممي، مشيرة إلى أنه بـ”بفضل التزامه الكبير وعمله الشاق تمكن من إعطاء زخم جديد للعملية السياسية وتنظيم مفاوضات مباشرة حول مستقبل نزاع الصحراء”.
ويأتي الاجتماعان مع قرب انطلاق المحادثات في 5 و6 ديسمبر الجاري بجنيف حول الصحراء استجابة للقرار الأممي رقم 2440.
وطرح لقاء وزير الخارجية الألماني مع المبعوث الأممي استفهامات كثيرة حول الأدوار التي تود برلين أن تلعبها في ملف الصحراء بعد سنوات من تجاهل الملف. ويقول الباحث في العلوم السياسية محمد الزهراوي لـ”العرب” إن “اللقاء الألماني/ الألماني بين كوهلر وماس يشير إلى بداية تدخل وإقحام هذه الدولة الأوروبية في نزاع الصحراء لتنافس وتزاحم النفوذ والتأثير الفرنسيين، وهنا يمكن فهم زيارة بوريطة لألمانيا، فالمغرب بدوره متوجس ويتابع عن كثب هذه التحولات”.
وفي مؤتمر صحافي مشترك بين وزير الخارجية الألماني ونظيره المغربي، في برلين، دعا هايكو ماس كلا من المغرب والجزائر والبوليساريو وموريتانيا إلى التعبير خلال المائدة المستديرة المرتقبة عن الرغبة في التوصل إلى حل توافقي، داعيا الدول المشاركة في اللقاء إلى تصفية الأجواء وتسوية الخلافات بـ”عقلية منفتحة” و”إرادة للتوافق”، وأكد أن الحكومة الألمانية ستبذل قصارى جهدها لمواصلة دعم العملية السياسية.
ويتماشى دخول ألمانيا على خط النزاع في الصحراء مع رغبة القيادات بالجزائر الذين يتوجسون من دعم فرنسا لحل سياسي عادل وواقعي. ويرى الزهراوي “أن الجزائر ما فتئت تبحث عن مناصر أوروبي قوي يزاحم وينافس فرنسا، لتحقيق نوع من التوازن مع المغرب داخل الفضاء الأوروبي وداخل مجلس الأمن، فالجيش الجزائري يؤرقه ويزعجه الفيتو الفرنسي ويعتبره بمثابة العائق الذي يمنعه من تحقيق أجندته الرامية إلى خلق دويلة وهمية في الصحراء”.
اللقاء الألماني/ الألماني بين كوهلر وماس يشير إلى بداية تدخل برلين في نزاع الصحراء لتنافس وتزاحم النفوذ الفرنسي
واعتبر الزهراوي أن الجزائر تشتغل بشكل جدي على “الموقف الفرنسي فبعدما عجزت عن خلخلته لصالحها أو تحييده، تحاول الآن البحث عن بدائل جديدة تكاد تكون مستحيلة، لا سيما وأن تحقيق هذا المبتغى المرتبط بتناوب فرنسا وألمانيا على الفيتو أو جعله أوروبيا، يتطلب تعديل ميثاق الأمم المتحدة، وهذا الأمر معقد جدّا ويصعب التوافق بشأنه ويظل مستبعدا”.
وفي السياق ذاته أكد محسن جازولي، الوزير المنتدب المكلف بالتعاون الأفريقي، في تصريح صحافي، أن لقاء جنيف سيكون مناسبة للمغرب لأن كل الأطراف المعنية ستكون حاضرة، ما سيضع كل طرف أمام مسؤولياته، ولكي يلعب كلٌّ الدورَ المطلوب منه.
وأضاف أن هذا مهم بالنسبة إلى المغرب للتذكير بالحل الذي اقترحه سنة 2007، المتمثل في الحكم الذاتي، والذي اعتبره المنتظم الدولي “حلا جديا وذا مصداقية وواقعيا” وتعهد بوضعه على الطاولة من جديد.
ورغم أن الدعاية الجزائرية والبوليساريو كانت تسوّق إلى لقاء جنيف على أنه محطة مفاوضات مباشرة مع المغرب إلا أن الموقف الرسمي المغربي نفى ذلك حيث أكد مصطفى الخلفي، الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، الناطق الرسمي باسم الحكومة، أن المحادثات ستكون بمثابة “مائدة مستديرة” وليست جولة مفاوضات.
وفي ما يتعلق بالوفد المغربي المتوقع تواجده بسويسرا، فإن ممثلين منتخبين من الأقاليم الجنوبية سيحضران إلى جانب ناصر بوريطة، وزير شؤون الخارجية والتعاون الدولي، وياسين المنصوري مدير الإدارة العامة للدراسات والمستندات، وهما سيدي حمدي ولد الرشيد، رئيس مجلس جهة العيون الساقية الحمراء، والخطاط ينجا، رئيس مجلس جهة الداخلة وادي الذهب، أما موريتانيا فيمثلها وزير الخارجية، إسماعيل ولد الشيخ أحمد.
ولم يعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، عن الوفد الذي سيشرف على لقاء جنيف، ولمحت الأمم المتحدة إلى أن امرأة ستكون حاضرة دون الكشف عن هويتها وجنسيتها، ويدفع الأمين العام إلى أن يبقى الملف داخل أروقة الأمم المتحدة دون أن تعبث به أياد أخرى إقليميا ودوليا.
آمال ضعيفة تحيط بشأن حدوث تقدم خلال المحادثات المرتقبة، في ظل تفاقم الأزمة الصامتة بين المغرب والجزائر
ويتكون الوفد الجزائري من كل من عبدالقادر مساهل، وزير الخارجية، وعبدالله بعلي، المستشار في الخارجية الجزائرية، وصابري بوكدوم السفير الجزائري لدى الأمم المتحدة، وإلى جانبه وفد البوليساريو، الذي يتكون من خطري أدوه، رئيس ما يسمى بـ”برلمان البوليساريو”، وامحمد خداد، الرئيس السابق لـ”الأمن العسكري”، وفاطمة المهدي، رئيسة جهة مسؤولة عن حقوق المرأة.
ولم تستسغ البوليساريو طبيعة الوفد المغربي معربة حسب تقارير صحافية مقربة من الجبهة رفضها الجلوس على طاولة واحدة مع أي شخص قد أعلن دعمه “للاحتلال” حسب زعمهم، والواقع أن ممثلي سكان الأقاليم الجنوبية معترف بهم بشكل قانوني ويخضعون لسيادة دولة معترف بها وينتمون إلى أحزاب رسمية واستحقوا مناصبهم بحكم انتخابات حققت نسبة عالية من الشفافية والمصداقية.
وتحيط آمال ضعيفة بشأن حدوث تقدم خلال المحادثات المرتقبة، ولا سيما في ظل تفاقم الأزمة الصامتة بين المغرب والجزائر، على خلفية تجاهل الأخيرة لدعوة المغرب إلى الحوار مطلع نوفمبر الماضي. وفي 6 نوفمبر الماضي، دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس الجزائر إلى إنشاء لجنة مشتركة لبحث الملفات الخلافية العالقة، بما فيها الحدود المغلقة. وربط الملك محمد السادس خلال خطابه بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء مسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بمسار التنمية السياسية، وتحدث عن أهمية البعد المغاربي في مقاربة السياسة الخارجية لبلاده.
وأكد أن “واقع التفرقة داخل الفضاء المغاربي، في تناقض صارخ وغير معقول مع ما يجمع شعوبنا من أواصر الأخوة، ووحدة الدين واللغة، والمصير المشترك”.
وبدل الرد عن المبادرة المغربية بشكل مباشر، اختارت الجزائر أسلوب المناورة السياسية، حيث دعت إلى عقد اجتماع عاجل لوزراء خارجية دول الاتحاد، في محاولة لتعويم المبادرة المغربية.
وسبق أن عقدت جولات مفاوضات بين المغرب والبوليساريو لم تعط النتائج المرجوة نظرا لتشبث الطرف الآخر بأطروحة الانفصال التي لا يدعمها المنتظم الدولي، كان آخرها سنة 2012 بمنهاست.