مرّ العام 2018 استثنائيا بكل المقاييس على الاقتصاد التركي الذي عانى خلاله العديد من الأزمات، لكن ذلك لم يمنعه من تحقيق عائد غير مسبوق من الصادرات الخارجية.
ودخلت تركيا العام الحالي بمستوى نمو اقتصادي هو الأعلى عالميا وبنسبة تزيد على 7%، لتواجه بعد ذلك عقبات التخفيض الائتماني والعقوبات الاقتصادية الأميركية التي قادت إلى انهيار سعر صرف الليرة، التي فقدت نحو نصف قيمتها في مواجهة الدولار الأميركي خلال الأشهر الأربعة الماضية.
ورغم ذلك، حققت تركيا خلال هذا العام أعلى مستوى من الصادرات في تاريخ الجمهورية، وفق بيان أصدرته وزيرة التجارة التركية روهصار بكجان السبت الماضي.
ونقلت وكالة الأناضول التركية الرسمية عن الوزيرة قولها إن “صادراتنا خلال 12 شهرا الأخيرة ازدادت بنسبة 7.8%، وبلغت 168 مليارا و77 مليون دولار، وهو الأعلى في تاريخ الجمهورية على المستوى السنوي”.
وتظهر هذه الأرقام أن تركيا تسير نحو تحقيق خطط برنامجها الاقتصادي الذي تسعى من خلاله إلى زيادة الصادرات بنسبة 7.1% لتبلغ 182 مليار دولار في العام 2019.
سياسات التعزيز
وتشير بيانات وزارة المالية والخزانة التركية إلى أن نجاعة قطاع الصادرات ترجع إلى ثلاثة اعتبارات أساسية، هي تشجيع القطاع الخاص الضخم في تركيا، والاتجاه نحو التوسع في الصناعات، وتقديم إعفاءات ضريبية استثنائية للصادرات الخارجية.
ووفقا للبيانات فإن العوامل الثلاثة عملت على التجسير بين نشاطات الإنتاج والتسويق، فجعلت تركيا خلال العامين الأخيرين مركز جذب رئيسيا للاستثمارات.
وقال الأكاديمي والخبير الاقتصادي شهاب العزعزي إن تشجيع الاستثمار الأجنبي يعد أبرز السياسات الاقتصادية التي انتهجتها تركيا لتعزيز صادراتها، رغم الأزمات السياسية العديدة التي تعرضت لها في السنوات الماضية.
وأشار إلى أن أنقرة عدلت عددًا من القوانين، وأهمها قانون منح الجنسية ليصبح أكثر جذبا للمستثمرين، كما اتبعت سياسة الانفتاح على الأسواق العالمية لزيادة حجم التبادل التجاري معها.
وقال للجزيرة نت إن تركيا بذلت جهودا كبيرة لوضع حلول لتبادل العملات المحلية مع دول الجوار بدلا من الدولار، الأمر الذي خلق مناخا من التفاهم مع عدد من الشركاء التجاريين انعكس بالإيجاب على نشاط التبادل التجاري.
ووفقا للخبير الاقتصادي العربي العزعزي، فقد أولت تركيا اهتماما كبيرا بالبعد النفسي الداخلي كسياسة اقتصادية حافظت على ثبات الاقتصاد التركي في مواجهة الأزمات، حيث اتبعت أنقرة سياسة غرس الثقة في نفوس المواطنين والمقيمين تجاه الاستقرار المعيشي عبر تثبيت أسعار السلع عند ارتفاع معقول لا يؤثر بصورة عميقة على مستوى حياة السكان.
اقتناص الفرص
وتظهر متابعة نشاط الاقتصاد التركي وقطاع الصادرات منه على وجه التحديد عددا كبيرا من الأنشطة التي مارستها تركيا خلال السنوات الأخيرة والتي أفضت في محصلتها إلى القفزة الكبيرة في الصادرات.
فقد استفادت أنقرة اقتصاديا من بعض أزمات الجوار، فملأت صادراتها الفراغ الذي خلفته العقوبات الأميركية علىإيران في حزمتي أغسطس/آب ونوفمبر/تشرين الثاني الماضيين.
ويعد العراق أهم الأسواق التي فتحت أبوابها أمام البضائع التركية في ظل العقوبات على إيران، حيث تعمل أنقرة على توريد المواد الغذائية والزراعية والمنسوجات إلى بغداد وأربيل، كما أصبحت أهم موردي الآلات ومعدات البناء وصناعة السيارات للعراق.
ونشطت تركيا في فتح الأسواق الجديدة لمنتجاتها خاصة في دول أفريقيا مثل إثيوبيا وغانا والسودان، وهي مساحة تضاف إلى أسواق تركيا التقليدية كالاتحاد الأوروبي ودول الشرق الأوسط.
وعملت تركيا خلال السنوات الأخيرة على تنويع “سلة” صادراتها، وركزت على صادرات الصناعات الثقيلة كمعدات البناء التي ارتفعت منذ مطلع العام الجاري وحتى نهاية سبتمبر/أيلول الماضي بنسبة 20.8%، وحققت عائدات بقيمة فاقت 15 مليار دولار، والسيارات التي ارتفعت خلال الشهور الـ11 الماضية بنسبة 12%، لتفوق 29 مليار دولار مقابل 28.5 مليارا العام الماضي.
كما نشطت تركيا في الترويج لمنتجاتها خارجيا وجذب الزبائن لها عبر عشرات المعارض والمنتديات والفعاليات الدولية التي أقامتها وكان آخرها معرض “موصياد” السابع عشر ومعرض وقمة منتجات الحلال.
ووقعت تركيا اتفاقيات تعاون ومذكرات تفاهم خارجية نوعية وآخرها “اتفاقية الشراكة التجارية والاقتصادية” معقطر التي تهدف إلى تحرير التجارة في السلع والخدمات والتعاون في التجارة الإلكترونية وجذب الاستثمارات بين الطرفين.