تباينت ردود الفعل في فرنسا بعد إعلان رئيس الوزراء فيليب إدوارد عن إجراءات للتخفيف من حدة احتجاجات “السترات الصفراء” المتواصلة منذ أواخر الشهر الماضي، في وقت دعت فيه الحركة إلى مظاهرات جديدة السبت المقبل.
وأقر إدوارد أمس تعليق الإجراءات الضريبية المفروضة على الوقود ستة أشهر، وتعليق تقوية إجراءات الرقابة الفنية وتعليق الزيادة في تعريفة الغاز والكهرباء والترفيع في الحد الأدنى للأجور بنسبة 3%.
وفي حين اعتبر محللون هذه الإجراءات بداية لانفراج الأزمة وفتح قنوات حوار جديدة مع “السترات الصفراء”، قال آخرون إنها مجرد حلول ترقيعية ووقتية لن تثني المحتجين عن مواصلة مطالبهم، خاصة أن تراجع الحكومة عن قراراتها السابقة كان بمثابة نصر لهم.
واستغرب الصحفي أنطوان روندلجيث هذا التراجع السريع، متسائلا “كيف تحول رفض الزيادة في أقل من أسبوع الى زيادة بنسبة 3%؟”.
غير كافية
بدورها، أكدت الطالبة نورة.أ (رفضت نشر اسمها كاملا) المنتمية إلى حركة السترات الصفراء منذ بدايتها، أنه “لا تراجع أمام الاقتراحات المضحكة التي اقترحتها الحكومة”.
وفي حديثها للجزيرة نت، قالت إن المدة الزمنية لهذه القرارات (ستة أشهر) محدودة ولم تقدم أي ضمانات كافية لما بعدها، كما أن المطالب الفعلية أهملت، مضيفة “نحن لا نثق بما قدمته الدولة لأننا لا نعلم مدى مصداقيتها في الرغبة بتغيير الأوضاع الاجتماعية وتحسينها على المدى الطويل”.
واعتبرت أن الترفيع في الدخل الأدنى بنسبة 3% لن يحسن القدرة الشرائية ويوفر العيش الكريم للفرنسيين، قائلة بنبرة ساخرة “هي زيادة للضحك على الذقون”.
وأشارت نورة إلى أن الحكومة تدفع اشتراكات في الصحف بقيمة 25 ألف يورو، ولا تكترث بعدد المستشارين وكتاب الدولة والنواب الذين رأت فيهم مجرد عبء على الدولة دون تقديم أي خدمات جليلة.
في السياق نفسه، اعتبر الناشط الحقوقي ورئيس جمعية “روزا باركس” عمر سلواتي أن الحكومة حاولت نزع فتيل التوتر من خلال اقتراح ثلاثة آليات، لكنها تناست أن حركة السترات الصفراء تمثل أيضا فئة المتقاعدين الذين ضاقوا ذرعا من معاشهم المنخفض.
وقال سلواتي للجزيرة نت “السترات الصفراء هم أيضا الحرفيون الذين لا يكفيهم راتبهم على إنهاء مصاريف شهر”، معتبرا أن ردود هذه الحكومة لم تكن متأخرة فحسب، بل إنها لا ترقى إلى مستوى المخاطر. وطالب بإعادة هيكلة الضرائب ليدفع الأغنياء أكثر وبزيادة الأجور بشكل يتماشى مع متطلبات غلاء المعيشة”.
من جهته، قال الأستاذ الجامعي المتخصص في تاريخ فرنسا بجامعة “بوردو” الفرنسية شرف الدين مسلم إن ما يحدث اليوم هو إعادة لمشاهد من التاريخ الفرنسي، فطريقة التعبير عند الفرنسيين هي القوة ثم التفاوض وهو ما يحصل اليوم من قبل السترات الصفراء الذين يصعدون ويفرضون التفاوض بالقوة.
وأكد للجزيرة نت أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وحكومته ومستشاريه لم يطلعوا على أحداث الثورة الفرنسية التي قامت على المواجهات العنيفة لتحقيق التغيير وتشبث الحكومة الفرنسية بالعلاقة العمودية التي لطالما عاشها المجتمع الفرنسي عبر التاريخ.
الانتفاضة متواصلة
واشتعلت صفحات السترات الصفراء على منصات التواصل الاجتماعي بعد خطاب إدوارد فيليب ساخرة من الحلول التي قدمتها الحكومة، داعية إلى ضرورة مواصلة الاحتجاجات وذلك بالنزول يوم 8 ديسمبر/كانون الأول إلى الشوارع الفرنسية لأن الحكومة لم تفهم مطالب المحتجين.
وأكدت نورة ذلك مشيرة إلى أن أفرادا من حركة “السترات الصفراء” قاطني المدن الداخلية في طريقهم إلى باريسللمشاركة في الوقفة الاحتجاجية السبت المقبل.
وأضافت “إن لزم الأمر سنتظاهر كل سبت حتى تجد الحكومة حلولا جذرية وجدية لمطالبنا فالغضب الحقيقي هو الغضب الداخلي لدى المحتجين الذي سيكون حافزا قويا لعدم الرضوخ”.
لغة بسيطة
وفي السياق، قال النائب نيكولا تيركوا عن حركة الديمقراطيين المنصهرة مع حزب ماكرون إنه “على الرئيس الفرنسي الخروج إلى الشعب والتحدث معهم بلغة بسيطة وخاصة بتواضع أمام من يعانون من ثقل الضرائب”.
وهو ما علقت عليه نورة بأن ماكرون يختبئ ليتبرأ فيما بعد مما سيحدث، لكن إن لم يخرج في الفترة القريبة القادمة فإن أصحاب السترات الصفراء هم من سيبحثون عنه ويجدونه وحينها عليه أن يقدم استقالته، وفق رأيها.
ولم تقتصر احتجاجات السترات الصفراء على الطبقة العمالية والمتقاعدين فقط، وإنما شملت تلامذة المعاهد، الذين وصل عددهم لأكثر من 5000 تلميذ تظاهروا في كامل أنحاء فرنسا مساندة لمطالب السترات الصفراء ورفض الإصلاحات المفروضة على سلك التعليم العمومي وضد قمع الاختيار في الجامعة.
وانضم العديد من الأسماء الفنية الفرنسية والعالمية لحركة السترات الصفراء على غرار الممثلة الكندية باميلا أندرسون التي دونت على تويتر “أنا أحتقر العنف.. لكن عنف كل هؤلاء الناس وحرق السيارات الفاخرة لا يمثل شيئا مقارنة بالعنف الهيكلي للنخب الفرنسية والعالمية”.
دعوة للتراجع
وردا على الخروج للتظاهر السبت المقبل في الشوارع الباريسية، دعا وزير الداخلية أمس السترات الصفراء إلى التراجع، وأنه في حال عدم الانصياع ستستدعى “قوات أمن إضافية”، إضافة إلى قوات الأمن البالغ عددها 65 ألفا السبت الماضي.
وأوضح أن من بين أولوياته النظر في “الحركة المتطرفة للمخربين” والداعين إلى العنف على منصات التواصل الاجتماعي.
وفي بيان صحفي صدر الاثنين الماضي، أكد مجلس جنيف لحقوق الإنسان والعدل “المسؤولية القانونية للحكومة في الابتعاد عن تسيس المظاهرات الشعبية ومحاولة تحوير أهدافها تحت حجج أمنية والعمل الفوري على الاستجابة لمطالب المحتجين ودعم تحركهم السلمي.
وشدد على أن هذه القاعدة الشعبية الجديدة تندرج في سياق تقليد من التمرد العفوي ضد السياسات الحكومية بما يتطلب من الحكومة الفرنسية العمل الجاد للاستجابة لمطالب الاحتجاجات وليس التربص بمحاولة احتوائها أمنيا.